أعلنت روسيا رفضها المصادقة على ميثاق الطاقة الأوروبي، واقترحت أشكالا أخرى للتعاون في هذا المجال. وعشية قمة روسيا والاتحاد الأوروبي التي ستعقد في مدينة سمارا الروسة في 17 وپ18 من الشهر الجاري، رفعت روسيا حدة تصريحاتها، إذ أكد الممثل الخاص للرئيس فلاديمير بوتين في ملف العلاقات مع الاتحاد الأوروبي سيرغي ياسترجيمسكي، أن بلاده ترفض المصادقة على ميثاق الطاقة الأوروبي بصياغته الحالية، موضحاً"لا أمل بحل وسط بين الطرفين في هذا الشأن". ولفت المسؤول الروسي إلى أن مكاسب بلاده من تبني هذا الميثاق ضئيلة جداً مقارنة بالالتزامات الكثيرة، التي"لن تستطيع روسيا الوفاء بها في الظروف الحالية"، مقترحاً توسيع التعاون في مجال استغلال حقول النفط والغاز مع"غازبروم"بپ"الشروط الروسية"، ومشيراً إلى أن موسكو تعتبر الطاقة"الورقة الروسية الرابحة ولن تلقي بها من دون مقابل". واقترح إقرار اتفاق جديد للتعاون والشراكة الإستراتيجية بين الطرفين بدلاً من القديم الذي ينتهي العمل به آخر السنة. ووقعت روسيا ميثاق الطاقة الأوروبي في بداية التسعينات من القرن الماضي، لكن برلمانها لم يصادق عليه حتى الآن. ويحدد الميثاق العلاقة وآليات التعاون بين دول أوروبا الشرقية والغربية في مجال الطاقة ونقلها، وفتح قطاع الطاقة أمام الشركات من الطرفين. وبيّن باحث في مركز دراسات الطاقة في موسكو لپ"الحياة"نقاط الخلاف بين روسيا والاتحاد الأوروبي، لافتاً الى رفض بلاده المصادقة على الملحق الخاص بالترانزيت، وإمكان فتح شبكة الأنابيب الروسية الداخلية والآتية من بلدان آسيا الوسطى، أمام المستثمرين الغربيين. ولفت إلى أن هذا الأمر سيحول روسيا إلى مجرد بلد"ترانزيت للطاقة"، ويحرمها الاستفادة من مواردها على أكمل وجه، ويغير طبيعة العلاقات الاقتصادية والسياسية السائدة حالياً بينها وبين دول الاتحاد السوفياتي السابق. وأكد أن بلاده تحاول تحسين سمعتها كمصدر آمن للطاقة، يمكن لأوروبا الاعتماد عليه، لتلبية نحو 40 في المئة من احتياجاتها من الغاز، وثلث متطلباتها من النفط، مشيراً إلى الجهود الكبيرة التي اتخذتها روسيا من أجل إيجاد طرق جديدة لإيصال الغاز والنفط إلى أوروبا، تتجنب مشاكل العامين الماضيين مع أوكرانيا، وبيلاروسيا، التي أدّت إلى قطع إمدادات الطاقة إلى أوروبا. ولفت إلى أن بلاده أطلقت مشاريع لإيصال النفط والغاز من دون المرور بهاتين الدولتين، وعدم الخضوع" للابتزاز"، مستغرباً الحديث عن مخاوف أوروبية، أو حتى محاولات بعض الدول الأوروبية تعطيل هذه المشاريع، مثل قرار أستونيا الأخير تعطيل مد أنبوب الغاز إلى شمال أوروبا عبر بحر البلطيق، ومحاولات بولونيا إقناع دول بحر قزوين مقاطعة مشروع"بورغاس- ألكسندرو بوليس" الروسي - البلغاري- اليوناني، واقتراح خطوط بديلة، عبر أوكراينا وبولونيا، لتصل إلى بحر البلطيق وأوروبا من دون المرور بروسيا. ودافع عن رفض بلاده تحديد المسؤولية عن الترانزيت ضمن البلدان الأخرى، لافتاً إلى أن موسكو قطعت إمدادات الغاز عن أوكرانيا بداية العام الماضي، بسبب سحبها كميات من الغاز المار بأراضيها، كان مخصصاً لدول أوروبا، وهو السبب الذي عللت به روسيا وقف النفط عبر خط"دروجبا"بداية هذا العام أثناء الأزمة التي تفجرت مع بيلاروسيا. وبالنسبة إلى رفع أسعار الغاز في السوق المحلية الروسية، أكد الخبير أن لبلاده الحق في تحديد أسعار الطاقة الداخلية بما يتناسب مع مخططاتها الاقتصادية، لافتاً إلى الفارق بين أوروبا وروسيا في التطور الصناعي، وفي الظروف المناخية بين الطرفين، قد تجر مآسيَ على الاقتصاد والبنيان الروسي، في حال رفع الأسعار بالقدر نفسه والسرعة ذاتهما اللذين ينص عليهما ميثاق الطاقة الأوروبي. ورفض التدخل الأوروبي في علاقات روسيا مع دول آسيا الوسطى، نافياً ممارسة بلاده أي ضغوط عليها، ومشدداً على أن تحديد الأسعار مسألة ثنائية، لا يحق لأوروبا التدخل فيها. وقدر الخبير خسائر"غاز بروم"وحدها من تبني الميثاق الأوروبي بنحو 4.5 بليون دولار سنوياً، في حال رفع الأسعار في السوق المحلية، وشراء الغاز من دول آسيا الوسطى بأسعار السوق. ويتفق عدد من الخبراء والسياسيين الروس مع القرار الرسمي بعدم المصادقة على ميثاق الطاقة، ويعتبرون أنه ُوقِعَ في ظروف تاريخية صعبة كانت روسيا خلالها في أمس الحاجة للاستثمارات الأجنبية، وفي ظل حكم"نظام الإصلاحيين الديمقراطيين"، الذي ألحق أشد الأذى باقتصادها، عبر جعله تابعاً بالكامل للغرب. ولفتوا إلى أن ميثاق الطاقة الأوروبي يتعارض مع التوجهات العامة للسياسة الروسية، التي سعت في السنوات الأخيرة إلى تقوية"غازبروم"كمحتكر للغاز استخراجاً ونقلاً وبيعاً، وپ"روسنفت"في مجال النفط. وقلل الخبراء من الفوائد التي ستجنيها روسيا في حال صادقت على ميثاق الطاقة، لأنها ليست في حاجة إلى استثمارات إضافية في هذا المجال، ولفتوا إلى"طابور من الراغبين بالاستثمار في قطاع الطاقة"، كما أن الميثاق لا يضمن دخول شركات الطاقة الروسية إلى أسواق مستهلكي الطاقة الأوروبيين مباشرة. واعتبر بعضهم أن التوصل إلى اتفاق جديد للتعاون والشراكة الإستراتيجية، سيضمن استمرار التعاون التقني وتحديد المعايير المشتركة بين الطرفين، من دون حاجة إلى المصادقة على الميثاق الذي يتضمن شروطاً قاسية لا ترغب روسيا في تحمل تبعاتها في الوقت الحالي، لأنه قد يعطِّل نمو اقتصادها.