سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الفقر يحول دون وصول اللقاح الى أطفال العالم الثالث . علماء وأطباء يحاولون في برشلونة كبح جماح فيروس "ب" : المصابون بليونان بينهم 350 مليوناً حالات مزمنة
في وقت يسود قلق عام من الانتشار المتواصل لوباء انفلونزا الطيور الذي يُسببه فيروس"أتش5 أن1"H5N1 القاتل، وخصوصاً مع احتمال تحوّله إلى وباء ينتشر بين البشر تواصل مجموعة كبيرة من الأمراض السارية والمُعدية انتشارها، من دون التوصل إلى لجم تفشيها. وعلى الموقع الالكتروني لمؤسسة"مراكز رصد الأوبئة"CDC ومقرها مدينة اتلانتا، عاصمة ولاية جيورجيا الأميركية، تظهر لائحة تضم عشرين وباءً تنظر اليهم تلك المؤسسة العلمية المرموقة، باعتبارهم الأكثر خطورة على المستوى العالمي. ويحتل وباء الكبد الفيروسي من النوع"ب"Viral Hepatitis B مرتبة متقدمة بين تلك الأوبئة. لذا، لم يكن غريباً أن يشدّد المؤتمر السنوي ل"الجمعية الاوروبية لأمراض الكبد"، في دورته 42 التي استضافتها مدينة برشلونة في اسبانيا أخيراً، على الزيادة المستمرة عالمياً في أعداد الاصابات بفيروسات الكبد، وخصوصاً النوع"ب". وارجع المشاركون في المؤتمر أسباب تفشيه لمشاكل من نوع نقص المياه الصالحة للشرب والاستعمال الانساني، والتلوث، وتدهور مستويات النظافة والصرف الصحي، وسوء الرعاية الصحية وغيرها من المشاكل التي تظهر بوضوح في بلدان العالم الثالث، حيث ينتشر وباء الكبد"ب"بطريقة مريعة. والمعلوم أن فيروس التهاب الكبد"ب"يستقر في أجساد بليونين وثلث البليون من البشر، بمعدل شخص من كل ثلاثة أفراد في العالم. ويُعاني قرابة 300 إلى 400 مليون فرد من اصابات مزمنة بالفيروس، فيما يصل الرقم عينه الى 670 مليوناً بالنسبة الى فيروس الكبد"س". وشارك في المؤتمر نحو خمسة آلاف طبيب واختصاصي. وأكد المؤتمر أن عدم استخدام وسائل الحماية في العلاقات الجنسية وتعاطي العقاقير من طريق الحقن الوريدي بين مجموعات الافراد، واستعمال الأدوات الشخصية للمصاب تسبب سرعة انتقال الفيروس، كما تنقله الأم المصابة لجنينها اثناء الحمل. ومن المُلاحظ أن فيروس الكبد"ب"ينتقل في طرق تُشابه تلك التي ينتشر فيها فيروس"اتش أي في"HIV المُسبّب لمرض الايدز. وبذا، فإن المجموعات موضع الخطورة بالنسبة للاصابة تشمل متعددي العلاقات الجنسية، والعاملين في المجال الطبي الذين تجبرهم المهنة على ملامسة دماء المرضى قبل التثبت من أوضاعهم أحياناً، وخصوصاً العاملين في غرف الطوارئ، ومُدمني المخدرات، ومثليي الجنس من الرجال، وعائلات المرضى المصابين بالشكل المُزمن من المرض، وأطفال المُصابات بالفيروس يلتقطون الفيروس مع الولادة وأبناء المهاجرين من بلدان ترتفع فيها نسب الاصابة، ومرضى الفشل الكلوي الذين يخضعون لعملية غسيل كلى متكرر، وغيرهم. وفي الاجتماع الأوروبي، شدّد خبراء في التهاب الكبد الوبائي"ب"على حقيقة أن ذلك الفيروس يسبب مضاعفات خطيرة، خصوصاً عندما يتحوّل الى التهاب مزمن يأكل الكبد تدريجاً، كما يمهد لظهور ورم سرطاني في ذلك العضو. ومن أهم المشاكل التي تواجه جهود مكافحة وباء الكبد"ب"أن تركيزه في الدم ينخفض في أحيان كثيرة، وخصوصاً في الحالات المزمنة، بما لا يُمكّن الاختبارات الشائعة من كشفه، وبالتالي يُتابع المرض تفشيه من دون مقاومة. الصوت المصري يُحذّر... وفي سياق المؤتمر الأوروبي ارتفع صوت مصري لافت، ليُحذّر من خطورة الوضع الراهن بالنسبة لفيروس الكبد"ب". فقد نبّه رئيس الاتحاد الدولي للكبد، والاستاذ في مستشفى القصر العيني في القاهرة، الدكتور جمال عصمت، إلى أن الجسم ينتج بلايين النسخ الجديدة يومياً من الفيروس. وخلال هذه العملية من التكاثر، تظهر نسخ متحوّرة جينياً بمعنى أن تركيبها الوراثي يختلف عن الفيروس الأصل الذي جاءت منه، ما يجعلها عصيّة على العلاج، لأن العقاقير المُستخدمة لا تستطيع أن تضرب تركيبتها الوراثية. وبذا، تعجز أدوية حققت فاعلية في خفض معدل تكاثر الفيروس، في فترة معينة، عن الاستمرار في التأثير على الفيروسات المتحوّرة، وبالتالي يزداد مجدداً معدل تكاثر الفيروس في الجسم، ويرتفع تركيزه في الدم وبالتالي في كثير من سوائل الجسم في شكل سريع. ويُسمي العلماء زيادة نسبة الفيروس في الدم ب"الحِمْل الفيروسي"Viral Load. ومع ارتفاعه، تزداد نسب انتقال الفيروس من شخص الى آخر. ويغدو الفيروس أشد خطراً عند إصابته الأطفال، إذ يُهدد مستقبلهم بالتحوّل الى التهاب مزمن يدمر الكبد ويوصلهم الى الموت، بنسبة 25 في المئة. وتصل نسبة الاصابة المُزمنة الى تسعين في المئة إذا حدثت إصابة الطفل عند الولادة"وتقف عند حدود 30 في المئة في حال دخول الفيروس الى الجسم في عمر ما بين 1 و 5 سنوات"فيما لا تتجاوز النسبة 6 في المئة إذا التقط الجسم الفيروس بعد سن الخامسة. وتبلغ نسبة الوفيات في الحالات المزمنة الى 25 في المئة. ومن الوقائع المؤلمة أن العلم قد صنع لقاحاً لذلك الوباء، وبات متوافراً منذ عام 1982. ودعت"منظمة الصحة العالمية"الى إدراجه في برامج التلقيح الأساسية عند الأطفال، فاستجابت أكثر من مئة دولة لتلك الدعوة. وفي المقابل، فإن سعره المرتفع يمنع إدراجه ضمن برامج التلقيح الأساسية في كثير من بلدان العالم الثالث، حيث ينتشر بقوة. وبقول آخر، فإن الفقر يمنع اللقاح من الوصول الى من يحتاجونه فعلياً. ولفت عصمت إلى وجود اكثر من 1.5 مليون مصري يعانون من اصابات مزمنة بفيروس"ب"، إضافة الى خمسة ملايين يعانون من الاصابة بفيروس"س". وأشار عصمت إلى ارتفاع نسبة الاصابة بفيروس"ب"في ليبيا والسودان والسعودية، أي الدول التي يحدث فيها انتقال كثيف للأيدي العاملة، وخصوصاً تلك التي تجيء من بلدان ترتفع فيها تقليدياً معدلات الاصابة بفيروس"ب". وأكّد عصمت أهمية اعطاء اللقاح في عمر مبكر، لأن ذلك يُساعد في الحصول على نتائج أفضل. وفيات مليونية وفي سياق مماثل، لفت استاذ الطب الباطني في جامعة برشلونة الدكتور رافاييل ايستبان إلى أن فيروس"ب"قتل السنة الماضية نحو 1.2 مليون شخص. ونبّه الى ضآلة عدد الأدوية المتاحة في علاج الاصابة بالفيروس، ما يزيد من أهمية مقاومته من طريق برامج التلقيح. كما أشار إلى تقرير للأمم المتحدة يفيد بأن المنطقة العربية تضم نحو 10 في المئة من اجمالي حاملي فيروس"ب"عالمياً. وكذلك ذكّر بأن فيروس "ب" يعتبر ثاني الاسباب الرئيسية المُسبّبة للسرطان بعد التبغ، وهو السبب الاول للاصابة بسرطان الكبد. كما نبّه إلى أن معدل العدوى بفيروس الكبد"ب"يفوق مئة ضعف معدل العدوى بفيروس نقص المناعة المُسبب لمرض الإيدز. كما أكّد رئيس"الجمعية التركية لامراض الجهاز الهضمي"الدكتور هاكان سنتور ان فيروس الكبد"ب"ينتشر في بعض المناطق بمعدل اكثر من المتوسط، وخصوصاً في أفريقيا وآسيا وبعض أرجاء جنوب أوروبا وشرقها. وبيّن أن فيروس الكبد من النوع"س"يتحوّل الى حال مزمنة لدى نحو 170 مليون شخص، كما يدخل الى أجساد ما يتراوح بين 2 و 4 ملايين شخص جديد سنوياً. وفي اختتام أعماله، أعلن الموتمر موافقة"هيئة الغذاء والدواء"الاميركية على استخدام عقار"براكلود انتيكافير"، الذي اكتشفته شركة"بريستول مايرز سكويب"والذي يؤخذ من طريق الفم. وقال مخترع العقار الدكتور ريتشارد كولونو، الذي يشغل منصب نائب الرئيس في هيئة"أبحاث اكتشاف عقارات الامراض المعدية"في"بريستول مايرز"، إن العقار اثبت قدرته على الابطاء من تطور الاصابة المزمنة بالتهاب الكبد الوبائي"ب". وأشار إلى التثبّت من تلك الفاعلية في كثير من الدراسات السريرية على مرضى لم يحصلوا على علاج مضاد للفيروس من قبل، إضافة الى مرضى استخدموا عقارات أخرى لعلاج ذلك الفيروس. وبعد 48 اسبوعاً من العلاج وسنتين بالنسبة لمن لم يستجيبوا للعلاج في السنة الاولى حقق"براكلود انتيكافير"نتائج جيدة من حيث مكافحة التهاب الكبد، وخفض نسبة التليّف في انسجته، الذي ينجم أساساً من الاصابة المزمنة بفيروس "ب". ولفت إلى أن البرنامج العالمي التجريبي السريري لعقار"براكلود انتيكافير"هو الاول من نوعه للمقارنة بين أكثر من نوع من مضادات الفيروسات. وتضمنت الدراسات المذكورة اكثرمن 1900 مريض. وأثبت العقار قدرته على خفض الحمل الفيروسي لدى المصابين إلى حدود متدنية تماماً. نموذج من المعاناة الانسانية وحضرت المؤتمر أيضاً السيدة جوانا مينيل، إحدى المصابات بفيروس"ب"، لتروي قصتها مع المرض. وقد شرع الفيروس في توهين جسدها مُذ كانت في سن 18 سنة، بعدما وصل اليها من طريق أمها اثناء الولادة. وأفادت مينيل بأن المرض اثر سلباً على علاقاتها الاجتماعية، ولهذا السبب فإنها تؤمن بأن التوعية هي الحل الوحيد لتغيير المفهوم السائد عن المرض ولنظرة المجتمع له. وأكدت ان التوعية مهمة جداً لزيادة المعرفة بالمرض والقبول به وتفهم طبيعته. وأثناء دراستها الجامعية، ركزت مينيل على هذه القضية"فكوّنت مجموعة لمساندة الافراد المصابين من طريق منحهم الشعور بقبول المجتمع لهم وقدراتهم على التعامل والاندماج مع الافراد المحيطين بهم. وبعد خمس سنوات من العلاج، واتباع اسلوب حياة صحي، اجرت جوانا التحاليل اللازمة وكانت تنيجتها ظهور الاجسام المضادة للفيروس، أي ان جسدها بات قادراً على محاربة الفيروس، بل أفادت التحاليل الأخيرة بأنها على وشك الشفاء! وعلى رغم الابحاث التي ناقشها المؤتمر، لم يتمكن العلماء حتى الآن من مكافحة الآثار التدميرية التي تسببها الفيروسات، أو كبح نشاطها وشل حركتها داخل الجسم الا بالقدر اليسير، ولا يزال البحث العلمي يحاول فك شفرة هذا الكائن الصغير أملاً في شفاء ضحاياه.