ربما تؤدي الضغوط، التي تمارسها الولاياتالمتحدة على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للإسراع بخطى المصالحة بين طوائف عراقية متناحرة، الى آثار عكسية، اذ ان زعماء العراق لا يريدون ان يظهروا بمظهر من يتلقى الاوامر من واشنطن"التي بدأ صبرها ينفد". وتشير رغبة القادة العسكريين الاميركيين، الذين يقودون حملة في بغداد بغية افساح المجال للمالكي لتمرير قوانين تقضي باقتسام السلطة، الى ان الولاياتالمتحدة تسير في اتجاه معاكس لما يسير العراق اليه. ولخص الجنرال ديفيد بتريوس قائد القوات الاميركية في العراق هذه الورطة الخميس الماضي عندما تحدث عن عقارب الساعة الاميركية التي"تسير بخطى متسارعة ما يعكس الاحباط ونفاد الصبر وخيبة الامل والغضب وانفعالات اخرى متنوعة"، كما وصف الساعة العراقية بانها"لا تسير بالسرعة نفسها". ومع تعرض الرئيس جورج بوش لضغوط متزايدة من الحزب الديموقراطي من اجل تحديد جدول زمني لانسحاب القوات من العراق تحاول واشنطن تضييق الخناق على المالكي كي يوافق على قوانين خاصة باقتسام الثروة النفطية ورفع حظر مفروض على تولي اعضاء من حزب البعث مناصب عامة بحلول ايلول سبتمبر الماضي. وربط وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس بين تمرير قوانين"المحاصصة"واستمرار رفع حجم القوات الاميركية. ووقعت هذه القوانين فريسة بين براثن الاقتتال الطائفي والعرقي الذي ابتليت به حكومة المالكي التي يهيمن عليها الشيعة والبرلمان العراقي. الا ان بعض الساسة يحذرون من ان مواصلة الضغوط الهائلة على المالكي من شأنها ان تقلل قدرته على الامساك بزمام السلطة. وابتليت حكومة المالكي هذا الشهر باستقالة ستة من اعضائها من التيار الموالي لرجل الدين الشيعي الشاب مقتدى الصدر المناهض للولايات المتحدة. وقال محمود عثمان نائب كردي ان الاميركيين في حاجة الى علامات محددة في هذا الشأن بسبب ضغوط الرأي العام الاميركي والكونغرس،"لكن اذا تدخلت بقدر أكبر ومارست درجة مكثفة من الضغوط فقد يجيء ذلك بنتائج عكسية وبعواقب سلبية". واضاف ان العراق"يسعى لاستعادة سيادته ولا يرضى بأن تقول له واشنطن افعل كذا وكذا، المالكي في حاجة لدعم واشنطن لكنه لا يرضى بأن يظهر امام شعبه بصورة من يتلقى الاوامر من الاميركيين بصورة علنية صريحة". وبعد مرور عشرة اسابيع على الحملة الامنية في بغداد، التي ينظر اليها باعتبارها الفرصة الاخيرة للحيلولة دون انزلاق العراق الى حرب اهلية، لا توجد بوادر تذكر على ان البرلمان العراقي سيُصدق على القوانين قبل العطلة التشريعية التي توافق تموز يوليو المقبل. الا ان ساسة عراقيين يشكون من ان السياسة الداخلية في الولاياتالمتحدة تملي على العراق مسألة تحقيق تقدم سياسي ويقولون ان الكثير من القوانين التي تريد واشنطن من البرلمان ان يمررها تواجه مشاعر عميقة من فقدان الثقة بين الشيعة والعرب السنة والاكراد. وقال حيدر عبادي نائب من حزب الدعوة الذي ينتمي اليه المالكي انه"اذا لم يحظ أي قانون بالموافقة فقد تحدث اثار عكسية وعلينا ان نفعل ما نريد لا ما تريده واشنطن". ومن بين الامثلة التي ساقها عبادي خطة لإتاحة الفرصة امام آلاف من الاعضاء السابقين بحزب البعث العراقي للعودة الى الحياة العامة. وتمثل هذه الخطة مطلباً قديما للشيعة الذين كانوا يهيمنون على الحياة السياسية، اما الآن فانهم يشكلون العمود الفقري للتمرد في البلاد. غير ان بعضاً من حلفاء المالكي من الشيعة ممن تعرضوا للاضطهاد ابان فترة حكم صدام يعارضون بشدة عودة السنة لتقلد مناصب في الحكومة وفي الجيش. وقال عبادي:"لا يمكننا ان نمرر قانوناً يمنح المعاشات للبعثيين السابقين فيما لا يتلقى اولئك ممن اضطهدوا في عهد صدام اي تعويضات. انها مشكلة عويصة". وصادف قانون آخر يقترح اقتسام الثروة النفطية للعراق عقبة كبيرة بعدما اعلن اقليم كردستان العراقي، الغني بالنفط، انه يعارض ضم الاقليم بوصفه خطوة غير دستورية وهدد بالمضي في اجراءات خاصة بكردستان. وقال بعض الساسة الآخرين ان الضغوط التي بدأت واشنطن تمارسها في الآونة الاخيرة كانت مجرد محاولة لتصحيح ما وصفت بأنها"أخطاء بوش"لا سيما حظر نشاط البعثيين والسعي لإجراء استفتاء العام 2005 على الدستور العراقي الجديد على رغم هواجس السنة العرب. وقال سليم الجبوري، المتحدث باسم جبهة التوافق العراقية جماعة سنية:"السؤال هل هو ان مجرد اقرار هذه المواضيع هو حل للمشاكل او انها محاولة لتلميع الصورة الاميركية في انها نجحت في هذه التجربة". وقال يوست هلترمان، الذي يعمل لدى المجموعة الدولية لمعالجة الازمات، ان لهفة واشنطن على تحقيق نتائج سريعة في العراق فضلاً عن نفاد صبرها يمليان دوما تحقيق تقدم في العراق وان على واشنطن ان تحقق توازنا دقيقاً بين الامرين. واضاف ان الجماعتين تعزفان عن تحقيق تسوية وليس بمقدور العراقيين التوصل الى اتفاق من تلقاء انفسهم الا ان مواصلة الضغط على المالكي قد ينفره ويضعف من حكومته ويغذي تمرداً ضد القوات الاميركية التي تعامل على انها قوات محتلة. وقال النائب الكردي عثمان:"لدينا ساعتان وبرنامجا عمل وشعبان". الاستماع الى تينيت وفي واشنطن دعا الديموقراطي هنري واكسمان رئيس لجنة الرقابة والاصلاح الحكومي في مجلس النواب المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية جورج تينيت للادلاء بشهادته عن ادعاءات قبل الحرب بأن العراق كان يسعى للحصول على اسلحة دمار شامل. وقال واكسمان، في رسالة وجهت الى روبرت بارنيت محامي تينيت، ان"الغرض من جلسة الاستماع هو معرفة وجهات نظره في شأن احد الادعاءات التي استغلت لتبرير الحرب في العراق وهي التأكيد بان العراق سعى لاستيراد يورانيوم من النيجر وقضايا متصلة بذلك". واستدعت اللجنة الاسبوع الماضي وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس للادلاء بشهادتها في شأن هذا الادعاء الذي انتهى الآن. وقالت الادارة انها قد تقاوم هذا الاستدعاء. وكان هذا الادعاء في شأن النيجر احد المبررات الرئيسية التي استخدمتها الادارة لغزو العراق. وقال منتقدون لاحقاً ان البيت الابيض لوى معلومات المخابرات لبناء التأييد للحرب وهو ما تنفيه الادارة.