الالتهاب الكبدي الفيروسي هو أحد أمراض الكبد التي تسببها أنواع عديدة من الفيروسات ومن أكثرها خطورة فيروس التهاب الكبد ج (HCV). وتقدر نسبة المصابين بالفيروس ما يقرب من 3 في المائة من سكان العالم و هو مايعادل 130-150 مليون شخص حاملين للفيروس حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية. وهناك ما يقرب من نصف مليون مصاب بفيروس التهاب الكبد (ج) (C) يلقون حتفهم سنوياً بسبب مضاعفات الفيروس التي تتراوح من تليف بخلايا الكبد وفشل بوظائفه إلى أورام سرطانية بالكبد. و نظراً لانتشار الفيروس بمختلف أنحاء العالم فإنه يعتبر مشكلة صحية عالمية تشغل الدوائر الصحية بشكل دائم للوصول لعلاج جذري للمرض. تعتبر إفريقيا ووسط وشرق آسيا من أكثر المناطق انتشارا للفيروس. وللفيروس أنماط جينية متعددة يتفاوت توزيعها بين مناطق العالم. و يعتبر النمط الجيني الرابع هو الأكثر انتشاراً في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا. وبسبب حجم المشكلة الصحية التي يسببها الفيروس و نظراً لعدم توافر مصل وقائي فعال ضد الفيروس حتي الآن فان الطريق الوحيد لتقليل حجم انتشاره هوعلاج الحالات المصابة باستخدام عقاقير فعالة و آمنة وهو ما تم توافره و طرحه في الأسواق حديثا بالإضافة إلى الوقاية من الإصابة بالفيروس بمعرفة طرق الإصابة و وتجنبها. كيف تحدث العدوى؟ ينتقل فيروس التهاب الكبد (ج) (C) بشكل أساسي عن طريق الدم من خلال نقل الدم الملوث أو منتجاته أو من خلال استخدام أدوات طبية غير معقمة . كما تنتشر الإصابة بين متعاطي المخدرات نتيجة الاستخدام المشترك للحقن. ينتقل الفيروس أيضاً من خلال الوشم أو الوخز بالإبر الصينية أوشفرات الحلاقة أو معدات الأسنان في حال عدم تعقيمها. يعتبر انتقال الفيروس عن طريق الجنس أو من الأم الحامل لجنينها من طرق العدوى ولكنها أقلها حدوثاً. لا ينتشر فيروس التهاب الكبد (ج) (C) عن طريق الماء أو الأكل و لا عن طريق المصافحة أو المعانقة ولا عن طريق لبن الأم. كيف يتم تشخيص المرض ؟ يتم تشخيص الإصابة بفيروس التهاب الكبد (ج) (C) عن طريق تأكيد وجود الأجسام المضادة للفيروس بالدم و في حالة ثبوت إيجابية الفحص يتم عمل تحليل الحمض النووي للفيروس بدم المريض لتأكيد الإصابة المزمنة . بعد التأكد من الإصابة يلزم عمل مزيد من الفحوصات و الأشعة لمعرفة مدى إصابة الكبد ومدى تطور الحالة. كذلك يتم عمل تحليل لمعرفة نوع النمط الجيني للفيروس و الذي يحدد نوع العقاقير المستخدمة و مدة العلاج. من ينصح بالعلاج ؟ حالات التهاب الكبد (ج) (C)الحاد: العلاج فى هذه المرحلة يحقق أعلى معدلات النجاح ولمدد علاجية قصيرة. هناك نسبة صغيرة من الحالات لا تتجاوز 15 في المائة قد لا تحتاج لعلاج نتيجة لأن الاستجابة المناعية لديهم قد تقضي اعلى الفيروس. لذلك قد يتم إرجاء العلاج في هذه الحالات لمدة 2-4 أشهر للتأكد من استمرار العدوى قبل البدء في العلاج. حالات التهاب الكبد (ج) (C) المزمن: تنصح حالياً منظمة الأغذية و الدواء الأمريكية و كذلك رابطة دراسة أمراض الكبد الأمريكية و الهيئات الصحية العالمية بعلاج جميع حالات التهاب الكبد (ج) (C) المزمن و لا يستثنى من ذلك الا الحالات المتقدمة جداً ذات المتوسط العمري القصير و التي لن تجدي معها زراعة الكبد ولن تحسن من الحالة. العقاقير المتوافرة لعلاج فيروس التهاب كبد (ج) (C): قبل عام 2011 كانت الخطة العلاجية للفيروس تعتمد فقط اعلى عقار الانترفيرون و الذي أضيف له عقار الريبافيرين لتحقيق نتائج أفضل. و كان الانترفيرون يتطلب حقناً أسبوعياً لمدة تترواح بين 24-48 أسبوعاً حسب النمط الجيني للفيروس وبنسب شفاء لا تتعدى 50 في المائة في أفضل الأحوال. و من المعروف أن الانترفيرون له العديد من الآثار الجانبية و التي قد تحظر استخدامه مع بعض المرضى أو توقف العلاج في العديد من الحالات مما كان يشكل عائقاً أمام مجموعة من المرضى لا يصلح معهم الانترفيرون. نقطة التحول: في عام 2011 كانت نقطة التحول في علاج الفيروس بظهور مجموعة من العقاقير المضادة للفيروسات بفعالية أكثر وآثار جانبية أقل من الانترفيرون و تعرف هذه المجموعة بالعوامل المباشرة المضادة للفيروسات وتمت الموافقة اعلى استخدامها في علاج الفيروس وكانت تشمل عقاري تليبريفير و بيكوبريفير. وفي عام 2013 تم استحداث عقار ينتمي لنفس المجموعة لكن بفعالية أكثر و هو عقار سيميبريفير (اوليسيو). وفي 2014 تم الإعلان عن الموافقة على استخدام عقار سوفوبفير (سوفالدي) لعلاج فيروس التهاب كبد (ج) (C) و الذي يستخدم في خطط علاجية مختلفة سواء مع انترفيرون و ريبافيرين أو مع عقار سيميبريفير(اوليسيو) أو مع عقارات ظهرت بالتتابع في الأسواق الدوائية لتتيح برتوكولات مختلفة لعلاج الأنماط الجينية المتعددة للفيروس. منذ ذلك الحين ظهرت العديد من خطط العلاج التي تشمل عقارين أو أكثر من مضادات الفيروس مثل عقار فيكيرا باك (اوميتاسفير، باريتابرفير، ريتونافير) أو عقار هارفوني (ليديسفير، سوفوبفير) . وتتميز هذه العقاقير بأنها تؤخذ عن طريق الفم يومياً و لمدة علاجية 12 أسبوعاً لمعظم الحالات و 24 أسبوعاً لحالات التليف الكبدي المصابة بالفيروس كما أن آثارها الجانبية محدودة. وقد ساهم ظهور هذه العقاقير في ارتفاع معدلات الشفاء بنسب تتجاوز أكثر من 94% و هو ما يعد إنجازاً على الصعيد العالمي للقضاء على هذا الفيروس وبارقة أمل لملايين المرضى المصابين بالفيروس. الدكتورة شيرويت محمود* *استشارية ومدرس الأمراض الباطنة مستشفى الأطباء المتحدون