بدت قرية بلعين الفلسطينية الشهيرة بتظاهراتها الاسبوعية ضد الجدار الاسرائيلي امس قرية عالمية وهي تستقبل عشرات الشخصيات من انحاء العالم لمناقشة تجربتها الفريدة في المقاومة الشعبية اللاعنفية لجدار الفصل الذي يمعن في تقطيع الاراضي الفلسطينية، اذ وفدت الى القرية شخصيات من مختلف الخلفيات والدول للبحث في التجربة النضالية السلمية الخاصة بهذه القرية الصغيرة 1500 نسمة في منطقة متفجرة بكل انواع العنف. ومن هؤلاء لويزا مورغنتيني نائب رئيس البرلمان الاوروبي والايرلندية ميرياد مكغوري صاحبة نوبل للسلام عام 1976، والاسرائيلي اوري افنيري وغيرهم. واحتلت بلعين مكانا خاصا في الوعي العالمي بتجربتها في تنظيم تظاهرة شعبية لاعنفية أسبوعية بمشاركة ناشطي سلام من انحاء العالم، بمن فيهم ناشطو سلام اسرائيليون. وبدأت القرية بتنظيم هذه التظاهرات التي يشترط في المشاركين فيها عدم استخدام العنف، منذ عامين ونصف عام بعد شروع اسرائيل في تجريف ارضها واقتلاع زيتونها لاقامة الجدار الذي يعزل خلفه عشرة في المئة من اراضي الضفة. وتحمل كل تظاهرة من تظاهرات هذه القرية رموزا للنضال السلمي تختلف عن سابقاتها بغرض مفاجأة الجنود بشيء لم يعتادوه من قبل، فالمسيرة الأولى على سبيل المثال، اقتصرت على النساء وهدفت الى توجيه رسالة للجنود الاسرائيليين المدججين بالسلاح مفادها أننا قادمون للاحتجاج وليس القتال، حسب ما يقول عبدالله أبو رحمة الذي يحمل شهادة الماجستير ويعمل مدرساً. أما المسيرة الثانية، فاقتصرت على الأطفال، وعندما بدأت قوات الاحتلال باقتلاع أشجار الزيتون، لجأ أهالي القرية إلى وسيلة تعبر عن مدى تمسكهم بزيتونهم الذي يزيد عمر البعض منه على مئة عام، وهي ربط أنفسهم بالأشجار المعرضة للاقتلاع. وفي المسيرة التالية، قيد الأهالي والمتظاهرون الأجانب والإسرائيليون أنفسهم في براميل تغلق من الداخل ولا تظهر سوى رأس المعتصم، وربطت بأشجار الزيتون، وهكذا... وألهمت تجربة بلعين المشاركين في المؤتمر العالمي ضد الجدار امس لتقديم اقتراحات جديدة للتضامن العالمي مع الفلسطينيين، مثل المقاطعة الاقتصادية والثقافية، وتوظيف الاعلام في فضح الممارسات الاسرائيلية. وقالت مورغنتيني:"العالم الغربي يشعر بالعار لتواصل بناء الجدار"، مضيفة:"تجربة بلعين تؤكد نجاح المقاومة الشعبية اللاعنفية". واشارت الى ان حضور المئات من ناشطي السلام من دول العالم وناشطي سلام إسرائيليين وفلسطينيين في المؤتمر، يشكل دليلا على ذلك. وفي ورقة بعنوان"اللاعنف- الطريق نحو العائلة الإنسانية"، قالت الناشطة الدولية ميرياد مكغوري ان مطالب الشعب الفلسطيني عادلة فعلا، والعالم بدأ يقتنع بها ويعلم عنها الكثير في السنوات الأخيرة بفعل العمل الإعلامي والوجود الدولي الكثيف في الأراضي الفلسطينية. وأضافت:"السلام ممكن، لكنه بحاجة إلى قيادات شجاعة قادرة على تحقيقه، لذا يتوجب على القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية العمل من أجل تحقيق السلام، كما حدث في كثير من دول العالم كإيرلندا وجنوب أفريقيا وغيرها". وقال وزير الخارجية الفلسطيني السابق ناصر القدوة الذي مثّل الرئيس محمود عباس في المؤتمر إن جدار الفصل العنصري الذي تقيمه إسرائيل، يوجه ضربة قاصمة لإمكان تحقيق السلام في الشرق الأوسط ولحل الدولتين. واضاف:"الجدار يدمر حاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني، وعلى الجميع مقاومته"، موجهاً التحية إلى أهالي بلعين الذين يقفون في مقدمة مقاوميه"إذ شكلت تجربتهم نموذجاً جديداً، نموذجا فاعلاً جداً". ويقول القائمون على تجربة بلعين ان الوسائل السلمية تحقق نتائج أفضل بخسائر اقل، مشيرين الى العدد الكبير من الشهداء والاسرى والحجم الكبير من الدمار الذي لحق بالفلسطينيين في تجربة الانتفاضة الاخيرة. وقال عبدالله أبو رحمة:"لقد جذبت لنا هذه المسيرات أعداداً كبيرة من المتضامنين الإسرائيليين والأجانب وسلطت الأضواء الإعلامية على ما نقوم به وما نتعرض له، وحدت من قدرة جيش الاحتلال على القتل والقمع". ويبدي الجيش الاسرائيلي حذرا شديدا في اطلاق النار على متظاهري بلعين خشية ايقاع ضحايا بين اليهود المشاركين في هذه التظاهرات، وهو ما لا يفعله في التظاهرات الاخرى التي يقتصر مشاركوها على الفلسطينيين.