ها هو تقرير لجنة فينوغراد صدر وألقى باللائمة أساساً على أعضاء قمة الهرم السياسي والعسكري الإسرائيلي في ما يتصل بما سماه الفشل في تحقيق أهداف حرب تموز يوليو. فهل بهذه الخلاصات يكون تقرير فينوغراد حدد الأطراف المسؤولة عن الفشل من وجهة النظر الإسرائيلية تحديداً كاملاً؟ إجابتنا هي أن التقرير جاء ناقصاً، إذ أخفى أطرافاً أخرى مسؤولةً عن الفشل الإسرائيلي بجانب أولمرت وطاقمه عن سابق تصميمٍ وتصورٍ من خلال تضخيم إلقاء اللائمة على أعضاء قمة الهرم السياسي والعسكري الإسرائيلي. لكن قبل أن نسرع في إماطة اللثام عن تلك الأطراف دعونا نعود إلى أيام الحرب لنتذكر أموراً أراد التقرير أن ننساها. ألم نلحظ خلال الحرب فشلاً ذريعاً للاستخبارات الإسرائيلية في توفير المعلومات الملائمة للقيادة السياسية والعسكرية؟ ألم نلحظ أن الاستخبارات الإسرائيلية فشلت أولاً في تحديد مواقع إطلاق صواريخ المقاومة التي ظلت تنهمر على مختلف المدن الشمالية دافعةً بأعضاء التجمع الصهيوني إلى الملاجئ حتى اليوم الأخير، وأنها فشلت ثانياً في تحديد مواقع اختباء وتحركات مقاتلي المقاومة الذين استخدموا الصواريخ الصغيرة المضادة للدروع والتي ظلت تنال من"الميركافا"الإسرائيلية حتى الأسبوع الأخير من الحرب، وأن الاستخبارات الإسرائيلية فشلت ثالثاً في تحديد موقع قيادة المقاومة والتي كان القرار الإسرائيلي أعلن أن أحد أهداف الحرب القضاء عليها أو القبض عليها والتي كان لاستمرار حضورها الإعلامي أثر كبير في حسم الحرب النفسية لمصلحة المقاومة، وأنها فشلت رابعاً في تحديد موقع بث قناة"المنار"وإذاعة"النور"اللتين كان لاستمرار حضورهما الإعلامي أيضاً أثر كبير في حسم الحرب النفسية لمصلحة المقاومة، وأن الاستخبارات الإسرائيلية فشلت خامساً في منع المقاومة من اختراق اتصالات الجيش الإسرائيلي الداخلية وهو الأمر الذي مكن المقاومة من إلحاق ضربات موجعة في صفوف الجيش الإسرائيلي. من هنا فإنه بقدر ما يتوجب إرجاع أوجه الفشل المذكورة على سبيل المثال لا الحصر إلى ضعف كفاءة القيادة السياسية والعسكرية العليا يتوجب أيضاً إرجاعها لفشل أجهزة كاملة تسمى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وخصوصاً الفرع العسكري منها، وقوام هذه الأجهزة في البنيان الإسرائيلي عشرات الآلاف من الموظفين والضباط، والسبب واضح وضوح الشمس في رابعة النهار وهو أن طبيعة المعلومات التي كان من المطلوب توافرها عن المقاومة هي من المعلومات التي يتوجب توافرها في كل حين بغض النظر عمن يشغل منصب رئيس الوزراء أو منصب وزير الدفاع أو رئيس الأركان، وبغض النظر عما إذا كانت هناك حرب تلوح في الأفق أم لا. ويزداد فشل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية فداحةً عندما نستحضر أننا بصدد جبهة متوترة سبق اشتعال حروب فيها، ويمكن أن تندلع فيها الحرب في أي لحظة. لكن فداحة الفشل الاستخباري الإسرائيلي تزداد أكثر وأكثر عندما نستحضر أنه ثبت أن النية الإسرائيلية كانت مبيتة لشن حرب على لبنان والمقاومة. ويعلم الخبراء في العلوم العسكرية أنه بدءاً من لحظة انطلاق أول قذيفة مؤذنة باندلاع الحرب تتعاظم مسؤولية أجهزة الاستخبارات العسكرية نظراً لأن من المفترض أن تكون هي أكثر الأطراف علماً بتطورات القتال بناءً على أنه يفترض أن تكون لها عيون جاحظة مبصرة في مواقع القتال كلها بما في ذلك المواقع المتقدمة. فعندما تنطلق الصواريخ المضادة للدروع لمدة ثلاثين يوماً في بقعة جغرافية لا تتجاوز بضعة كيلومترات مربعة فإن أحداً لا يساوره شك في أن الفشل في رصد مواقع تلك الصواريخ ومنع استمرار إطلاقها مرجعه الخلل الذي لحق بسياسة جهازٍ كاملٍ وليس مجرد ضعف كفاءة القيادة السياسية أو العسكرية العليا. ثم ألم نلحظ خلال الحرب فشلاً ذريعاً للعقيدة العسكرية الإسرائيلية؟ ما نقصده بذلك هو فشل المفاهيم والضوابط العسكرية الكبرى التي تحكم مسلك التجمع الإسرائيلي قاطبة تجاه الحروب. نحن لا نتحدث هنا عن خطط العمليات التي تناولها التقرير بل نتحدث عن أسس النظرة الكلية التي تحكم الحالة العسكرية الإسرائيلية ومنها مثلاً النظرة الحاكمة لطبيعة الحرب. فقد لوحظ أن أحد أكبر أسباب الفشل الإسرائيلي هو عدم استعداد الجيش الإسرائيلي لخوض حرب طويلة المدى. وهذا الأمر يظهر بجلاء مدى الخلل الذي يعتور العقيدة العسكرية القتالية إذ تبدّى كم هي جامدة وغير مرنة وغير قابلة للتطويع خلال الأزمة. فقد ظهر أن لسان حال العقيدة القتالية يقول إما الحرب الخاطفة وإما لن نحارب. وقد ظهر عدم الاستعداد لخوض حروب بأساليب قتالية غير معهودة، كذلك فإن أحد أكبر أسباب الفشل الإسرائيلي هو في عدم استعداد الدفاع الداخلي لهطول الصواريخ على التجمعات السكنية ما شكّل ضغطاً هائلاً على القرار السياسي والعسكري. فقد أقرت المؤسسة الإسرائيلية بأن الملاجئ غير كافية وغير مهيأة وكأن الذهن الإسرائيلي لم ينصرف إلى إمكان تعرض قلبه السكاني إلى مثل هذه الضربات. ثم ألم نلحظ خلال الحرب فشلاً ذريعاً بالنسبة للحال المعنوية للقوات المسلحة وأسلوب التعامل معها؟ فقد تبدى للجميع مدى ضعف الحالة المعنوية للجندي الإسرائيلي في مقابل بسالة مقاتل المقاومة التي فاجأت قيادة المقاومة نفسها. لكن الأمر لم يقف عند مجرد ضعف الحالة المعنوية للجندي الإسرائيلي بل وصل إلى حد امتناع مئات الضباط والجنود عن المشاركة في الحرب وهو الأمر الذي غض التقرير طرفه عنه. وقد دفع هذا الامتناع المؤسسة الإسرائيلية إلى عدم تقديم هؤلاء إلى محاكمة عسكرية من أجل التكتم على هذه الظاهرة الخطيرة خلال الحرب. ولنا أن نلاحظ أن وجوه الخلل المذكورة المتصلة بالعقيدة العسكرية والحال المعنوية لم تظهر خلال حرب تموز فحسب بل لها جذور سابقة على تموز. فلا يمكن مثلا فصل ظاهرة الامتناع عن المشاركة في حرب تموز عن ظاهرة امتناع بعض الطيارين وبعض الجنود عن المشاركة في قمع انتفاضة الأقصى. كما أن بروز وجهي الخلل المذكورين سابقاً على حرب تموز فهو سابقٌ على مجيء أولمرت وطاقمه كله. هنا حتماً سيثور السؤال الآتي: لماذا إذاً يحاول تقرير فينوغراد التغطية على فشل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وعلى فشل العقيدة العسكرية الإسرائيلية وعلى تدهور الحال المعنوية من خلال تضخيم اللائمة على أعضاء قمة الهرم السياسي والعسكري الإسرائيلي؟ تأتي الإجابة مسرعةً أن التغطية على كل أوجه الفشل المذكورة ستمنع انكشاف حقيقةٍ مرةٍ مفادها أن الخلل الذي أفضى إلى أوجه الفشل المذكورة هو خللٌ ذو طبيعة بنيوية وليس مجرد خلل ذي طبيعةٍ شخصيةٍ. بعبارة أخرى لقد أراد تقرير فينوغراد أن يوصل رسالةً لأعضاء التجمع الإسرائيلي مفادها أن حالة البنيان الإسرائيلي بخيرٍ غير أن هناك بعض القيادات التي جانبت قراراتها الصواب والتي سيتم التخلص منها بسرعة وأن ليست هناك أوجه لتصدع خطير في صلب البنيان الإسرائيلي، وأنه وإن كانت هناك أوجه خلل أخرى فهي عابرة ومحدودة الأثر. فواضعو التقرير يعلمون أن وضع فشل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ووضع العقيدة العسكرية الإسرائيلية بكاملها والحال المعنوية برمتها تحت المجهر في مجتمعٍ عسكريٍ سيعبر عن مدى التصدع الذي يعتري أبنية التجمع الإسرائيلي نفسها وسيظهر أن المشكلة أكبر من كونها مجرد مشكلة زمرة أشخاصٍ اتفق أن شغلوا مناصب ليسوا مؤهلين لشغلها أو مجرد مشكلة عابرة في بعض سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. هذا من ناحيةٍ أولى، أما من ناحية ثانيةٍ فإننا عندما نستعيد أيام الحرب نجد أنفسنا أمام دورٍ مركزيٍ لطرف آخر لوحظ أن التقرير لم ينبس ببنت شفة إزاءه ولم يقل عنه كلمةً واحدةً وهو الدور الأميركي في الحرب. ألم نلحظ جميعاً أولاً أن القرار الرسمي الأميركي هو الذي كان يحدد المدة المعطاة للجيش الإسرائيلي لتحقيق أهدافه وإتمام التكليف المنوط به، وأنه عندما كان يمر الموعد النهائي من دون تحقيق الهدف كان القرار الأميركي نفسه هو الذي يمدد تلك المدة على لسان وزيرة الخارجية الأميركية نفسها وأن القرار الأميركي فشل في تقدير المدة الزمنية اللازمة لإنهاء العمليات؟ ألم نلحظ ثانياً أن القرار الرسمي الأميركي هو الذي ضغط على إدارة أولمرت لتطيل أمد الحرب وأن هذا الضغط جاء بنتائج عكسية نتيجة أن العقيدة القتالية الإسرائيلية مدربةٌ على الحروب الخاطفة وغير مؤهلةٍ لخوض حروبٍ طويلةٍ؟ ألم نلحظ ثالثاً أن القرار الرسمي الأميركي هو الذي كان يحدد مستوى الأسلحة الإستراتيجية التي استخدمها الجيش الإسرائيلي وهو الذي كان يلوح باستخدام الأسلحة الذكية وهو الذي نقلها للجيش الإسرائيلي بالتعاون مع الإدارة البريطانية وأنه فشل في تخطيط مستوى التسليح اللازم للحرب؟ ألم نلحظ رابعاً أن القرار الأميركي ممثلاً بممثله لدى الأممالمتحدة جون بولتون هو الذي قام بدور المفاوض الرئيس في ما يتصل بالقرار 1701 وأن هذا المفاوض على رغم نفوذه الهائل في الأممالمتحدة فشل في إنفاذ وعيده الذي تشدقت به الديبلوماسية الأميركية خلال الحرب وهو إصدار قرارٍ يستند إلى الفصل السابع؟ من هنا فإنه بقدر ما يتوجب إرجاع الفشل في تحقيق أهداف الحرب إلى غياب كفاءة القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية العليا يتوجب أيضاً إرجاعها لفشل إدارة قوةٍ عظمى كانت قابضةً على عنان الإدارة الإسرائيلية خلال الحرب توجهها حيثما شاءت. وهذه الإدارة التي نتحدث عنها قوامها أجهزة استخبارات ورئاسة ووزارة خارجية بالإضافة إلى موارد لا تحصى منها أقمار اصطناعية مخصصة لإسناد العمليات العسكرية. كما يتوجب إرجاع الفشل إلى سوء مستوى التنسيق بين الإدارتين الأميركية والإسرائيلية في ما يتصل بالأعمال العسكرية. هنا سيثور السؤال نفسه: فلماذا إذاً يحاول تقرير فينوغراد التغطية على فشل الإدارة الأميركية وعلى سوء مستوى التنسيق بين الإدارة الأميركية والإسرائيلية من خلال تضخيم مسؤولية أعضاء القيادة السياسية والعسكرية العليا ومن خلال الامتناع عن ذكر كلمة واحدة عن الدور الأميركي في الحرب والتعامل معه وكأنه لم يكن؟ وتأتي الإجابة عن هذا السؤال مسرعةً هي الأخرى وهي أن تلك التغطية ستمنع انكشاف حقيقتين مرتين أخريين. الحقيقة الأولى التي أراد التقرير تغطيتها هي أن القرار الأميركي بأجهزته وموارده فشل هو الآخر في الدور الذي افترضه لنفسه خلال الحرب وهو الإشراف المباشر على تدمير المقاومة. ومعلومٌ كيف أن انكشاف هذه الحقيقة سيؤثر تأثيراً وخيماً على صورة كفاءة القرار الأميركي عالمياً وإقليمياً إذ سيظهر ذلك أن الفشل الأميركي في العراق وفي أفغانستان يتكرر في لبنان وأمام قوة محدودةٍ نسبياً مما يرجح أن ثمة خللاً بنيوياً في القرار الأميركي سيستمر في السير به من فشلٍ إلى آخر. أما الحقيقة الثانية التي أراد التقرير تغطيتها فهي أن التنسيق بين الإدارة الأميركية والإدارة الإسرائيلية في معركة حاسمةٍ ضد قوةٍ صغيرة الحجم قليلة الموارد شهد تخبطاً غير مسبوق. ومعلومٌ كيف أن انكشاف هذه الحقيقة سيؤثر تأثيراً وخيماً على العلاقة المصيرية بين القرار الأميركي والقرار الإسرائيلي إذ سيظهر للعالم وللقوى الإقليمية المناوئة أن تحالفهما عرضة للتناقض والاضطراب. وسيعزز ذلك من قوة القول الذي بات كثير من المحللين الأميركيين والإسرائيليين يرددونه وهو أن كلاً من طرفي التحالف أضحى يشكل خطراً على الطرف الآخر. لو صح هذا التحليل وهو صحيح يكون تقرير فينوغراد جاء مجافياً للحقيقة ومنافياً للواقع. وتكون غاية التقرير الحقيقية هي تضليل كثيرٍ من الدوائر داخل الساحة الأميركية والإسرائيلية والعربية واللبنانية وتعمية الأبصار عن الأطراف الذين يتوجب تحميلهم المسؤولية عن الفشل بجانب قمة الهرم السياسي والعسكري الإسرائيلي. فحقيقة الأمر أن التقرير لم يأت بجديد عندما ألقى باللائمة على أعضاء القيادة السياسية والعسكرية العليا. فإدراج هؤلاء ضمن قائمة من يتحمل مسؤولية الفشل في تحقيق أهداف الغزو هو أمر بديهي يصل إليه كل من تابع الحرب من دون حاجةٍ لفحص الفاحصين أو تمحيص الممحصين. في ضوء كل ما سبق لا يكون هناك أي مسوغ لتلك القراءة التي اعتمدت عليها قيادة حزب الله إذ قالت ان الحال الإسرائيلية في ما يتصل بإصدار التقرير"جديرة بالاحترام"وأنها"مثال أعلى"وأنها تنطلق من"إخلاص"للمصلحة الإسرائيلية. فبالمعنى السياسي الإستراتيجي الصرف ليس التقرير أداةً لمصارحة الرأي العام الإسرائيلي بحقائق الحرب وليس التقرير تطبيقاً لمفهوم المحاسبية وليس التقرير أداةً لتصحيح الأوضاع بما ينقذ أركان البنيان الإسرائيلي من السقوط. بل التقرير وسيلة لتضليل الرأي العام الإسرائيلي ولإخفاء الحقائق التي تكشف ما يتعرض له البنيان الإسرائيلي من تصدعٍ ينذر بتهدم أركانه والتقرير وسيلة لإخفاء الحقائق التي تكشف الخلل البنيوي الذي يعتري القرار الأميركي والإستراتيجية الأميركية والتقرير وسيلة لإخفاء الحقائق التي تكشف الخلل الذي يعتري علاقة التحالف الأميركية الإسرائيلية والتقرير وسيلة لتحميل المسؤولية للحلقة الأضعف في السلسلة حفظاً لماء الوجه أمام العالم وأمام أعضاء التجمع الإسرائيلي. لذا فإن من منظار التحليل السياسي تكون قيادة"حزب الله"تسرعت تسرعاً شديداً عندما اتخذت من مدح الحالة الإسرائيلية في ما يتصل بإصدار التقرير وسيلةً لإحراج خصوم"حزب الله"على الساحتين اللبنانية والإقليمية الذين أبوا الإقرار بأن المقاومة انتصرت. فقد ظنت قيادة"حزب الله"أن كيل المدائح للحال الإسرائيلية هو الوسيلة المثلى لإحراج أولئك الخصوم المحليين والإقليميين. هذا على رغم أن هذا المدح غير المستساغ يسهم من حيث لم يحتسب أصحابه في تحقيق الأهداف الإستراتيجية الخفية التي أرادتها اللجنة التي أصدرت التقرير. كما يسهم هذا المدح للحال الإسرائيلية في ما لا تستحق عنه مدحاً في ترسيخ تلك المحاولات الدائمة من جانب الإعلامين الإسرائيلي والأميركي لتصوير الحالة الإسرائيلية بأنها أكثر ديموقراطية وأكثر رقياً في حين تظل الحالة العربية أشد تخلفاً. والظاهر أنه خلال العقود المنصرمة أتقن الإعلامان الإسرائيلي والأميركي التلاعب بأعمال لجان مشابهة للجنة فينوغراد لترسيخ تلك الصورة الزائفة. ويذكر القاصي قبل الداني كيف أنه عقب قيام الجيش الإسرائيلي بتدمير لبنان عام 1982 وعقب قيام القيادة العسكرية الإسرائيلية بتصميم مذبحة صبرا وشاتيلا والإشراف المباشر على تنفيذها شكلت المؤسسة الإسرائيلية في شباط فبراير لعام 1983"لجنة كاهانا"للتحقيق في تلك المذبحة التي هزت الضمير العالمي وأثرت على صورة إسرائيل عالمياً. وقد دانت اللجنة شارون الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع وحمّلته مسؤولية شخصية عن المذبحة مما اضطره إلى الاستقالة. لكن شارون سرعان ما عاد للوزارة ليشغل مناصب وزارية عدة منها منصب وزير بلا وزارة ثم منصب وزير للصناعة والتجارة والإسكان ثم منصب وزير للبنية التحتية ثم منصب وزير للخارجية ثم إذا به يصبح رئيساً للوزراء يكاد ينزلُهُ أعضاء التجمع الإسرائيلي ومؤسساته منزلة الملك المتوج. فمن الواضح أن الغاية من تشكيل هذه اللجان عقب حصول خلل سياسي فادح ليست المحاسبة ولا تقصي الحقائق بل الغاية منها هي ضبط الصورة الذهنية الوهمية لدى الجميع عن الحالة الإسرائيلية لتكون موافقة للصورة الذهنية التي تريد المؤسسة الإسرائيلية تثبيتها في الأذهان كما أن الغاية منها إجراء بعض التعديلات في صفوف القيادة الإسرائيلية التي لا تعدو كونها تعديلات شكلية تلائم طبيعة المرحلة لكنها لا تعبر عن أي مراجعة جوهرية حقيقية بإزاء السياسة الإسرائيلية. * كاتب فلسطيني.