تتعدد التبعات الاجتماعية التي قد يواجهها الأبناء ممن تكون تركيبتهم الأسرية من أب سعودي وأم أجنبية، لعل أهمها محاولة التقليل من شأنهم، و"معايرتهم" بجنسية والدتهم، إن لم تكن تلك الجنسية الوسيلة الوحيدة لندائهم بها أمام الآخرين، وكأن مجتمعنا ما زال يسير على النمط المنغلق، على الرغم من كل وسائل الانفتاح والتواصل الاجتماعي مع الآخرين، ولا نبالغ حين نقول بأن هناك أكثرية من أبناء المملكة ممن أختار الزواج من الدول العربية المجاورة لأسباب كثيرة، ويواجهون مع الأسف بتلك "المهاترات " السلبية، الأمر الذي يعني بتوعية المجتمع حول التعامل معهم، خصوصاً أنهم يُعدون مواطنين لهم حقوقهم التي لابد من احترامها. جنسية والدتهم ليست عيباً.. و«الثقة في النفس» تصلح ما أفسدته العادات المتناقضة و«التربية العدوانية» "الرياض" تسلط الضوء على معاناة الأبناء جراء هذا الأمر، سواء كان ذلك في بداية أعمارهم لاسيما مع أخوتهم غير الأشقاء، أو مع بعض أبناء عمومتهم وجيرانهم، أو حتى بعد أن أصبحوا أعضاء فاعلين في مجتمعهم. استهزاء وسخرية في البداية قالت "عبير المسعودي": في مجتمعنا كثيراً ما يتم نداء أبناء الأم غير السعودية بحسب جنسيتها، أو ترديد بعض المفردات الخاصة بوطنها، وذلك من باب الاستهزاء والسخرية، سواء كان ذلك أمامهم أو في غيابهم، مضيفةً أنه بعد انفصال والدتها عن والدها ورجوعها الى بلدها، تولت زوجة والدها تربيتها هي وشقيقها، مشيرةً إلى أن زوجة أبيها كانت تنظر لهما طوال تلك السنوات، وكأنهما أقل من أبنائها، بل ولا تتوقف عن "معايرتنا" بجنسية والدتي بين الحين والآخر، ذاكرةً أنه مهما تفوقنا أو تميزنا نجدها لا تردد سوى بعض العبارات التي تقلل من شأننا، خاصةً حينما تقولها أمام الآخرين، معتقدةً أن ذلك قد يقلل من قيمة أمي في نظرنا، موضحةً أن أخوتها تعلموا من أمهم هذا الأسلوب القاسي في التعامل. موقف سلبي وأضافت أن موقف والدي كان سلبياً للغاية؛ لأننا حين نشتكي له مثل تلك المضايقات، يُجيبنا بأنهم لم يقولوا شيئاً خاطئاً، فنحن بالفعل أبناء تلك الأم، وعلينا تقبل هذا الواقع ومواجهته، ذاكرةً أنها تنكر أن مثل تلك التصرفات كانت سبباً قوياً وكافياً، لأن تكون هناك مسافات بعيدة بعلاقتها مع أخوتها، حتى أنها لا تشعر بأي تقارب أو ألفة معهم، لافتةً إلى أنها لن تنسى بأن شقيقي الذي يمر بمرحلة المراهقة دخل في "مشاجرات" مع أخوتها؛ بسبب معايرته بجنسية والدتها، وكاد أن يحدث ما لا تحمد عقباه. معاناة نفسية وتساءلت "صباح سعد" عن مدى استمرار تلك الممارسات السلبية في مجتمع يعول عليه احترام الآخرين مهما كانت الأسباب، مبينةً أن الأم المثالية لا تنحصر على بلد بعينه، فالمثالية هي خلق وأخلاق تولد مع الشخص وتكبر معه، مشيرةً إلى أنه عندما يختار الأب الزواج من أي بلد عربي، فإنه بالتأكيد سيختار من عائلة مسلمة عربية لها نفس العادات والتقاليد، مؤكدةً على أنها بالفعل وجدت معاناة نفسية كبيرة في طفولتها بعد سماعها تلك المفردات والتي تقلل من شأنها بسبب جنسية والدتها، والمؤلم أن كل ذلك من أخوتها غير الأشقاء، الأمر الذي جعلها تشعر بفارق كبير في المعاملة من الجميع بينها وبينهم، مشددةً على ضرورة أن يعتز الأبناء بجنسية وهوية أمهاتهم مهما كانت، لاسيما وأنها قد قدمت من التضحيات الشيء الكثير، والأهم من ذلك أنها أحسنت تربيتهم وتعليمهم، وأصبح الكل يشهد بحسن تلك التربية. فخور جداًّ واعترف "جميل" أنه تلقى الكثير من المفردات التي تنتقص من جنسية والدته، وقال: منذ صغري تعودت على سماع عبارة: "أنت نصف سعودي"، مبيناً أنه في كثير من الأحيان تهرب من جنسية والدته، بل وشعر بالحرج أمام أصدقائه، لأن ملامحه مختلفة عنهم، مشيراً إلى أنه اليوم فخور جداًّ بها وبتربيتها وتضحياتها، فالكل متفوق دراسياً ومهنياً في عائلتنا، فهناك المعلم والأستاذ الجامعي والمهندس، موضحاً أن المشكلة الحقيقة ليست في جنسية والدته، بل في مجتمع التناقضات الذي يدرس شيئا و يطبق شيئا آخر، ذاكراً أن مثل هذه الفكرة قد تختفي وتزول بوعي الأجيال القادمة، وبثقتنا بأنفسنا التي نستمدها من قيمنا. دور الأب وقال "أبو صالح" متزوج من ثلاث نساء أحداهن غير سعودية يقول: إن سبب تلك السلبية يعود الى دور الأب وحسن تربيته بالدرجة الأولى، وذلك يعتمد على عدم التفريق بينهم والمناصحة والمناصفة بين أبنائه جميعاً، مضيفاً: بالنسبة لي لم أجد تلك المشكلة التي يواجهها المتزوجون من الأجنبيات، فزوجتي غير السعودية مستقرة في حياتها معي، بل وجميع أبنائي من زوجاتي السعوديات يحبونها ويحبون أبناءها"، مؤكداً على أنه لا يوجد في نهاية فرق بين الأجنبية والمواطنة، أما الذي يضع الفروق فهو إنسان صاحب نظرة تربوية قاصرة. متفوقين ومميزين وذكرت "فاطمة الزهراني" أن الغيرة التي قد توجد بين الأبناء غير الأشقاء قد تدفعهم لقول العديد من الألفاظ القاسية، خصوصاً إذا كانوا من أم أجنبية، فغالباً يكون هؤلاء متفوقين ومميزين، فلا يجدون سوى جنسية والدتهم لمعايرتهم بها، وربما يصل الحال إلى هضم حقوقهم إذا توفى الأب، أو التقليل من شأنهم أمام الآخرين، وقد يحدث العكس، فيكون هناك مودة وتواصل ومحبة، مبينةً أن جارتها الأجنبية متزوجة من مواطن كان قد تزوج قبلها من ابنة عمه، وقد حدثتني عن عمق العلاقة بين أبنائهما واحترام كلاهما للآخر، وكثيراً ما أشاهد أبناء الزوجة الأولى يأتون للدراسة مع أبناء جارتها. شحناء وبغضاء وتحدث "د.أحمد القاضي" -المستشار الاجتماعي والأسري- قائلاً: يواجه أبناء غير السعوديات الكثير من المضايقات التي تنعكس آثارها النفسية على مستوى تعليمهم وسلوكياتهم، وكذلك بناء شخصيتهم وربما علاقتهم بالآخرين، مضيفاً أنه قد يرى أن الأبناء يتشربون من بيئتهم الكثير من المفردات والألفاظ ليطلقوها بعد ذلك على زملائهم أو أقربائهم دون مراعاة لمشاعرهم وأحاسيسهم، من هنا يجب أن نرسخ في نفوس أبنائنا أن يبتعدوا عن مثل تلك المهاترات التي نفاها الدين الإسلامي جملةً وتفصيلاً، مشدداً على أهمية تعويد الأبناء على قياس الفرد بناءً على مستوى أخلاقه وتعليمه، وأن ننظر للجوانب الايجابية فيه، ولا نبحث عن ما قد يثير الشحناء والبغضاء مع الآخرين، وهذا بلا شك دور تربوي تقوده الأسرة والجهات التعليمية والتربوية.