لا تشعر فاطمة 22 سنة، بانتمائها إلى أي من المجتمعات والثقافات التي تعرفها، وتعتبر نفسها خليطاً من هذا وذاك... على غرار الأمم المتحدة! فهي عاشت معظم حياتها في دولة الإمارات، في كنف عائلة مكونة من جنسيات مختلفة: أم مصرية، زوج أم إماراتي تعتبره كوالدها، اخوة إماراتيون من أمها، أخوة من أبيها اليمني من زوجة ألمانية، وأخت متزوجة من لبناني. ناهيك بأن أحد أعمامها متزوج من روسية. ولكل من أفراد تلك العائلة نمط حياة مختلف، ما جعل فاطمة تتعرف منذ صغرها الى عادات وتقاليد وثقافات متنوعة. ويتميز أفراد عائلتها بالانفتاح على بعضهم البعض على رغم اختلاف تفكيرهم وحياتهم، غير أن هذا الانفتاح يتفاوت فيما بينهم عندما يتعاملون مع من هو خارج إطار العائلة، فبعضهم يندمج و يتأقلم بسرعة والبعض الآخر يتحفظ. تكمل فاطمة دراستها الجامعية في القاهرة، كونت خلالها صداقات من دول عدة. ويقول هاشم 22 سنة أحد أصدقائها إنها"تستطيع تقبل أناس لديهم عادات مختلفة، وتتعامل معاهم بكل سلاسة". لكن فاطمة غالباً ما تشعر عند تعاملها مع أصدقائها الجدد بصعوبة الاندماج كلياً معهم. وتواجه المشكلة نفسها عندما تكون في الإمارات، أو عندما تلتقي مجموعة تعرفت اليها من طريق عائلتها أو خلال سفراتها. وتذكر نفسها في كل مرة تقابل فيها أصدقاءها، بأنها يجب أن تتصرف بطريقة"معينة"بحسب جنسيتهم. ولا تشعر بأنها تنتمي الى أي من المجتمعات التي تعرفها، فلديها إحساس دائم بالغربة والاختلاف:"يعتبرونني منفتحة زيادة عن اللزوم في الإمارات، ومنغلقة في مصر". وفيما جعل هذا التنوع منها انسانة مقبلة على ثقافات عدة ومتقبلة للآخر، جعل منها أيضاً انسانة محتارة ومشوشة، لم تستطع أن تختار نوع الحياة التي تريدها وشكلها. وترى فاطمة أن هذا الارتباك والصراع الداخلي هو أسلوب حياة في حد ذاته, فهي تعتبر نفسها مزيجاً من كل بلد و ثقافة تعرفت اليها، ومزيجاً من الأفكار المتناقضة والتشويش المرافق لها. وعما إذا كانت تفضل أن تتزوج شخصاً من بلد آخر، تقول:"أفضل أن يكون من بلد خليجي، لأن ذلك هو أصلي". على رغم أن التعامل معهم"ليس بالسهل مثل الجنسيات الأخرى كالمصريين مثلاً الذين يتحلون بالبساطة وسرعة التأقلم، ولكن في الوقت نفسه لا أستطيع التعايش معهم, فيا حبذا لو يكون العريس خليطاً من هذا وذاك". وتقول الدكتورة فائقة بدر الأستاذة في علم الاجتماع في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، إن"ما يجعل الشخص غير راض على الاختلاف أو التنوع في عائلته، ومدى انفتاحه وتقبله، يعتمد على نظرة المجتمع اليه وتقبله". وتضيف:"هذا يختلف من مجتمع الى آخر، فنجد في الدول التي تتميز بنسيج اجتماعي متنوع تقبلاً أكثر من الدول ذات النسيج الاجتماعي الموحد". كما أنه لا يوجد ما يؤكد بصورة حاسمة أن اختلاف جنسية الوالدين يؤدي إلى التشتت، بل"ما يؤدي إليه هو عدم اتفاقهم على أسلوب متبع في التربية، ومحاولة كل طرف جذب الطفل إلى ثقافته".