في إحدى الرسائل التي وصلت الى "لجنة فينوغراد" الحكومية الاسرائيلية التي تحقق في "اخفاقات" الجيش الاسرائيلي في الحرب على لبنان، يكتب الجنرال الاحتياطي في الجيش الاسرائيلي، يعكوف عميدرور، ان "الخط الاصفر" يعتبر حالة خاصة من الفوضى الشاملة التي ميّزت الحرب وأدت الى عجز الجيش عن مواجهة صواريخ الكاتيوشا القصيرة المدى. و"الخط الاصفر"كان موضوع نقاش عاصف بين قيادة الجيش عند تلخيص الحرب وتقويم الفشل فيها ومدى مسؤولية رئيس اركان الجيش السابق، دان حالوتس، في هذا الجانب. وتبين ان خللاًَ كبيراً بين قيادة الشمال وسلاح الجو ادى الى فشل مواجهة صواريخ الكاتيوشا التي سجل "حزب الله" رقماً قياسياً في اطلاقها حوالى مئتي صاروخ في اليوم، حتى اليوم الاخير من الحرب. وضمن ما تسرب من وثائق لوسائل الاعلام الاسرائيلية حول سير العمليات الحربية في اثناء الحرب، كشف ان قيادة اللواء الشمالي تولت مسؤولية القتال في المنطقة الواقعة بين الحدود الشمالية ونهر الليطاني، فيما تولى سلاح الطيران المسؤولية القتالية في المناطق الواقعة شمالي الليطاني، على ان تكون مهمة حالوتس مراقبة العمليات عند طرفي النهر. لكن وإزاء الخلل في التنسيق وتبديل القرارات في شكل سريع ومن دون تنسيق، رسمت هيئة أركان الجيش"خطاً أصفر"ادى الى تقسيم المنطقة التي تتولاها قيادة الشمال إلى قطاعين ثانويين. وإزاء حال البلبلة التي واجهت القيادة، أُلغي التنسيق وتداخلت الصلاحيات والمسؤوليات، وتقرر تغيير التعليمات حول قواعد اطلاق النار من سلاح الجو بين القطاعين الثانويين، بحيث يكون إطلاق النار في القطاع الممتد من الحدود حتى"الخط الأصفر"من صلاحية قيادة الشمال، ومن الخط المذكور شمالاً من صلاحية سلاح الطيران. وعليه تكون قيادة الشمال مسؤولة عن القتال من الحدود حتى نهر الليطاني، فإذا احتاجت مروحيات وطائرات هجومية في القطاع الواقع بين الخط الأصفر والنهر، يكون سلاح الجو جاهزاً، ولديه ما يكفيه في المنطقة الواقعة شمال نهر الليطاني. ولهذا وضع القطاع الواقع بين الخط الفاصل ونهر الليطاني في مكانة منخفضة في سلّم فعاليات الجيش. وتشير الشهادات التي حصلت عليها"لجنة فينوغراد"الى ان 69 في المئة من عمليات إطلاق صواريخ الكاتيوشا كانت تحصل بين الخط المذكور ونهر الليطاني، أي أن المنطقة التي أطلق منها أكبر عدد من الصواريخ كانت لفترة معينة في مكانة منخفضة في سلّم الفعاليات العسكرية. وهذا يعني ان اكتشاف القيادة الاسرائيلية أن الصواريخ القصيرة المدى هي المشكلة الحقيقية للجيش جاء في مراحل متأخرة من الحرب. ويستشف من تسريب معلومات عن تحليل شهادات أو نتائج التحقيقات التي عرضت امام"لجنة فينوغراد"ان الجيش أخفق لدى معالجته صواريخ الكاتيوشا القصيرة المدى في حرب لبنان. هذا الوضع صعّد من الخلاف داخل قيادة الشمال حول الاسباب ومن يتحمل المسؤولية وهو الامر الذي ستبت بشأنه"لجنة فينوغراد"في تقريرها المرحلي المتوقع عرضه في النصف الثاني من شهر آذار مارس المقبل. قائد منطقة الشمال المستقيل، أودي آدم، حاول تبرئة نفسه من التهمة بتحميل المسؤولية الى متخذي القرارات الذين فرضوا قيوداً على الجيش وقاموا باستبدال القرارات مرات عدة خلال فترة زمنية قصيرة. وخلال ذلك تم تقليص العمليات البرية الى حد كبير، في وقت لم تكن وسيلة الرد الاساسية على صواريخ الكاتيوشا من الصلاحيات المباشرة لقيادة الشمال في المنطقة الواقعة شمال الخط المذكور. هيئة الاركان من جهتها حاولت التنصل من المسؤولية وادعى قياديون فيها عند تقديم إفاداتهم انهم مارسوا طوال الوقت ضغوطاً كبيرة لتوحيد"الخط الأصفر"مع خط نهر الليطاني، في شكل تصبح الصلاحية في المنطقة الواقعة جنوبي النهر في يد قيادة الشمال، إلا أن القيادة اشترطت قبول الصلاحية بتسلم وسائل مختلفة، في وقت لم تدرك ان ما يحصل شمالي الخط وجنوبي النهر هو تحت مسؤوليتها لفترة معينة من الحرب. وتكشف بروتوكولات اجتماعات قيادة الاركان ان الخلاف حول"الخط الأصفر"تعاظم مع بداية الاسبوع الثاني من الحرب. وفي احدى الجلسات كشف نائب رئيس هيئة الأركان، موشيه كابلينسكي، ان المعلومات الاستخباراتية حول ما يدور على ارض المعركة لا تصل إلى قيادة الشمال إنما الى الاستخبارات العسكرية وسلاح الجو. وضمن ما يتم استنتاجه من اسباب فشل مواجهة الصواريخ القصيرة المدى، فإن سلاح الجو والاستخبارات الاسرائيلية، يتحملان مسؤولية كبيرة حيث اهملا الموضوع خلال السنوات التي سبقت الحرب وبالتحديد منذ الانسحاب الاسرائيلي من جنوبلبنان في العام ألفين، بحيث بذل الطرفان جهودهما في جمع معلومات عن منظومة الصواريخ المتوسطة المدى عند"حزب الله"بخاصة"فجر"، والبعيدة المدى مثل"زلزال"الايراني. وفي اعترافات ضباط بعد الحرب جاء ان الجيش دخل"المعركة فوجد نفسه داخل منطقة كاملة لم تكن مدروسة... لا يعرف عنها شيئاً، فشعرنا اننا في حال فراغ حقيقي...". وفي الطرح الاسرائيلي للموضوع جاء ان الفجوة في جمع المعلومات لم تطرح كمشكلة تقتضي الحل. وحتى في التدريبات التي أجراها الجيش في السنوات التي سبقت الحرب جرى التأكيد أن سلاح الطيران غير قادر وحده على حل مشكلة الكاتيوشا القصيرة المدى. وبدأ يتضح القصور في هذا المجال مع استمرار الحرب. فقد واصل"حزب الله"إطلاق الكاتيوشا باتجاه الجليل ووجد الجيش صعوبة في مواجهتها. ونظراً للمعلومات الاستخباراتية الشحيحة، لم تكن هناك أهداف كافية لضربها. وخلال الحرب أخذت الاستخبارات العسكرية التابعة لسلاح الجو على عاتقها قضية معالجة هذه الصواريخ، إلا أن ذلك لم يثمر سوى نتائج جزئية.