نائب أمير مكة يفتتح غدًا الملتقى العلمي الأول "مآثر الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- وجهوده في الشؤون الدينية بالمسجد الحرام"    المياه الوطنية: خصصنا دليلًا إرشاديًا لتوثيق العدادات في موقعنا الرسمي    السعودية تستضيف الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلقة محكمة من مظاهر العنف والإيمان . مقاربة فرويدية لعلاقات الشباب اللبناني خلال أحداث أمنية محبطة
نشر في الحياة يوم 29 - 04 - 2007

يتحد اللبنانيون في السلوك الاجتماعي، وليس المقصود في الطعام واللغة وتربية الأطفال، الخ، فهذه من البديهيات التي لم تؤثّر بها الأزمات. بل يتحدون في الموقف من الجنس والعنف والتديّن. فالتحرّر الجنسي في أوساط الشباب اللبناني، بصرف النظر عن انتمائه السياسي أو المذهبي، يضاهي مثيله لدى اكثر الشعوب الأوروبية ليبرالية، وإن اختلف في الأسلوب والعلنية أو عدمها. ويلتقي ايضاً في العنف والتديّن، وهذا يناقض أوروبا الغربية نسبياً، إذ توجد حلقة محكمة من العنف والجنس والتديّن في اوساط الشباب اللبناني.
بلغ العنف مستوى متقدماً في لبنان بعد سلسلة اغتيالات عام 2005 والحرب الإسرائيلية في 2006، ليفتتح عام 2007 على عنف شبابي تجلى في احدى ذرواته صداماً بين الطلاب في جامعة بيروت العربية في 25 كانون الثاني يناير وأسفر عن مقتل أربعة وجرح 20. لم يكن هذا التصادم في صفوف الطلاب الجامعيين حدثاً منعزلاً، فقد تكرّر بدرجات أقل في جامعات رئيسة أخرى: في جامعة القديس يوسف ذات الأغلبية المسيحية، وفي الجامعة الأميركية المختلطة نسبياً ولكن بأغلبية مسلمة. لكن حدث الجامعة العربية كان أسوأها حيث أدّى إلى قتلى وجرحى، ووصفه المراقبون بأنه صدام صريح بين السنة والشيعة، واعتبره البعض مؤشر"بوسطة عين رمانة جديدة"لحرب أهلية في لبنان. وفي حين كان صدام الجامعة الأميركية وجامعة القديس يوسف من دون عنف جسدي لكنه كان صاخباً إذ احتشد الطلاب بكثافة إما على رصيفين متواجهين أو في جهات داخل الحرم ومارسوا العنف الكلامي وارتدوا"تي - شيرتات"ملوّنة سياسياً.
سنغفل هنا عمداً الخلفيات السياسية الاقليمية والمحلية وواقع التوزّع الجغرافي للفئات المتواجهة، وهي مسائل عالجتها أقلام كثيرة. ونستعرض الناحية السيكولوجية الثقافية لهذه المواجهات مستندين إلى المراجع الإحصائية الاجتماعية وإلى بعض كتابات سيغموند فرويد ورونيه جيرار حول الدين والجنس. ونذكر نتائج دراسة واستفتاء نشرتها صحف بيروت قبل سنوات حول موافقة طلاب الجامعات اللبنانية على ممارسة الجنس قبل الزواج بحسب التوزيع الطائفي فجاءت النتيجة كما يلي: 66 في المئة من طلاب الجامعة الأميركية يوافقون على مبدأ ممارسة الجنس قبل الزواج، مقابل 61 في المئة من طلاب الجامعة اليسوعية، وفقط 19 في المئة من طلاب الجامعة العربية. سنعود إلى هذا الاستفتاء في ما بعد، ولكن نسجل هنا الملاحظة الأولى وهي أنّ العنف في عامي 2006 و2007 كان مرتفعاً في المؤسسة الجامعية حيث الحرية الجنسية كانت منخفضة، وبالعكس.
الإحباط السياسي الصادر عن الشعور بتهديد مصير الجماعة المذهبية التي ينتمي إليها الطالب يواجهه بعض الطلاب بممارسة الجنس. أمّا حيث لا يتوافر الجنس، فإنّ الطالب يعالجه بالعنف وبضرب زميله"الآخر"الذي يهدّد وجود جماعته. ففي الحال الأولى، ساهمت ممارسة الجنس في انخفاض مستوى توّتر الشباب وأدّت إلى هدوئهم. وفي الحال الثانية، حيث البيئة مكبوتة نسبياً، مارس الشباب العنف ووصلوا إلى النتيجة نفسها، اي في تخفيض مستوى توّترهم بعدما شاهدوا دم الخصم على الرصيف.
وفي الحالين هناك تنافس بين الذكور على كسب ودّ الفتيات، إن بالعنف الظاهر للعيان تجاه الذكر الآخر في غياب الممارسة الجنسية، أو بأساليب أكثر تعقيداً وأسمى تعبيراً حيث لا يمارس العنف بل الجنس، فيعرض الذكور لياقتهم الجسدية وذكاءهم وثقافتهم وسياراتهم ومقدرتهم على الانفاق، الخ. وفي الحالين تختار الفتاة نموذج الشاب الذي يوفر لها الحماية ويردّ إليها الطمأنينة من تهديد الشاب"الآخر"للجماعة المذهبية. وفي بعض الأحيان، تختار الفتاة شاباً من الموقع السياسي الخصم ضمن الطائفة الواحدة كأن تفضل فتاة شيعية شيوعياً شيعياً على"الحزب اللهي"أو تختار مارونية"عونياًً"على"القواتي"، ولكن يبقى هذا ضمن المذهب الواحد. إذ نادراً ما تختار شاباً من مذهب آخر، إذ يحتل الموقع الطائفي موقعاً متقدماً على السياسي. أما الشباب في ميدان العنف الطائفي فهم يريدون لفت نظر الفتاة، اي فتاة، وإن كانت في الموقع الخصم، كي تختارهم.
ويواجه الشباب إحباطهم النفسي من أجواء البلاد المتوترة باندماجهم السافر بالجماعة المذهبية، فيتراجع انتماؤهم الى البلد بكليّته. ذلك أنّ العرف اللبناني يقضي بأنّ الطائفة، لا الدولة، هي التي تدافع عنهم. ونقرأ في كتاب"كيف نتربى على الطائفية"للناشطة الاجتماعية اللبنانية أوغاريت يونان:"وأعترف ايضاً أنهم حين كتبوا على تذكرة هويتي التابعة للجمهورية اللبنانية"مارونية المذهب"، لم أكن تعلمت القراءة ولا الكتابة ولا النطق، على ما أذكر. ولم أكن تعرّفت على مار مارون أو تعاطفت مع قصته أو آمنت بما بشّر به، على ما أذكر ايضاً. وحين سألتهم لاحقاً، وكنت تعلمت النطق والقراءة والكتابة، لم َفعلوا بي ما فعلوا، وأنا لا حول لي على الخيار والقرار بعد، قالوا إنني كنت ما زلت جاهلة بعرف الجميع، وإن عبء المسؤولية الاجتماعية كان أكبر عليهم من تركي خارج الانتماء والهوية وإننا مجتمع لا يرحم الفرد... ترانا في لحظات الهدوء العذبة جداً نتحدث وننّظر عن اللاطائفية، ونعلن على الملأ أننا ضد هذا"السيستم"، في حين ترانا في لحظات الحزّة الحقيقية جداً، ننسى تنظيراتنا تلك وتشتعل فينا، وعلى الملأ أيضاً، انفعالات دفينة باسم الطائفية بالذات... فكيف أتعلّم وأصدّق أن المسلم"مجلجق"ولاحق للعرب وأن المسيحي snob ومغّرب!؟".
ونقرأ أيضاً:"وحين يطلع بلد من حرب مُرّرت نسبة سبعين في المئة من أشكالها بإسم الطائفي والمذهبي يخيل إلينا أنه لا بد من أن تكون نسبة سبعين في المئة من ورشة إعادة البناء والإعمار موجهة الى هذا الاتجاه، فالدواء لا يكون إلا بحسب الداء. أما نحن في لبنان فنعترف أننا فشلنا وأنهم جاءونا من كل صوب يعلّموننا الانغلاق ورفض الآخر. وإذا بالجماعة تسحق الفرد، والكراهية تسمو فوق الحب، والقسر يهزم الحرية... وهكذا صرت رقماً مارونياً إضافياً في سجل الحسابات الطائفية، وهكذا صارت رفيقتي منتهى رقماً سنياً مسلماً إضافياً، وصديقتي وفاء رقماً إضافياً شيعياً مسلماً، وتريز رقماً كاثوليكياً...".
وإذ يقدّم جيل الشباب نفسه وقوداً للحرب في لبنان لحيويته الجسدية بسبب سنّه الصغيرة نسبياً - 15 إلى 35 عاماً واندفاع مشاعره الممتزجة بالخاص والعام، يرى فرويد أنّ الشاب في لاوعيه يسعى إلى صراع البقاء الذاتي والجماعي. فقد يتلوّن الصراع بأسباب سياسية واقليمية ودولية ومثل عليا، بينما الأساس هو صراع الجماعات الطائفية الغرائزي للبقاء والاستمرار على حساب الجماعات الأخرى. وفي الظاهر أيضاً، تدخل الممارسة الجنسية في وعي الشاب والشابة، ويكون مبدأ اللذة هو الطاغي، لكن المهمة الأكبر والأكثر حضوراً باطنية، وهي صراع البقاء وحفظ النوع والتناسل، وهي ايضاً الدافع الغريزي اللاواعي الذي يحض على الجنس وتنوّع اللذات الجسدية فيما يسيطر مبدأ اللذة على العقل الظاهر. أما في المستوى الجماعي، فيصبح الرشاش الحربي - الكلاشنيكوف أو المدفع الميداني أو الدبابة، في مثابة العضو التناسلي الجماعي يطلقه شباب ضد الجماعات المذهبية الأخرى لحفظ جماعتهم من الفناء.
ثمة شخصية اجتماعية لبنانية واحدة تخترق الفروقات بين الطوائف. ذكر لنا بروفسور لبناني في العلوم الاجتماعية في جامعة بيروت الأميركية أنّ للفرد اللبناني شخصيتين: شخصية خاصة وعامة. فاللبناني في شخصيته الخاصة يقترب من ذاته الحقيقية ويصبح أكثر صدقاً، فيظهر أقل تعصّباً وأكثر قبولاً للآخر من تصريحاته العلنية وسط قطيعه الطائفي أو الحزبي. وعلى هذا الأساس، فهو يصارح صديقه الشاب في حديث خاص وبأسلوب راق ٍ حول هموم مشتركة، أو يتودّد إلى أنوثة الشابة التي تنتمي إلى مذهب آخر أو جماعة سياسية مناقضة متى اختليا في الكافتريا أو في المنزل.
ويمكن استعمال المقاربة الفرويدية لفهم مغزى أن يكون لبنان بلد انتشار التشدد الديني، وبلداً خاض حرباً مدة 16 سنة جزئياً بسبب الدين، حيث يعلن الناس أنّهم مع العفّة والتزمت في الجنس والاختلاط، لكنهم في الواقع يجدون ملاذاً في ممارسة الجنس والعنف في غياب حريّة حقيقية تضع حداً للإحباط السياسي المتواصل.
وهكذا كلّما اشتدت الأزمات في لبنان، كلما سعى الشباب من الجنسين إلى شحذ مواهبهم الجنسية لمواجهة تهديد مستقبلهم وكيانهم واستمرارهم. وقد يعتبر البعض انصراف الشباب إلى هموم الجنس واكسسواراته "عدّة الشغل"من لباس وتجميل ومال وعضلات اهتماماً سطحياً بالشكل، لكنه أساسي في نفسية المضطهد والمحاصر والمكبوت في المجتمعات.
في بيروت ثمة نساء يكشفن نصف صدورهن ويبالغن في استعمال الماكياج حتى في الشارع وفي أماكن وظروف لا علاقة لها بالسهرات أو الحفلات. وتبرز في وجوه بعضهن آثار جراحة تجميل غير ناجحة، وعلامات حقن سيليكون. وفي صفوف الشباب المتزمّت دينياً يحتل موضوع نوع السيارة وبنطلون الجينز الضيّق ونظارات الشمس واللياقة الجسدية موقعاً متقدماً.
وتعرض مواقع بيع الكتب العربية على الانترنت لوائح الكتب الأكثر مبيعاً، فتتضمن دائماً عدداً من كتب الجنس والسحر والشعوذة جنباً إلى جنب كأفضل مبيعاً مع مؤلفات دينية لمشاهير الدعاة. أمّا برامج التلفزيون الأكثر فتلك التي تعرض الفيديو كليب وبرامج الألعاب ومقابلات الفنانات المثيرات اللواتي تخرّج بعضهن من مؤسسات الأزياء، جنباً إلى جنب ندوات ومقابلات رجال الدين أو الضالعين في أفكار سلفية أو لاهوتية.
ويعتقد كثيرون في بيروت ومدن عربية أخرى كالقاهرة مثلاً أنّ ملابس المرأة المتحرّرة هي ردّ على الموجة الدينية في الشرق الأوسط، لكن مفهوم الحرية الجنسية السائد في لبنان، أي المعاشرة قبل الزواج واستعراض الجسد وعمليات التجميل والموضة والسيارات، لا تجعل لبنان بلداً أوروبياً. فشروط المقارنة مع أوروبا الغربية يجب أن تبدأ في الفكر والثقافة والإنتاج واحترام الإنسان وحقوق المرأة ونبذ العنف والعنصرية والسعي إلى رفاهية المجتمع والتطوّر الاقتصادي والبشري. وفي مقياس فرويد لا يعود مهماً تغطية جسد المرأة ورأسها أو عدمه في مسألة ترابط الدين والعنف والجنس، وربما كان الترابط هو الأقوى في مجتمعات يعلو فيها الكبت الجنسي.
والحال أنّ لبنان يستهلك مظاهر الغرب ملابس، سيارات، أجهزة الكترونية... ويهمل الجوهر في مجتمعات أوروبا. وعلى سبيل المثال في الدول الغربية المتطورة، الضمان الصحي حق طبيعي للإنسان منذ ولادته حتى وفاته. أما في لبنان فما زال هناك احتمال أن يموت المرء على باب مستشفى إذا لم يدفع مبالغ خيالية بمقاييس الدخل الفردي في لبنان.
أما ظاهرة التعصب فمنتشرة لدى المسلمين والمسيحيين في لبنان. ووسائل الإعلام تقنع المراقب الزائر أن البلد يسير باتجاه المحافظة الدينية، وقد تظهر دولة إسلامية انطلاقاً من ضاحية بيروت الجنوبية أو فاتيكان صغير على خليج جونيه، أو ما شابه. ويؤكد اقتناع المراقب أنّ لبنان محافظ دينياً وشعبه متعلق بالديانات حشودات عاشوراء، حشودات استقبال البابا، المشاركة الكثيفة في الطقوس الدينية في المسجد والكنيسة، الخ ويعتبر الجنس قبل الزواج عملية غير مقبولة وغير محبذة لأسباب اجتماعية.
يناقض التوجّه الديني الظاهر مدى ليبرالية شباب وشابات لبنان من كل الطوائف تجاه الجنس. فمن ناحية تعتبر الأديان الجنس قبل الزواج محرّماً ومرفوضاً تماماً، ومن ناحية أخرى فالحرية الجنسية منتشرة. وأظهر بعض الإحصاءات أن الطلاب في لبنان من أعمار 18 سنة وما فوق يوافقون على الحرية الجنسية بمعدل مرتفع: حوالى ثلثي الشباب مقتنع بمبدأ الحرية الجنسية وحوالى خمسين في المئة يقبلون ممارسة الجنس قبل الزواج. ولدى الطلاب الذكور تصل نسبة الموافقة على ممارسة الجنس قبل الزواج الى 60 في المئة. عدا عن هذا الإحصاء فإن أحاديث الشباب اللبناني من الذكور عادة ما تتطرق عادة الى مغامرات الجنس"وتظبيط" هذه الفتاة أو"تضهير هذه الفتاة".
وهذا يبرزفي عادي في النتاج المسرحي كما في مسرحية"بالنسبة لبكرا شو"لزياد رحباني.
وعلى صعيد التوزيع الديني للطلاب، فإن 65 في المئة من الطلاب المسيحيين يوافقون على ممارسة الجنس قبل الزواج يليهم الطلاب الشيعة بنسبة 51 في المئة ثم الطلاب السنة بنسبة 35 في المئة، بينما سجل الطلاب الدروز أدنى مستوى وهو 31 في المئة. وحول الفصل بين الرغبة الجنسية والإيمان الديني كرادع مثل الصلاة، وعما إذا كان الطلاب يمارسون الصلاة - مسلمين أو مسيحيين - فيتوقع القارئ أن يرفض الذين يمارسون الشعائر الدينية ممارسة الجنس خارج الزواج بنسبة مئة في المئة. ولكن، تبيّن أن 36 بالمئة من المتدينين الذين يقيمون الصلاة يقدمون على ممارسة الجنس قبل الزواج، وهذه النسبة مرتفعة جداً لأن الديانتين الإسلامية والمسيحية تدينان الفعل الجنسي قبل الزواج.
وبحسب التوزيع الطائفي لدى المتدينين الذين يوافقون على ممارسة الجنس قبل الزواج جاءت النتيجة كما يلي: 58 في المئة من المسيحيين المحافظين والذين يقيمون شعائر الدين يوافقون على الجنس، و29 في المئة من الشيعة المتشددين في تطبيق الشعائر يوافقون على الجنس قبل الزواج، بينما بلغت النسبة درجة دنيا لدى السنّة المتدينين 19 في المئة والدروز 18 في المئة.
أما السؤال الثاني فكان: هل توافق على مبدأ الحرية الجنسية بصرف النظر عما إذا كان الطالب شخصياً يوافق على ممارسة الجنس قبل الزواج؟ فكانت الأجوبة بالقبول على الشكل التالي: 67 في المئة من الطلاب الذكور من كل الطوائف يوافقون على الحرية الجنسية و59 في المئة من الإناث. أما الانتماء الديني الطائفي فجاء ليكرس الفكرة الشائعة بأن المسيحيين أكثر تحرّراً من المسلمين، فجاءت النتائج كما يلي: المسيحيون 81 في المئة يليهم الشيعة بنسبة 62 في المئة والسنّة بنسبة 50 في المئة والدروز بنسبة 47 في المئة، وهي نسب مرتفعة لدى كل الطوائف. ولا تتوقف المفاجأة هنا بل تتخطاها الى المؤمنين الذين يصلوّن من كل الطوائف، فنرى أن نسبة الموافقة على حرية الممارسة الجنسية مرتفعة كثيرا وتصل الى 54 في المئة لدى ممارسي الصلاة من الديانتين.
ويبدو أن عدم وجود عبارة"قبل الزواج"في سياق السؤال خفف عقدة الذنب وجعل القبول بالحرية الجنسية عالياً.
ولغير المصلين تبلغ نسبة الموافقة على الحرية الجنسية 89 في المئة لدى الطلاب المسيحيين و85 في المئة لدى الشيعة. وفي كل المعّدلات لاحظ الإحصاء أن النسب تتقارب إجمالاً بين المسيحيين والشيعة بينما هي أكثر محافظة لدى السنة والدروز.
وحاول الإحصاء معرفة نسبة الطلاب الذين يمارسون فعلاً الجنس مع طالبات، وليس فقط مسألة تمّن، عبر سؤال غير مباشر: هل تشعر أو تشعرين بالخجل عند شراء الواقي الذكري condom؟ وافترض الإحصاء أن الطالبة أو الطالب الذي لا يشعر بالإحراج عند شراء الواقي يكون ناشطاً جنسيا. وكانت النسبة بين كل الطلاب 66 في المئة وهي نسبة عالية جداً. وتصل هذه النسبة بين الذكور الى 80 في المئة و48 بالمئة لدى الطالبات. ونجد أن المسيحيين والشيعة يأتون في المرتبة الأولى 76 في المئة و72 في المئة ويتقارب الدروز والسنة في الانخفاض 58 في المئة و55 في المئة. وحتى بين المؤمنين بلغت نسبة الذين لا يخجلون من شراء الواقي الذكري 64 في المئة وهي نسبة مرتفعة ولا تبتعد كثيراً عن نسبة الطلاب الذين لا يصلوّن.
ليست غريبة هذه العلاقات الجنسية بين الطلاب الجامعيين في لبنان على رغم ما يحملون من مشاعر وتعلق بالطقوس الدينية. وهذا ليس بجديد على المجتمع اللبناني، حيث جاء في دراسة طبية نشرت بالإنكليزية عام 1981 عن نسب اجهاض كبيرة جرت في الجامعة الأميركية خلال سنوات الحرب لفتيات محجبات وملتزمات دينياً، فلا الحرب ولا التقوقع داخل الطوائف منعا الشباب من التواصل الجنسي.
النسب والأرقام المذكورة تبدو صارخة ولافتة ولكن يشاهدها المراقب بأم العين، ما يبيّن خطأ بعض الأفكار الشائعة أن لبنان مجتمع محافظ. فأجوبة الشباب ناقضت المبادئ حول الحرية الجنسية. ولعّل التساهل الجنسي لدى الطلاب هو رد فعل على الإحباط السياسي والاقتصادي والوضع غير المستقر.
هؤلاء الطلاب المتحررون جنسياً منقسمون طائفياً، وكادوا يدفعون البلد إلى الحرب الأهلية في 25 كانون الثاني يناير. لقد ضمّت المدارس والجامعات في لبنان مسيحيين ومسلمين معاً قبل 1975، على صعيد الطلاب والهيئات التعليمية. أما في العام 2007، فالاختلاط بدأ يزداد صعوبة حتى بين سنّة وشيعة أحياناً. وفي بعض المدارس يجلس الطلاب الشيعة والسنة كل على طرف في الصف الواحد. وأصبحت مسألة نقل أساتذة من فرع الى فرع في الجامعة اللبنانية تؤدي الى تعطيل الدروس للاحتجاج الطائفي، حيث تذهب غالبية الطلاب المسلمين الى فروع، والطلاب المسيحيين الى فروع أخرى.
قد يجد شبان الحل في الهجرة حيث يسترجعون ذواتهم في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي ويستعيدون هدوءهم. لكن ذلك قد يرفع من معدّل الإناث تجاه الذكور، كما أنّ التدهور الاقتصادي والفقر يؤخران سن الزواج لدى الشباب الذي ربما لن يتزوج مطلقاً. وهذا قد يعني اللجوء إلى الجنس مبرّراً في ظل أجواء التشنج السياسي والتدهور الاقتصادي والاجتماعي. إذ في أزمنة الحرب تكون العودة إلى الجنس أحد الملاذات الأخيرة لحفظ الذات.
* كاتب لبناني مقيم في كندا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.