وصلت نائلة معوّض عام 1991 إلى المجلس النيابي اللبناني ب "الثوب الأسود"، بعد اغتيال زوجها الرئيس رينيه معوّض. وكان همّها الأول إكمال المسيرة قبل أي شيء آخر. ناضلت من أجل الحفاظ على مقعدها ومكانتها السياسية. ومن بداياتها، تذكر إصرار إحدى الصحف المحلية على اعتماد"النائب المعينة"لقباً لها. وهذا من أكثر الأمور التي أزعجتها في تلك الفترة،"فتعيين نائب يتعارض مع الحياة الديموقراطية... ولكن الظروف حكمت!". تفضّل معوّض اعتماد تسمية"السيدة النائب"، لتلافي الإشكالية اللغوية من تأنيث كلمة نائب ودلالتها القديمة، ولأن "النائب" بالنسبة إليها هو وظيفة. لا تنكر معوّض أن الصعوبات التي تعترض مسيرة المرأة في الحياة السياسية كثيرة، وتقول مبتسمة:"حتى يوم أخطئ في موقف ما، يُقال: فعلت ذلك لأنها امرأة. ولكن إذا أخطأ أحدهم في موقف مشابه، يُقال: فلان أخطأ، من دون ذِكر أنه رجل". تشغل معوّض اليوم منصب وزيرة الشؤون الاجتماعية. وإجاباتها السياسية جاهزة، حتى في المقابلات غير السياسية، التي تتجنّب إجراءها، فهي ترى في الحياة السياسية السليمة مدخلاً إلى إصلاح أي خلل في المجتمع. وتعتبر أن نقطة ضعف المرأة اللبنانية، تكمن في عدم تشكيلها قوة ضاغطة للمطالبة بحقوقها. وترفض أي تكتلات منفصلة تستفرد بقضايا المرأة، وتصنّفها نقطة ضعف في مسيرة تحقيق المطالب. في يوم المرأة العالمي، تأمل المرشحة الوحيدة إلى رئاسة الجمهورية، بين عدد غير قليل من الرجال، أن يُصار إلى وضع قانون موحّد للأحوال الشخصية في لبنان، يحد من الظلم الذي تتعرّض له المرأة اللبنانية. بداية، ماذا يعني لك الثامن من آذار مارس، علماً أن هذا التاريخ، على الصعيد اللبناني الداخلي يحمل الكثير من الدلالات؟ - الثامن من آذار مارس، بالنسبة إلي أول انفصال بعنوان طائفي لعملية نضال استقلالي وسيادي في البلد. نضال تجلّى في صورة شراكة لبنانية فعلية بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري، وكان نقطة التحرك في وجه الدفاع عن الحريات مع صور السابع من آب أغسطس 2001، وازدياد عدد المعتقلين في السجون السورية، والخطر المحدق بكل من يُعارض السياسة السورية لا سيما أعضاء قرنة شهوان في ذلك الحين. 8 آذار أتى ليكون أول إسفين في الوحدة اللبنانية التي برزت في تشييع الرئيس الحريري. يبدو أنكِ، وفي ظل هذه المقدمة السياسية التي وضعتها، نسيتي أن 8 آذار هو أيضاً يوم المرأة العالمي، موضوع مقابلتنا؟ - تضحك بعد أن تطلق آهاً طويلة. تصمت. تسترجع أفكارها من دون أدنى شك، أن صورة 8 آذار السياسية، طغت على يوم المرأة العالمي. منذ أيام الرئيس الراحل رينيه معوّض، أي قبل دخولي المعترك السياسي، عملت على تشجيع الحركات النسائية لقناعة شخصية، ولأن لا وجود لديموقراطية حقيقة في لبنان من دون مشاركة المرأة، كما أنه يصعب تطوير المجتمع من دون تطوير دور المرأة. والحقيقة أن دور المرأة أساسي، ابتداء من دورها في تربية الاسرة. فالأسرة هي الخلية الأولى والأساسية في المجتمع، وتمكين المرأة والنهوض بها يؤديان من دون أدنى شك إلى النهوض بالمجتمع ككل. كإمرأة، وامرأة تُعنى في الشأن العام، ماذا يعني لكِ يوم المرأة العالمي؟ - بعد الشوط الذي قطعته المرأة لا سيما في العالم الغربي، وتقدم المرأة في لبنان، لا أعلق أهمية كبيرة على هذا اليوم. وأنا بطبعي لا أحبذ الاشياء والتسميات الانفصالية. والكلام عن"يوم المرأة العالمي"يُشعرني وكأننا في حاجة لمثل هذا اليوم لنتذكر أن هناك نساء في العالم. أنا مع المؤتمرات التي تُعنى بحقوق المرأة، وتُطالب بها، لكن يوماً عالمياً للمرأة لا يعني لي شخصياً أي شيء. من موقعك كوزيرة للشؤون الاجتماعية، كيف تصنفين وضع المرأة اللبنانية؟ - من خلال عملي كنائبة استطعت لمس الاجحاف بحق المرأة اللبنانية، أكثر من موقعي كوزيرة، علماً أن جميع الدراسات التي قمنا بها في الوزارة تؤكد أن المرأة، وبشكل خاص ربات المنازل، يدخلن ضمن الفئات التي تحتاج لشبكات أمان، مثل فئات المعوقين والأطفال والمسنين. والفقر الذي تعانيه النساء في لبنان، هو ما أدخلهن ضمن هذه الفئات، لا سيما أن الأسرة التي تترأسها امرأة هامش الفقر فيها أوسع مما هو في عائلة يترأسها رجل. وذلك لأسباب أهمها منع الفتاة من حق التعلم، وتربيتها على أساس تحضيرها للزواج، وأن تكون خاضعة لإرادة الرجل، من دون الاعتراف بها كشريك حقيقي في المجتمع، فضلاً عن العادات الاجتماعية التي تقيّد المرأة المطلقة أو الأرملة وتشكك بكونها على مستوى المسؤولية. ما أهمية وصول المرأة الى مناصب القرار؟ - منذ أوائل القرن العشرين والمرأة اللبنانية نشيطة جداً على صعد كثيرة. من هنا، كان الاستغراب لغيابها عن الساحة السياسية. وخوض المرأة المعترك السياسي من بديهيات الديموقراطية، ودليل واضح على أن لا وظيفة مخصصة للمرأة وأخرى للرجل. ووصولي عام 1991 إلى البرلمان، كزوجة رينيه معوض، كان تحدياً كبيراً. وصورتي وحيدة بين رجال المجلس النيابي، لأكثر من عام ونصف العام، أتت كتذكير بأن للمرأة مكاناً في مجلس النواب ويمكن تعزيزه. تصل اللبنانية إلى منصب سياسي بسبب شغوره من أحد رجال العائلة. وبعد تعذر تسلّم رجل آخر هذا المنصب لأسباب مختلفة، منها صغر السن. هل المرأة السياسية في لبنان"حارسة كرسي"ريثما يُصبح الرجل الثاني مؤهلاً لتولي مكانها؟ - لسوء الحظ، معظمنا، كنساء لبنانيات، وصل الى المجلس النيابي بپ"ثوب أسود". لكن يجب ألاّ ننسى، أن رجالاً وصلوا الى المجلس بظروف مشابهة، من خلال وراثة كراسي آبائهم. ووضعي عند دخولي المجلس كان يشبه وضع جندي في معركة، بعد أن أُصيب رفيقه في النضال وسقط، حمل عنه الراية وركض ليكمل المشوار. في ذلك الوقت، لم أفكر في أنني امرأة أو رجل أو أي شيء، كان هدفي أن أكمل مسيرة رجل أراد أن يحافظ على وحدة لبنان وأن يبقى على تواصل مع الجميع. وما لا شك فيه، أن محبي ومؤيدي رينيه معوض، اختاروني لأن ميشال ابنها لم يكن قد بلغ السابعة عشرة من عمره. وأنا لم أحضّر ميشال للعمل السياسي، ولكنه تربى في منزل سياسي بامتياز، وعلى أنه مسؤول عن عائلة وعن مبادئ ورؤية ومناصرين، في حين أن أخته لا تحب أن تخوض غمار السياسة، ولو اختارت اكمال المسيرة، لما ترددت لحظة في دعمها. والعمل السياسي يتطلب تضحيات كثيرة، ومن هنا نحن لا نقوم بتدفئة الكراسي النيابية، ريثما نسلّمها لخلفنا، ولكننا نعمل من أجل أن نستحق هذا المنصب. هل أنت مع الكوتا النسائية السياسية؟ - بالمبدأ أنا لا أؤيدها. برأيي، على المرأة أن تفرض نفسها وتطالب بحقوقها. ومن دون شك، توجد في لبنان عوامل كثيرة تحول دون وصول المرأة الى منصب سياسي، لأن الرجل الوريث الأول في العائلة السياسية. والأهم من ذلك، غياب الحياة الحزبية الطبيعية. فالأحزاب في لبنان، إما طائفية أو عائلية، وغالباً ما تفتقر إلى برامج سياسية تمتد لتشمل الوطن. ولكن ألا تعتقدين بأن هذه البانوراما السياسية تجعل من كوتا أو لوبي نسائي مخرجاً يساعد المرأة على اختراق النظام الطائفي والعائلي؟ - من هنا قلت إنني ارفض الكوتا بالمبدأ، ولكنني أؤيد أن تكون مرحلة انتقالية، إذا جازت التسمية، إلى حين تصبح فيه المرأة قادرة على فرض نفسها على المجتمع. ومن خلال مراقبتي، هناك إناث ممتازات في العمل، وجديرات بالثقة، وعلى قدر عالٍ من المسؤولية. ومن المفارقات ان تقسيم الجامعة اللبنانية الى فروع مناطقية، خلال الحرب، أدى دوراً إيجابياً انعكس من خلال تعليم عدد أكبر من الفتيات، وبالتالي مكنهن من خوض ميدان العمل. ألا ترين أن هناك ضرورة لإنشاء مراكز تُعنى بالمرأة وتنميتها وتوعيتها؟ - لجنة حقوق المرأة في البرلمان كانت احدى الخطوات لتحسين الوضع العام للمرأة اللبنانية، والعمل على تطوير القوانين التي تطاولها، من الضمان الاجتماعي، الى قوانين الاحوال الشخصية حيث هناك تهميش فظيع للمرأة، وذلك لأن الأحوال الشخصية تتبع المحاكم الشرعية وهذا ما يجعل من المطالبة بأي تعديل أمراً شبه مستحيل، وفوق التهميش الذي تعانيه المرأة في هذه المحاكم على اختلاف المذاهب والأديان، يؤدّي جهلها حقوقها الى تأزم وضعها. ولذلك عملنا، في 1998، من أجل اجراء انتخابات بلدية واختيارية، وقدمنا عدداً من المحاضرات في جميع مناطق لبنان، لتحفيز السيدات على الترشح الى البلديات. وعملنا على إيضاح أن هذا الوضع يتطلب عملاً حقيقياً من جانب المرأة. وكنّا نهدف الى تمكينها ودعمها للمطالبة بحقها في المشاركة ومن ثم في تحسين وضعها. إذا طُلب منك الاستغناء عن فريقك السياسي، وترؤس لائحة من المرشحات النساء، برنامجهن الوحيد: حقوق المرأة والنهوض بوضعها، ماذا يكون خيارك؟ - أرفض طبعاً. لأنني أعتبر كل ما يعزز التفرقة بين الرجل والمرأة، هو نقطة ضعف. فالحقوق التي انتزعناها للمرأة، كانت بمساعدة الرجال الذين يؤمنون بالديموقراطية، وبالتالي بحقوق المرأة. متى سيصبح للمرأة اللبنانية الحق في منح الجنسية لأطفالها؟ وما هي العقبات أمام تطبيق هذا المشروع؟ - لا يمكن الكلام عن حقوق المرأة والطفل من دون أن نذكر لور مغيزل، التي ساهمت في استصدار قوانين مهمة جداً، لتحسين وضع المرأة، من خلال تحسين التقديمات الاجتماعية من تعاونية الموظفين والضمان الاجتماعي. لور مغيزل اقترحت أن تُعطى المرأة الأرملة، على الأقل، لزوج غير لبناني الحق في منح الجنسية لأطفالها. ولكن حساسية الوضع اللبناني، تحول دون تحقيق حتى هذه الخطوة. إن وضع المرأة اللبنانية اليوم افضل بكثير من السابق، لا سيما مع تطبيق بند إعطاء الأعلى رتبة في السلم التوظيفي، بين الوالدين، الحق بالاستفادة من الضمان وتعاونية الموظفين. وهذا شيء أساسي في حقوق المرأة. ويجب ألا ننسى ان الى جانب منح الجنسية، هناك أمور مهمة جداً، كنفقات المرأة المطلقة، والحق في حضانة الأطفال في حال الطلاق أو الانفصال. والمشكلة أن قوانين الأحوال الشخصية تشبه السلسلة المترابطة، وحلّها يتطلب دراسة جدية، وثقة بين الجميع، باختصار تطبيقها يحتاج إلى ثقافة ديموقراطية. هل من تخطيط تنموي للنهوض بأوضاع المرأة ورفع مستوى مشاركتها على كل الصعد، لا سيما السياسية والاقتصادية؟ - في برامج تمكين المرأة هناك برامج عدة ترتكز على التدريب المهني، كدورات عن الانتاج الزراعي للمرأة الريفية. إلى جانب عمل العديد من الجمعيات على برامج القروض الصغيرة وتنشيطها. من جهتنا في"مؤسسة رينيه معوض"نعمل على تدريب النساء على الانتاج، بالتنسيق مع العديد من الجمعيات. وبالطبع تطبيق مشروع القرار القاضي بإلزامية التعليم الابتدائي سيساهم إلى حد كبير بتحسين وضع المرأة عموماً. ومؤخراً في باريس - 3، جزء أساسي من برنامج الحكومة تناول تطوير الوضع الاجتماعي، وهذا سينعكس حتماً في شكل إيجابي على وضع المرأة. برأيك هل استطاعت النساء العربيات فرض أنفسهن في مجتمعاتهن؟ - عندما عُيّنت في المجلس النيابي، زارتني وفود نسائية من كل من السعودية، الكويت والامارات، وطلبن مني النجاح في هذه التجربة، كي يستطعن المطالبة بتطبيقها في بلادهن. وبصراحة، من خلال جولاتي وزياراتي تعرفت الى نساء عربيات، يفقن أشخاصاً كثراً أهمية. وعظمتهن تكمن في نضالهن من أجل نيل حقوقهن. وفي رأيي، وضع المرأة العربية الى تطور، لأن نفَسهن طويل. ستكونين أول رئيسة جمهورية في حال فزت في الانتخابات الرئاسية، ما الدلالة التي يحملها مثل هذا المشهد؟ - تولي امرأة سدة الرئاسة، منظر ديموقراطي متطور جداً، وأنا مؤمنة بالممارسة الديموقراطية. وكما قلت سابقاً الديموقراطية هي الضمان الأبرز لحقوق المرأة. هل رئاسة الجمهورية الطموح الأكبر لنائلة معوّض؟ - في ظل ما نعيشه اليوم، وبكل صراحة، تقلصت طموحاتنا الى حد الحفاظ على الجمهورية، ولم يعد الهمّ من سيكون رئيساً للجمهورية. بالطبع أنا مرشحة لرئاسة الجمهورية، وفخورة بترشيحي، ولكن الهم الأول هو الحفاظ على الجمهورية. إذا قُدّر لك أن تهدي المرأة اللبنانية، بمناسبة يوم المرأة العالمي، قراراً نافذاً، يُحسن من وضعها، ما هو هذا القرار؟ - سؤال دقيق جداً. ولكنني أطلب للمرأة ومن المرأة. ما أطلبه منها أن تثق بنفسها أكثر، لأن الحقوق تؤخذ ولا تُعطى. فالمرأة في لبنان لا تعمل على أساس تشكيل قوة ضاغطة، لنيل حقوقها، ومحاسبة من يُقصّر في المطالبة بها. من جهة أخرى، هناك استهتار من قبل الجمعيات النسائية في بعض الأمور، منها عدم دفاعهن عن نساء يتعرضن لتمييز جنسي، وصمت هذه الجمعيات على مثل هذه الممارسات يسيء إلى صورتهن. أمّا ماذا أطلب لهن؟ هناك العديد من القوانين التي لا بد من تعديلها لأنها مجحفة بحقّهن، ولكن أعتقد بأنني أطلب اعادة دراسة قانون الأحوال الشخصية، بهدف الوصول الى قانون موحّد للأحوال الشخصية، على رغم الحساسية التي تحكم هذا الموضوع بسبب تجذره في الطوائف.