لا ريب في ان قرار محكمة العدل الدولية في مقتلة سريبرينيتشا هو ثمرة مداولات طويلة دامت 14 عاماً. فالمحكمة نظرت في تفاصيل الحوادث المحيطة بدعوى الحكومة البوسنية على دولة يوغوسلافيا الاتحادية صربيا والجبل الأسود، وتهمتها اياها بالتخطيط لإبادة المسلمين، كجماعة عرقية في جمهورية البوسنة - الهرسك. والتزم قرار المحكمة العدالة والقانون الدولي. فهو حظي بموافقة 13 قاضياً من 15 مكلفين النظر في القضية. وهي الأولى من نوعها في تاريخ المحكمة، وسند البت في شكاوى لاحقة. وقومت المحكمة في قرارها مدى تماسك الأدلة التي قدمتها الحكومة البوسنية. وقالت ان الجهة المدعية لم تقدم بيّنات محكمة وقانونية على ان يوغوسلافيا تعمدت إبادة المسلمين في البوسنة، أو أن الميليشيات والمجموعات العسكرية غير النظامية الصربية، وهي مسؤولة عن الإبادة الجماعية، نفذت أوامر حكومة بلغراد. ولم تقدم الحكومة البوسنية وثائق تكشف تخطيط جيش صرب البوسنة لإبادة المسلمين في البوسنة. فالإبادة الجماعية لم تشمل الاراضي البوسنية كلها، بل اقتصرت على منطقة سريبرينيتشا. واعتبرت المحكمة الجرائم المرتكبة في سائر المناطق البوسنية ضد المسلمين، جرائم حرب. والحق أن قرار محكمة العدل الدولية جمع بين الادانة واعلان البراءة، في آن واحد. فصربيا بريئة من ارتكاب الإبادة الجماعية في البوسنة لغياب الادلة على تلقي راتكو ملاديتش وضباطه، وهم قادة جيش صرب البوسنة، أوامر بإبادة المسلمين من الحكومة اليوغوسلافية. ولكن هذه البراءة لم تعفها من المسؤولية والمساءلة والارتكاب. فالحكومة لم تمنع وقوع الإبادة الجماعية، ولم تقطع امداداتها العسكرية ومساعداتها المالية عن صرب البوسنة في أثناء الحرب. وينفي الاطلاع على حيثيات القرار ما يشاع عن استهانته بحقوق شهداء المسلمين البوسنيين. وعلى رغم إمساكه عن إدانة صربيا، لم يبرئ قرار محكمة العدل الدولية صربيا من تجاوزاتها. فهو حمّلها المسؤولية التاريخية عن المآسي والإبادة والجرائم والدمار بالبوسنة. وهذه المسؤولية دليل على تورط صربيا. ولكن الأدلة القانونية المتوافرة لا تكفي لإدانتها. وعلى من يسعى الى تقويم قرار محكمة العدل الدولية موضوعياً الأخذ في الاعتبار أحكام القانون الدولي، وأهمية القرارات الصادرة عنها، والالتزامات المترتبة على قرارها. عن ساينا شكوليتيتش ، "دنيفني آفاز" البوسنية، 2 / 3 / 2007