عندما نجحت الأجهزة الأمنية اللبنانية في توقيف عناصر ينتمون الى تنظيم "فتح الإسلام" اعترفوا بارتكاب جريمة عين علق في المتن الشمالي التي سقط فيها ثلاث ضحايا جراء تفجير باصين لنقل الركاب، تعرّضت الى حملة سياسية من بعض أطراف المعارضة الذين اتهموها بتضخيم حجم هذا التنظيم الطارئ على الساحة الفلسطينية فيما تصرفت الفصائل الفلسطينية، او معظمها على الأقل، بمسؤولية في محاولة لتطويق هذه الظاهرة في مهدها في مخيم نهر البارد في شمال لبنان ومنعها من التمدد باتجاه مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في بيروتوالجنوب. لكن ظاهرة"فتح الإسلام"أخذت تكبر بسرعة وتنمو في شكل يدعو الى القلق في مخيم نهر البارد ما دفع فصائل منظمة التحرير الى التشاور مع قوى التحالف الفلسطيني للتوافق على مجموعة من الاجراءات الأمنية والسياسية لوأدها قبل ان تنمو. وعلمت"الحياة"من مصادر فلسطينية ان المشاورات انتهت الى التفاهم على تشكيل لواء فلسطيني من الفصائل الرئيسة في ساحة لبنان ينسق مع السلطة اللبنانية لتطبيق ما أجمع عليه مؤتمر الحوار الوطني الأول في البرلمان اللبناني لجهة جمع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وضبطه وتنظيمه في داخلها. وبحسب المعلومات نفسها، أوفدت فصائل منظمة التحرير مصطفى خليل"أبو طعان"القائد السابق للكفاح المسلح الفلسطيني في لبنان، وكان أمضى سنوات في السجون السورية، الى المخيم وطلبت منه التعاون مع القوى الفلسطينية لتطويق ظاهرة"فتح الإسلام"خصوصاً انه متبحر في العلوم الإسلامية وقادر على التعامل مع العناصر التابعين لها والانفتاح على الآخرين ممن يفكرون بالانضمام اليها. وبالفعل، انصرف"أبو طعان"الى ترتيب لقاءات مع الشباب الفلسطيني في المخيم وأخذ يؤم المصلين في المساجد ويدعوهم الى الاعتدال ونبذ التطرف وعدم الإساءة الى العلاقات اللبنانية - الفلسطينية. لكن"أبو طعان"اصطدم في مهمته الإرشادية والتبشيرية في المخيم بعوائق حالت دون نجاحه في فرض حصار سياسي وإسلامي على"فتح الإسلام"اضافة الى ان عناصرها حاولوا استيعابه بمحاولة تنصيبه أميراً عليهم. ومن أبرز العوائق التي اصطدم بها"أبو طعان"هي ان"فتح الإسلام"ليس تنظيماً فلسطينياً بل خليط يجمع بين فلسطينيين وآخرين من جنسيات عربية متعددة اضافة الى لبنانيين لجأوا الى نهر البارد وبينهم مطلوبون كانوا لعبوا دوراً في حوادث جرود الضنية وعلى رأسهم غاندي السحمراني أبو رامز وشهاب القدور. كما انه اصطدم بالمال المتوافر لدى"فتح الإسلام"الذي أتاح لهذا التنظيم استغلال تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية لسكان المخيم عبر توزيع مساعدات مالية وعبر اعتماد سياسة التزاوج من فتيات المخيم. وقدِّرت المصادر الفلسطينية عدد الذين ينتمون الآن الى"فتح الإسلام"بأكثر من 500 عنصر عازياً سبب ارتفاع عددهم الى المصاهرة والى تدفق اعداد المتسللين من الحدود السورية الى داخل الأراضي اللبنانية. وأوضحت المصادر ان عدد الفلسطينيين في"فتح الإسلام"يبقى في حدود الثلاثين في المئة وان البقية من المتسللين والقيادة الفعلية منوطة بضابط سوري ملقب بپ"بو مدين"وأن شاكر العبسي وهو أردني - فلسطيني ونصّب زعيماً للتنظيم، يتلقى أوامر من الاول، الذي يساعده سوري آخر ملقب ب"أبو ليث"تزوج أخيراً من ابنة العبسي. ولفتت المصادر الى ان الشق العسكري في"فتح الإسلام"يقوده سوري ثالث يعرف باسم"أبو مزين"وتردد انه العقل المدبر لجريمة عين علق وقد قتل في شارع المئتين في طرابلس في الاشتباكات التي دارت أمس. وأكدت المصادر ان"فتح الإسلام"يشكل الجسم العسكري للتنظيمات الفلسطينية المتشددة وأبرزها"جند الشام"بقيادة عماد ياسين المنشق أخيراً عن"عصبة الأنصار"وپ"أنصار الله"بزعامة ناصر اسماعيل، والأخيران يتخذان من مخيم عين الحلوة قرب صيدا مقرين لهما. ورأت ان الإمرة على هذه التنظيمات تعود الى تنظيم"فتح الإسلام"الذي يساعد التنظيمين الآخرين مالياً وعسكرياً ويدرّب عناصرهما، مشيرة الى ان لديه فتاوى تجيز سلب المصارف في لبنان لتمويل العمليات"الجهادية"التي تنفذها او التي تستعد للقيام بها ضد"يونيفيل"في جنوبلبنان. واعتبرت ان تبرير هذه التنظيمات سلب المصارف لا يهدف فقط الى تغطية نفقات عملياتها الجهادية ضد"الكفّار"والخارجين على تعاليم الإسلام فحسب، وإنما الى صرف الانظار عن التمويل الخارجي الذي يتدفق عليها باستمرار والذي مكنها أخيراً من استحداث مكاتب في معظم منطقة الشمال لتكون بمثابة"خلايا نائمة"يتواجد فيها المسلحون وتتحول تدريجاً الى قوة ضاربة لتهديد الاستقرار العام في لبنان. وإذ شددت المصادر نفسها على التسهيلات اللوجستية التي يتلقاها"فتح الإسلام"من خارج الحدود في اشارة مباشرة الى الاختراق الاستخباري لها تارة تحت مسار تنظيم"القاعدة"بزعامة أسامة بن لادن، وأخرى بعنوان الفارين من العراق وهم من جنسيات عربية وحتى آسيوية متعددة وجدوا في لبنان ساحة جهادية جديدة. أكدت انه نفذ جريمة عين علق لأنها في اعتقاده ستكون ضربة قاضية للتحول الفلسطيني في الساحة اللبنانية الرافض العودة الى الوضع الذي كان سائداً قبل الاجتياح الاسرائيلي للبنان في حزيران يونيو 1982 والتصدي لأي محاولة لإقحام الورقة الفلسطينية في المعادلة السياسية الداخلية او معاودة استخدام السلاح الفلسطيني في الصراع المحلي. وأكدت المصادر الفلسطينية ان استحداث"فتح الإسلام"جاء رداً على القرار الدولي الرقم 1559 الرامي الى حل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وجمع سلاحها. فبدلاً من تطبيق هذا القرار، أرادت الجهات الاقليمية الراعية لتنامي المجموعات المتشددة وبخاصة الفلسطينية، تمرير رسالة الى من يهمهم الأمر بأن هناك"أمر عمليات"يقضي بالدخول في مواجهة مع الحكومة اللبنانية ومن خلالها المجتمع الدولي عنوانها رفض الالتزام بحيثياته. وهكذا فإن ما حدث أمس في الشمال لم يكن سوى إغارة عسكرية لخلق أمر واقع جديد لتكريس المزيد من"البؤر الأمنية"المتنقلة وصولاً الى تشريع وجودها من خلال طلب تدخل البعض لفرض وقف لإطلاق النار يأخذ في الاعتبار التعايش بين الدولة وقوى الأمر الواقع وهذا ما تنبّه اليه الذين يخشون من تعميم انتشار ظاهرة"فتح الإسلام"ليقينهم بأن الاعتداءات المنظمة التي استهدفت الجيش اللبناني وقوى الأمن ما هي الا بداية لمسلسل جديد من الارباك وتهديد الاستقرار بطله"فتح الإسلام".