من الطبيعي أن تجد ضمن نطاق منطقة جغرافية محدودة العديد من الثقافات وأنواعا من الحضارات المختلفة، فكيف بعالم رحب وواسع يحتوي على مئات الثقافات واللغات والحضارات التي يلتزم أهلها بمبادئ تلك الثقافات وواجباتها، ومن غير الطبيعي أن تجد من بين هذه الثقافات من يخطئ أو ينتقد بعين الكراهية والاحتقار لمبادئ وقيم الآخرين. تقبل الآخر والتعايش معه هو أسلوب حضارة تتقدم بها الشعوب وترقى بها الأوطان إلى مصاف الدول المتقدمة والمتحضرة. في مجتمعات مليئة بالاختلاف ينشأ العلماء والأدباء والمبدعون الذين اتخذوا من الاختلاف والتعايش ممرا وجسرا منصوبا للتعرف على ما يحتويه ذلك الآخر من قيم ومبادئ وعادات وتقاليد، يفتحون بها نوافذ عقولهم وأفكارهم نحو عالم آخر مليء وزاخر بإبداعات وجماليات لم يكونوا ليطلعوا عليها لو انكفؤوا على أنفسهم وتحصنوا بأبراج مجتمعاتهم المنعزلة المقتصرة على بضعة أشخاص أو بضع جماعات. الاختلاف هو ملح الحياة الذي من خلاله نستطيع أن نميز بعضنا بعضا، ونستطيع من خلاله أن نرى الأمل والضياء يشرق ويتجلى في نفوس المتفائلين والناجحين، ونرى الظلام الحالك والشر المستطير في أعين أصحاب الكراهية وأعداء الحياة والسلام، الاختلاف هو من يعطي للدنيا رونقا وجمالا يزيل عنا أزلية الأشياء والممتلكات ويحولها إلى متغيرات تحمل في طياتها رضا بماضٍ راحل وقبولا بحاضر قائم وتفاؤلا بمستقبل قادم، فلو كان الاختلاف معدوما لكنا في ليل دائم أو في نهار سرمدي، ولكن حكمة الخالق -جل وعلا- جعل الاختلاف لكل شيء في حياة الإنسان قيمة ومعنى. فحتى على سبيل العبادات لم يجعل الله -سبحانه وتعالى- عبادته بطريقة أو آلية واحدة، بل جعلها واسعة متنوعة يدركها كل مقتدر، فهناك الصلاة والذكر والحج والصوم، وغيرها الكثير التي تحمل معاني مهمة وجليلة في حكمة الله من الاختلاف والتنوع، وليس هناك أبلغ وأدق من وصف الله -عز وجل- لاختلاف البشرية وتوزعهم على شعوب وقبائل مختلفة من قوله عز من قائل: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)، فالاختلاف رائع وتقبل هذا الاختلاف هو الأروع، وليس هناك ما يستحق الحياة لو لم يكن الاختلاف موجودا!