كانت القمة العربية بالرياض منعطفاً. وقد يحلو لبعضهم الزعم ان القادة العرب لم يخرجوا بشيء جديد في قمتهم متذرعين بأن المبادرة العربية التي طرحها العاهل السعودي سبق إقرارها في 2002 بقمة بيروت. ولكن الحق ان ثمة ما لا يستقيم تجاهله. فالقادة العرب رسموا ببيروت رؤية تثبت استعدادهم للسلام على أساس مبدأ"الأرض مقابل السلام". وهم، اليوم، يرسون قاعدة عملية وأساساً لصنع هذا السلام. وبعدما اشترطت المبادرة، في شكلها الأول، انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة في 1967، تتناول صيغتها الحالية قيام دولة فلسطينية على هذه الأراضي، وصوغ حل عادل لمشكلة اللاجئين. وهذه مسألة بالغة الأهمية. فالقادة العرب رسموا إطاراً لحل مشكلة اللاجئين يشق الطريق إلى تسوية لهذه المأساة المؤلمة، والقوية الوطأة على العرب. فهل يمكن التفريق بين حق العودة، وهو حق أساسي تكفله الشرائع والأعراف الدولية، ومسألة العمل بهذا الحق وتطبيقه؟ فأنا سمعت كثيرين من القادة الفلسطينيين يقولون ان قسماً كبيراً من اللاجئين يفضل الحصول على تعويضات، والبقاء حيث يقيمون. وأما سكان المخيمات الذي ظلموا زمناً طويلاً، ولم يحصلوا على مكان يفيئون إليه، فسداد تعويض سخي لهم يساعدهم على حل مشكلاتهم، ويبعث املاً في حياة كريمة. وقد يقدم كثيرون منهم هذا الحل على الدخول في مجهول. وثمة فكرة عودة الراغبين في العودة الى الدولة الفلسطينية الآتية، وهذا كله، وسيناريوات مختلفة غيره، لا يستحيل التداول فيها على طاولة المفاوضات، والتماس خير الحلول لها. والقادة العرب تبنوا مبادرة السلام الجديدة بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية وترفض القيادة الإسرائيلية التعامل مع هذه الحكومة، متذرعة بضمها ممثلين عن"حماس"، لا يعترفون بإسرائيل، ويفاوضون المسؤولين الإسرائيليين في آن. وتتجاهل الحكومة الإسرائيلية عمداً دلالة حضور رئيس الحكومة، اسماعيل هنية، ومشاركته في مداولات المؤتمر. فالحضور والمشاركة معناهما موافقته على المبادرة العربية. فكيف تعاملت إسرائيل مع الأمر؟ وصف ايهود اولمرت هنية بپ"الإرهابي"، وأعلن انه لن يوقع قراراً يؤدي الى عودة لاجئ واحد! والحق ان في إسرائيل يتعاظم عدد الذين يرون ضرورة تقدير الوضع تقديراً واقعياً. والوضع الدولي تغير كثيراً. وتلك الخطط البديلة التي كانت إسرائيل تراها قابلة للتنفيذ لم تعد قائمة، مثل نقل الضفة الغربية الى الأردن، أو غزة إلى مصر. وقد علمت مصادر رفيعة مهمة ان اولمرت طلب من الملك الأردني، عبدالله الثاني، مناقشة الملف هذا. فرفض العاهل الأردني رفضاً قاطعاً. وجلي ان الحل الوحيد للمشكلات المستعصية هو إقامة الدولة الفلسطينية التي أقرتها الشرعية الدولية منذ 1947. والقادة العرب يقترحون إقامة هذه الدولة على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في 1967، ولا يدعون إسرائيل إلى الانسحاب إلى الخطوط التي كانت قائمة قبل الحرب الفلسطينية الأولى في 1948. وموقف"حماس"إسهام جديد. فهي أعلنت التزامها الإطار هذا، وإطار الدولة الفلسطينية في حدود 5 حزيران 1967. وأود ان أقول، ختاماً، ما قد يبدو مفاجئاً. فأنا آسف لأن من يرئس حكومة إسرائيل اليوم ليس ارييل شارون. فهو كان، من دون شك، سياسياً قوياً، وقادراً على بت قرارات حاسمة، وتنفيذها مثلما فعل عندما أجلى المستوطنات عن قطاع غزة. وكان شارون ليمضي في تنفيذ سياسته، ولا يخاف احداً، ولا يخشى مفاجآت من اليمين طبعاً، لم يكن ثمة احد الى يمينه. ولا ريب في ان سياسياً مثل شارون كان يسعه انتهاز اللحظة المناسبة الآن للتقدم على طريق السلام. عن يفغيني بريماكوف رئيس الوزراء الروسي سابقاً "موسكوفسكي نوفوستي"، 6 / 4 / 2007