قائمة سوداء فوجئ بها المصريون عشية ليلة "شم النسيم"، هذا العيد المصري الفرعوني الذي يجمع صفوف المصريين مرة في كل عام، فالفسيخ فيه سم قاتل والشفاء منه غير مضمون، والبيض يحمل خطر الإصابة بفيروس H5N1 ويجب غسله قبل طهيه وتطهير مكانه، والهواء محمل بأتربة الخماسين ويفضل عدم استخدام الطرق الصحراوية والسريعة إلا في حال الضرورة، والبرامج التلفزيونية الدينية تحذر من سموم قنوات الفيديو كليب التي تتخذ من أعياد الربيع و"شم النسيم"فرصة لبث سمومها من عري وإباحية في جرعات إجبارية على المشاهدين. اليوم يحتفل المصريون بعيد"شم النسيم"ذي الجذور الفرعونية والذي احتفظ على مدى قرون طويلة بطقوس وتقاليد لم تتزحزح إلا في العام السابع من الألفية الثالثة. فرغم أنه جرت العادة خلال الأعوام القليلة الماضية على إطلاق التحذيرات من الإفراط في تناول الأسماك المملحة، إلا أن تحذير هذا العام جاء على غرار العبارة المشهورة"الدواء فيه سم قاتل"في الفيلم العربي القديم حياة أو موت. فبدلاً من التحذيرات المعتادة، جاء التحذير هذه المرة صارخاً: تناول الفسيخ ينجم عنه تسمم خطير يصيب الجهاز العصبي ويحتاج العلاج إلى أربع جرعات من الحقن كلفة الواحدة منها تتعدى 30 ألف جنيه، وهو ما لا طاقة به للغالبية العظمى من المصريين ممن يحرصون على تناول الفسيخ في هذا اليوم. وإذا كانت حقن الفسيخ بالغة الكلفة فإن الوضع لا يختلف كثيراً بالنسبة لعقار"التاميفلو"الذي يحيط بمظهر آخر من مظاهر الاحتفال ب"شم النسيم"، فالبيض الذي كان المصريون يلونون الملايين منه في كل عام بات من السلع"المحظور تداولها"في العديد من البيوت المصرية، بعدما وصل عدد الإصابات بأنفلونزا الطيور حتى يوم أمس الأحد 34 حالة. شبح أنفلونزا الطيور الذي يحلق بقوة في مصر أثّر بشكل واضح على"شم النسيم"، فعادة تلوين البيض في هذا اليوم تتعرض لخطر الانقراض، ليس فقط بسبب الخوف من الفيروس المسبب لأنفلونزا الطيور ولكن بسبب سعر البيضة التي قفزت من 15 إلى 30 قرشاً مصرياً خلال عام ونصف العام. البيضة ليست وحدها التي حققت قفزة كبيرة في عيد"شم النسيم"هذا العام، بل ايضا البرامج الدينية في القنوات الفضائية الخاصة التي شهدت قفزة نوعية، إذ كثف البعض من موجات التحذير من الانجراف وراء متابعة الأغاني والبرامج التي يبثها بعض الفضائيات لا سيما تلك المتخصصة في الفيديو كليب والتي تتسم ب"الإباحية والعري والخروج على الأخلاق متخذة أعياد الربيع حجة في ذلك"، وهي التحذيرات التي جرى العرف على إطلاقها في مواسم دينية مثل قرب حلول شهر رمضان المبارك، بل إن البعض بدأ يجاهر على تلك القنوات برأيه في تحريم الاحتفال بعيد"شم النسيم"، باعتباره عيداً وثنياً. أما الهاربون من حروب الفتاوى الفضائية التي طالت حمّاها"شم النسيم"، فالأتربة ورياح الخماسين تنتظرهم خارج باب البيت. تحذيرات خبراء الطقس والأرصاد بشّروا بطقس معتدل وإن كان خطر رياح الخماسين المثيرة للأتربة والرمال يتربص بهم على الطرق الصحراوية وهي التي اشتدت على مدى اليومين السابقين حتى انعدمت الرؤية في بعض مناطق القاهرة نفسها. ورغم أن حدائق الحيوان في الجيزة كانت، منذ سمح الخديوي إسماعيل للمصريين بزيارتها بدلاً من كونها حديقة ملحقة بالقصر، من المزارات المرتبطة ب"شم النسيم"، إلا أنه شتان بين حديقة حيوان الأمس واليوم التي انقرض فيها عدد الحيوانات المتميزة ونفق ما نفق، ومرض ما مرض حتى أصبحت الحديقة في حال يرثى لها، ولكنها ستفتح اليوم أبوابها وإن بكثير من الحذر خوفاً من بقايا الفسيخ التي تجد طريقها إلى داخل أفواه الحيوانات على رغم حال الطوارئ التي تظل منعقدة طوال اليوم. لقد تحول"شم النسيم"من عيد للربيع سمته الأسماك المملحة والبيض الملون والتنزه في الحدائق، إلى تحذيرات صحية وأخرى جوية وثالثة من حوادث الطرق والتدافع في الأماكن العامة والغرق في النيل والابتلاع في البحر والتسمم بالفسيخ والإصابة بالفيروسات وتحمل الذنوب جراء مشاهدة موبقات الفضائيات متحججة بأعياد الربيع.