جاب الكاتب الإسباني أوغوستين فرينانديث مايو في روايته"نوثييا دريم"أو حلم نوثييا أقاصي أراضي المعمورة الصحراوية وفرض نفسه كأحد الأصوات المميزة في الأدب الإسباني الحديث. "نوثييا دريم"عنوان الرواية الأولى التي كتبها الشاعر وعالم الفيزياء النووي الإسباني أوغوستين فيرنانديث مايو وصدرت حديثاً عن منشورات كاندايا في برشلونة. العنوان سرعان ما يسترعي الانتباه، إذ يتوجه بطريقة غير مباشرة الى مجتمع الاستهلاك، ولا علاقة مباشرة له بموضوع الرواية، وتضفي هذه الظاهرة وعلاقة الرواية بالفنون العصرية الأخرى ميزة على الجزء الأول من ثلاثية سيواصلها الكاتب وعنوانها:"مشروع نوثييا". ولد أوغوستين فيرنانديث مايو في العام 1967 في"لاكوروني"في"غاليسيا"، شمال غربي إسبانيا، وألّف عدداً من المجموعات الشعرية مثل"كريتا لاتيرال ترافيلينغ"في العام 2004 وپ"جوان فونتان أوديسيا"في العام 2005. أما"النوثييا"فهي زبدة الشوكولا التي تدهن على الخبز وهي مشهورة جداً في إسبانيا. وعلى رغم أن لا علاقة لپ"النوثييا"بهذه الرواية، إلا أن ذلك لا ينفي أن يكون ظهور صورة هذه الزبدة على غلاف الكتاب بمثابة إعلان مبادئ. تتألف الرواية من 113 فصلاً صغيراً تشير في معظم الأحيان الى الثقافة الشعبية. وتؤدي الإشارات هذه دور السلك الناقل في رواية متفككة لا تحتوي على عقدة ولا على نهاية ولا على شخصيات رئيسة. يتطرق الفصل الثامن مثلاً الى شخص يستخدم الانترنت فيبدأ ببناء مشهد طبيعي قبل أن يجمع صوراً له، عبر استخدام علكة"تريدان"بنكهة النعناع لصناعة الثلج وعلكة"أوربيت"بنكهة النعناع لصنع الحقول وعلكة"تريدان سبيسيال"بنكهة المنتول والكلوروفيل لصناعة الأشخاص والمدن. وتشكل هذه الأغراض التي عثر عليها جزءاً من شاعرية السريالية التي تطرقت إليها من جديد التقنيات الحديثة في رواية أوغوستين فيرنانديث مايو. فتبدو كأنها ذريعة لإطلاق الفكاهة وصورة ساخرة تتعلق بالنهج الذي يتبعه الفن العصري، وهي طريقة لنقل المسافات والوجوه من مكانها وفصلها في رواية تتطرق الى العولمة بعدما باتت بدورها معولمة. وتأتي رواية"حلم نوثييا"على ذكر بلدان عدة كإسبانيا والصين والأرجنتين والمكسيك وفرنسا والمملكة المتحدة وسنغافورة وخصوصاً مناطق من الولاياتالمتحدة الأميركية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ولا تهم في هذه الرواية البلدان بقدر ما تهم المسافات الموجودة في هذه البلدان، علماً ان الكتاب لا يعتمد أي هرمية في عرض القصص والأفكار والمعطيات. وتتطرق الرواية خصوصاً الى الصحراء، هذه الأرض التي ترمز الى الفترة التي تلت الحداثة فتشكل استعارة للحرية المبتكرة ولغياب التبعية الاجتماعية أو الوطنية. فضلاً عن التطرق الى الضواحي والطرق والمطارات والموتيلات والشاحنات على أنها بيوت متنقلة إضافة الى الأوطان الصغيرة. وتشكل هذه البلدان الصغيرة والمناطق المصغرة التي تملك قواعدها الخاصة، سلكاً ناقلاً آخر. فتظهر وكأنها كيانات لا يمكن تحديدها بدقة، على غرار"حلم نوثييا"الذي لا يمكن تحديده، إلا أن القارئ يستطيع أن يدرك ذلك كله. وكانت مجلة"كيمارا"قد اختارت كتاب"نوثييا دريم"أفضل كتاب في اللغة الإسبانية للعام 2006. وإذا تم بناء هذه الرواية بالاعتماد على أبعاد المكان في العالم الحقيقي على حساب الوقت، فهي تعتبر رواية مكانية، وإذا تم نزع كل هذه الصفحات ووضعها في طريقة غير منتظمة على لوح في معرض فني، فهي ستظل رواية. كل فصل صغير، على غرار الشعر، يحمل بحد ذاته وحدة ومعنى ومعنى ممتازاً. كما ان عدداً من سائر الفصول يأتي على شكل أشعار أو يحتوي على أشعار. ويأتي الهذيان العلمي والتكنولوجي والصور الساخرة والقصص الغريبة والاقتباسات متداخلة مع مشاهد عاطفية وتعليقات شعرية. ومن الممكن النظر الى الرواية على أنها نسخة حديثة جداً لرواية إيتالو كالفينو"فيل أنفيزيبل"حيث العاصمة والمدن المتجاورة والنص المترابط والأماكن غير الموجودة اقتحمت المساحة النصية لخيالات كالفينية. هذا من دون التطرق الى نظرية الكوارث والمونتاج السينمائي والسيرة المزيفة وبورخيس ونظرية المدينية والصور التكنولوجية والتكرار.