تستضيفه السعودية وينطلق اليوم.. وزراء الأمن السيبراني العرب يناقشون الإستراتيجية والتمارين المشتركة    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    البرهان يستقبل نائب وزير الخارجية    كاساس: دفاع اليمن صعب المباراة    قدام.. كلنا معاك يا «الأخضر»    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة    جواز السفر السعودي.. تطورات ومراحل تاريخية    حوار «بين ثقافتين» يستعرض إبداعات سعودية عراقية    5 منعطفات مؤثرة في مسيرة «الطفل المعجزة» ذي ال 64 عاماً    التحذير من منتحلي المؤسسات الخيرية    لمن القرن ال21.. أمريكا أم الصين؟    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    استشهاد العشرات في غزة.. قوات الاحتلال تستهدف المستشفيات والمنازل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مترو الرياض    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    القصيم تحقق توطين 80% من وظائف قطاع تقنية المعلومات    المدينة المنورة: وجهة استثمارية رائدة تشهد نمواً متسارعاً    مشاهدة المباريات ضمن فعاليات شتاء طنطورة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    الأمير فيصل بن سلمان يوجه بإطلاق اسم «عبد الله النعيم» على القاعة الثقافية بمكتبة الملك فهد    جمعية المودة تُطلق استراتيجية 2030 وخطة تنفيذية تُبرز تجربة الأسرة السعودية    نائب أمير الشرقية يفتتح المبنى الجديد لبلدية القطيف ويقيم مأدبة غداء لأهالي المحافظة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    المملكة ترحب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن فلسطين    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو منظور جديد لعلم الآثار
نشر في الحياة يوم 14 - 04 - 2007

نشأ علم الآثار في أوروبا نتيجة الاهتمام بمخلفات الإنسان المادية، وكان أبرز حدث ارتبط بهذه النشأة قيام عائلة ميديتشي في إيطاليا بعرض ما لديها من تحف وأعمال فنية في بهو ملحق بقصرها في مدينة فلورنسا. وتتابعت بعد ذلك هذه الأجنحة حتى أضحت القصور تشكل المتاحف الكبرى مثل متحف اللوفر بباريس.
وأخذ الولع بالحضارات القديمة ومخلفاتها يزداد يوماً بعد يوم في أوروبا، حتى أخذ علم الآثار شكلاً جديداً، أحدث انقلاباً في معرفة الإنسان بتاريخه وتطوره، مما أدى إلى اكتشاف حضارات ومدنيات سبقت حضارة الرومان ومدنيتهم بعشرات القرون، الأمر الذي أدى إلى تغير آراء مؤرخي الحضارات والذين كانوا يحصرون أصول المدنية البشرية وجذورها في تراث اليونان وحضارتهم.
صاحب هذه المرحلة اكتشاف مدينتي هركولانيوم وبومبي اللتين دمرهما بركان فيزوف الشهير، وما صاحب حملة نابليون من علماء سجلوا آثار مصر الفرعونية والإسلامية في كتاب وصف مصر، وهو الأمر الذي أثار اهتمام الأوروبيين بحضارات مصر والشرق الأدنى القديمة.
فضلاً عن قيام اللورد انجن بفك قسم كبير من منحوتات البارثنون ونقلها إلى المتحف البريطاني في لندن حيث عرضت فيه اعتباراً من عام 1816. ومن هنا يسجل العلماء من خلال هذه الأحداث المتتالية مولد علم الآثار.
وامتد هذا العلم بعد ذلك وأصبحت له قواعده، ولم يعد شيئاً فردياً يختص به الأفراد فقط، بل أصبحت له هيئات منظمة من الأكاديميات والمعاهد والجامعات مما أحدث منافسة مستمرة بين هذه الهيئات العلمية أدت بالضرورة إلى ارتفاع مستوى العلم وتعدد علمائه ومتخصصيه وانتشاره.
وتعددت تعريفات علم الآثار غير أن أكثرها شمولاً هو التعريف التالي:"علم الآثار علم التحري عن الأصول المادية لحضارة الإنسان، ومن ثم فهو علم الوفاء للقديم والحرص على تتبع مسيرة التطور التي سلكتها الحضارة البشرية في عصورها الماضية من طريق استقراء الشواهد المادية من تراث هذه العصور واستخلاص القيم الثقافية والعلمية والجمالية من كل ما أبدعته قرائح الإنسان وأحاسيسه وعلومه، ومن كل ما شكلته يده وآلاته تجسيداً لمعتقداته وفنونه في مختلف مناحيها الثابتة والمنقولة. وهو كذلك العلم الذي يدرس الآثار لذاتها ولخلفياتها لأنها في مفهومها ليست أطوالاً وعروضاً ورسوماً وأشكالاً وبساطة وجمالاً فقط، وإنما هي وقائع ملموسة تتحدث بلسان أهلها وزمانها إيجاباً وسلباً، ولا تنفصل عن كيانهم في الزمان والمكان والتأمل والخيال ولو كانت آثاراً ساذجة غير مكتوبة".
وهذا العلم يهتم بالمادة أولاً، المادة المحسوسة وما خلفها من ثقافات، لذا كان لمنهج البحث عن المادة أثر فيه، فاعتبر وصف الأثر أهم من مضمونه، ونال منهج الفن للفن منه، حيث البحث عن جماليات الأثر، دون البحث عن الفلسفة التي صاغت هذه الجماليات. وأثرت مناهج العلوم الغربية فيه بشده. ووقفنا نحن عاجزين، مقلدين لهذه المناهج غير مبتكرين، وساعد على ذلك أن المجتمع انقسم إلى قسمين، قسم يرى في الآثار تلك النظرة التقليدية التي ترى إهمال آثار السابقين وهدم ما يتنافى منها مع بعض القواعد الشرعية كالتماثيل والصور والمعابد. ولكن هؤلاء لم يقدموا لنا إجابة قانعة هل نعامل آثار حضارات المسلمين المعاملة نفسه؟! أم أن لها وضعاً خاصاً لم يتعرض له الفقهاء السابقون لكون عصورهم لم تنظر إلى هذا الأمر؟
والقسم الآخر اتخذ المنهج الغربي في دراسة الآثار والنظر إليها فعظَّمها ومجَّدها من دون أن ينتقد الانحراف العقائدي لدى الأمم السابقة، ومن دون أن يأخذ باعتباره أن هذا العلم من العلوم الإنسانية التي يجب أن يكون لنا فيها منهج يستمد ركائزه من تراثنا الحضاري. وبين هؤلاء وهؤلاء وقف العديد من الباحثين والمثقفين حائرين إلى أي الفريقين يكون الاتجاه. وفي الأسطر التالية سنسطر محاولة للوصول إلى رؤية أخرى للتعامل مع هذا العلم.
نشأة الكون
حفلت الدراسات الأثرية بالكثير من الرؤى لنشأة الكون وأسبابه، وهذه النظرة لم تكن في بعض الأحيان سوى نظرة تسجيلية، دونما تدخل، وهذه الرؤى بعضها يتفق مع ما ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية حول نشأة الكون، وحول وجود إله واحد ذي قدرة خارقة.
فتصف النصوص المصرية القديمة إله الكون كما يلي:"خلق هذا الإله نفسه بنفسه، شكل نفسه بنفسه من دون أب أو أم"، ولم يوصف إله الكون بأنه مذكر أو مؤنث، ووصف بأنه الواحد والأحد ونشأ في كون قبل كل شيء". أليست هذه الصفات تذكرنا بسورة الإخلاص"قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد"، إن هذه النقطة في حاجة إلى مزيد من البحث والدراسة، ولكن إثبات صحة أن المصريين القدماء والعراقيين القدماء كانوا يرون للكون إلها خلقه، له صفات محددة لن تحتاج إلى بحث إذ هي واضحة تماماً. ولكن البحث سيتركز على تلخيص الدراسات الأثرية من الانحرافات العقائدية التي شابت الديانات القديمة.
وننتقل من ذلك إلى نقطة أخرى وهي إيمان المصريين القدماء بإله واحد، فالتوحيد عرف في مصر منذ عصور ما قبل التاريخ، وأثبتته الدراسات الآثارية الحديثة، إذ ظهر مصطلح الرب، وهذا الرب له صفات منها، أنه الخفي، الوحيد، العظيم الكبير، الرفيع، وهي صفات تشير إلى الوحدانية.
وتشير الكثير من الدلائل الأثرية إلى معرفة قدماء المصريين للتوحيد في عصر الدولة القديمة، ولكن يبدو أن المصريين حرفوا الديانة السماوية الأولى التي كان يؤمن بها أبو البشر آدم، فلم يكتفوا باسم واحد للخالق، ولم ينزهوه تماماً عن التشبيه، ولم ينكروا تعدد المعبودات إلى جانبه.
وعلى ذلك لم يكن ما دعا إليه اخناتون من توحيد قادماً من فراغ هو مبتدعه، بل قائماً على أصول. ولكن يبقى الفرق بين ما نطرحه من خلال هذه الدراسة وبين رؤية الآخرين لهذه النصوص، هو التفسير وفق المنظور والرؤية. فهم يرون ويحملون النصوص الواضحة والصريحة في هذا الشأن ما لم تقله وما لا تحتمله. فالأصل عندهم هو تعدد الآلهة الذي نشأ منه بعد ذلك فكرة التوحيد عند المصريين القدماء. على العكس مما نراه لأننا نؤمن بالواحد القهار. وهم لا يرونه ولا يؤمنون به، وهذه هي رؤية علماء المصريات من الغربيين بصفة خاصة.
الإنسان
ظهر من الإنسان أربعة أنواع بادت ثلاثة منها، وهي نوع"القرد البشري"ونوع الإنسان القرد المنتصب القامة، والمتمثل في ما يعرف بإنسان جاوة وإنسان الصين الذي عاش قبل 500000 سنة، ونوع إنسان نياندرتال الذي عاش في الفترة ما بين 35000 و120000 سنة مضت. أما النوع الرابع فهو الإنسان العاقل الذي يعمر الكرة الأرضية الآن. هذه نظرية علمية طرحت من خلال علم آثار ما قبل التاريخ.
علماً أن هذه نظريات غير قاطعة. لأن إنسان هذه العصور لم تصلنا منه سوى بقايا عظمية لا تنبئ إلا عن وجوده فقط على الأرض. والبحث العلمي هنا هو المحك الخاص بها.
ومن الأمور اللافتة للنظر أن الأوربيين لم يروا في الإنسان المعاصر في أوروبا محور الحضارة المعاصرة فقط بل رأوه أيضاً محور حضارات ما قبل التاريخ فجعلوا منشأ الفنون البدائية في أوروبا وقارنوا ما عاصرها من فنون، بها، على أنها الأصل، علماً أن الاكتشافات الأثرية الحديثة والقديمة تثبت أن الإنسان عاش في مناطق الحضارات القديمة قبل سكناه لأوروبا.
وعصور ما قبل الكتابة كما نسميها هي عصور صامتة، اعتمد فيها الإنسان على نقل الرواية التاريخية مشافهة، وبذلك لعبت الذاكرة دوراً محورياً في حياة إنسان تلك العصور، ولكن بدءاً من معرفة الإنسان الكتابة وصلتنا سجلات مادية ملموسة نستطيع من خلالها أن نؤرخ له.
العربية أصل اللغات
يميل علماء الآثار إلى القول إن الإنسان اكتسب اللغة من خلال محاكاة الأصوات التي تصدر من الحيوان والرياح وغيرها، كما تفعل الببغاء التي هي دون الإنسان في الإدراك.
وهذا عكس ما نؤمن به، فاللغة العربية ليست من اللغات التي نشأت من اختلاط الإنسان بالمحيط الذي يعيش فيه، فهي ليست مأخوذة من أصوات الحيوانات والعالم المحيط المتحرك حوله، لأنها لغة الله، وهي من مصدر أصلي لا ريب فيه، وغير مقتبسة من لغات أخرى ولا من محاكاة الأصوات الصادرة من حيوان أو إنسان أو رياح أو غيرها، بل هي لغة قائمة بذاتها، علمها الله لآدم عليه السلام"وعلم آدم الأسماء كلها"البقرة، الآية 31. وهي أولى اللغات وأولها استعمالاً على وجه البسيطة، ثم انتشرت مع نزول آدم وحواء من الجنة في عرفة، وهي ليست من اللغات المسماة السامية لآن آدم مقدم على سام في الوجود.
والقول باللغات السامية أمر غير ذي صحة، إذ إن هذه اللغات خرجت من الجزيرة العربية مع هجرة قبائلها إلى العراق والشام. ولذا أجمع العديد من الباحثين على تسميتها الجزرية، وليست السامية. وهذه اللغات هي: الأكادية والبابلية والآشورية والآرامية وغيرها. ذات أصل واحد هو العربية. ويتجلى التقارب بينها في جوانب أساسية هي:
1- اعتمادها بصورة أساسية على الحروف الصحيحة Consonants وليس على حروف العلة Vowels كما هو الحال في اللغات الآرية. ثم إن فيها حروفاً صحيحة إضافية غير موجودة في اللغات الآرية كالحرف اللهوي ط والحنكي ق والسني الصافر ص والحلقي خ.
2- إن الغالبية العظمى من الكلمات بها مشتقة من أفعال ذات جذور ثلاثية.
3- وجود جنسين فقط هما المذكر والمؤنث. وعدم وجود ما يعرف بلا مؤنث ولا مذكر.
4- وجود مجموعة كبيرة من المفردات في هذه اللغات تتطابق لفظاً ومعنى.
كان النمسوي شلوتسر أطلق على هذه اللغات"السامية"متجاهلاً أنها خرجت من الجزيرة العربية وأن العامل الجغرافي تنسب إليه اللغات كاللغة البابلية والسومرية نسبة إلى أرض سومر. فضلاً عن أن هؤلاء القوم لا يوجد تطابق خصائص وملامح بينهم، وهو أمر يراه شلوتسر بين الساميين، إذ يذهب بعد ذلك إلى قضية نقاء العنصر ومعاداة السامية بطريقة غير مباشرة. والحديث عن أصل مشترك للساميين على النحو الذي جاء في التوراة لا يقوم على أساس تاريخي، فقائمة النسب التوراتية لا تتفق مع الحقائق التاريخية. وأصبح في حكم المؤكد لدى العديد من الأثريين أن اللغات الموجودة في بلاد الرافدين والشام والحبشة واليمن والجزيرة العربية خرجت من أصل واحد أراه العربية، وأن القول بلغات سامية أصبح واهياً ولا دليل عليه.
وأصبح من المؤكد أن اللغة المصرية والكوشية اللغات السودانية والبربرية ذات أصل واحد. وأنها هي واللغات الجزرية مشتقة من لغة مشتركة. هذا ما يتحدث عنه بعض الأثريين من دون توضيح ومن دون نشر مفصل لهذه القضية. واللغة المشتركة هي اللغة العربية، إذ بين اللغة العربية وبين لغة قدماء المصريين سمات مشتركة، بل إن الأمر وصل إلى وحدة قواعد النحو بينهما.
أليس كل هذا كافياً لأن نصحح الخطأ الشائع أو الأخطاء الشائعة ونعود إلى القول إن أصل اللغات هي العربية، وأن اللغات القديمة تشعبت منها. أليس الدليل الأثري كافياً لدحض الافتراءات حول هذه القضية. خصوصاً أنه دليل مادي يشاهد بالعين وبالتالي لا يقبل الجدال حوله.
ولكن، ما الأهداف التي نسعى إليها من إعادة النظر في المنهج الحالي لعلم الآثار في البلاد الإسلامية؟ هناك أهداف عدة ومتشعبة ولكن نستطيع أن ننتقي بعضها لنتحدث عنها بإيجاز إذ إن الحديث عنها يحتاج إلى مساحة أكبر من المساحة المطروحة حالياً.
أول هذه الأهداف العظة والعبرة، وهما أمران شدد عليهما الإسلام، إذ أن تمجيد آثار الأولين أمر غير شرعي. ولقد حث الإسلام على الاتعاظ من حال الأولين"قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين"سورة النمل، الآية 69، وهذا التأمل في آثار السابقين ينتج عنه اتعاظ يتحول إلى سلوك ونهج علمي في واقع ملتزم بأمر الله ونهيه. وهذا أمر بالسياحة في الأرض. لمزيد من الاتعاظ.
ولو أدركنا ما حولنا من آثار لعرفنا أن حولنا آيات، يقول الله تعالى في سورة ق:"أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد"الآية 15. وهذه الآية تحققت في مصر. إذ حدث زلزال بها في أوائل القرن السابع الميلادي، قبل الفتح الإسلامي بسنوات، دمر أجزاء كبيرة من دلتا النيل وقراها، وما زالت شواهد هذا الزلزال باقية في مطوبس وسيدي سالم وفوه ودمنهور وابطو وتل بسطا، تلال أثرية عبارة عن مدن وقرى مدمرة. هذا الزلزال أدى إلى تناقص سكان مصر بشدة خاصة في شمال الدلتا حيث تتركز العناصر اليونانية والرومانية المحتلة وكأن الله تعالى يمهد أرض مصر للفاتحين. وهذا يفسر سهولة فتح الدلتا عند فتح عمرو بن العاص مصر.
والهدف الآخر توظيف علم الآثار في مجال علم مقارنة الأديان للوصول إلى هدفين أن أصل الأديان واحد. وأن الأديان الوثنية ديانات محرفة. وأن الديانات السماوية حرفت وتأثرت بالديانات الوثنية. والشواهد الأثرية على ذلك عدة، فتوراة موسى كتبت باللغة المصرية القديمة ولم تكتب بالعبرية. فأين التوراة الأصلية؟!.
اهتم الغرب بتوظيف التراث في خدمة أهدافه التربوية، ولذا نشأ عندهم ما يسمى"التربية المتحفية"نجهله نحن لجهلنا، بل نفاجأ برجال وشباب ما يعرف بالصحوة الإسلامية، يرون أن لا توجد فائدة مرجوة من الحفاظ على التراث المعماري الإسلامي والمتاحف الإسلامية، ونسوا أنه يمكن أن نستفيد منها في صوغ الطفل المسلم كما يفعل الغرب.، فزيارة الطفل والشاب المسلم لمنازل رشيد أو جدة أو فاس مثلاً والتي يوضح تخطيطها وعناصرها مدى احترام أجدادنا لخصوصية المنزل، والتي صيغت وفقاً لتعاليم الدين الإسلامي، واحترامهم لحقوق الجار، أليس لهذا وقع طيب في نفوسهم، وزيارتهم لقلعة حربية كقلعة حلب، توضح مدى الجهد الذي بذله أجدادنا في الدفاع عن ديار الإسلام، ونربطهم من خلال الأحداث التاريخية التي وقعت حول هذه القلعة بتاريخهم مما يثبت لديهم المعلومة التاريخية الصحيحة، وزيارتهم لبيمارستان مستشفى إسلامي كالبيمارستان النوري بدمشق مصحوبة بشرح وافٍ عن دور الأطباء المسلمين به والخدمات التي يقدمها للمرضى. أليس في ذلك تحبيب لهم في الطب ودور المسلمين الحضاري فيه. وزيارتهم للوكالات التجارية كوكالة الغوري في القاهرة، تبين لهم كيف أنها خططت ليكون فيها مخازن في الدور الأرضي ومسجد ومساكن للتجار في الأدوار العلوية. كل هذا يوضح لهم أيضاً أن الفندقة وعلوم الضيافة كان المسلمون سباقين فيهما، وزيارتهم للرباع وتوضيح أنها كانت مجمعات سكنية لفقراء المسلمين وأنه كان أسفلها سوق تجاري كبير، يبين لهم أن فكرة المجمعات السكنية التجارية التي يسكنها الأغنياء اليوم، فكرة إسلامية اقتبسها المعماري الغربي من المسلمين، وزيارتهم للمدارس الإسلامية كالمدرسة المستنصرية ببغداد، ومدرسة السلطان حسن في القاهرة، تجعلهم يوقنون أن الجامعات فكرة نقلت عن الحضارة الإسلامية إلى الغرب. فقد كانت كل مدرسة تضم مناهج لتدريس الفلك والطب والحساب والعلوم الدينية، وزيارتهم لمتحف إسلامي ولقسم العملات مثلاً، ومشاهدتهم لدنانير عبدالملك بن مروان تبين لهم الجهد الذي بذله هذا الخليفة لبناء دولة مسلمة مستقلة اقتصادياً عن الدولة البيزنطية.
إن هذا كله يقودنا إلى أهمية إدخال التربية المتحفية في الدراسات التاريخية بمدارسنا، بل وربطها بمناهج المواد العلمية كالرياضيات والعلوم وغيرها.
وهناك كارثة نعيش فيها منذ القرن الماضي وهي انفصام الدراسات المتعلقة بالتراث المعماري الإسلامي عن مضمونه. فالدراسات الآثارية وكذلك الهندسية بكليات الهندسة تدرس هذا التراث من خلال منهجين الأول وصفي يهتم بوصف الشكل المعماري للأثر، وكأنه وحدة قائمة بذاته، لا رابط بينه وبين ثقافة المجتمع، ولا بينه وبين المنشآت المحيطة به، ولا بينه وبين روح العصر. فكان هذا الأثر وحده يخضع للبحث الأثري المادي الجاف.
والمنهج الآخر هو منهج التأصيل المعماري لكل عنصر زخرفي إسلامي حتى يذهب به المؤصل إلى جذور فرعونية أو يونانية بهدف تجريد المسلمين من كل إبداع فني خاص بهم. وللأسف الشديد جرى كثيرون من الأثريين المسلمين خلف هذا المنهج دون وعي منهم.
ونشأ عن هذا كله النظر إلى العمارة الإسلامية بصورة شكلية لدى المهندسين المعماريين. فصار لديهم مفهوم العمارة ينحصر في مشربية على واجهة العمارة أو طبق نجمي على باب المنزل أو مقرنص يستخدم كحلية في الواجهة. فهم معذورون لأنهم لم يدرسوا العمارة الإسلامية من خلال فقه العمارة الذي صاغها، وجعل لها قوانين التزم بها كل مسلم ولم تلزمه بها السلطات. ولم يعرفوا أن وراء فقه العمارة منظومة متكاملة من القيم ورؤية حضارية لوجود الإنسان في هذا الكون.
وبعد، هذه محاولة لوضع منظور أو رؤية إسلامية لعلم الآثار، وهي مشروع لكتاب أعده اشمل وبه نقاط تفصيلية أكثر. ولذا فالأمر يحتاج إلى سنوات أخرى من البحث. ويحتاج إلى رأي آخرين فيه سواء أكان نقداً أو تمحيصاً أو إضافة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.