كثرت في الآونة الأخيرة قراءات ما بين الأسطر التي تشير الى أن ثمة دخاناً أسود يتصاعد من مدخنة المطبخ الأميركي المختص بالشرق الأوسط. ولزاماً على الشارع الكردي التنبه كي لا يتكرر أسلوب استعمال الأكراد شماعة للشيطان. لقد عاقبت الدول الاستعمارية في آخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين كردستان والشعب الكردي بحقد قل مثيله في التاريخ متجلياً باتفاق سايكس - بيكو الذي قسم كردستان للمرة الأولى إلى أربعة أقسام وحرم الشعب الكردي في زمن النزعات القومية من التمتع بدولة قومية أسوة بكل قوميات الدنيا، لا بل أمعنت في غيِّها اثر استبدال معاهدة سيفر بمعاهدة لوزان، وتجلّت لوحة الثأر بدخول الجنرال غورو مدينة دمشق معلناً عودة النفوذ الأوروبي الى المنطقة. وساهمت سياسات غض النظر من القوى الاستعمارية تجاه الدول المقتسمة لكردستان في تمرير سلسلة منظمة من جرائم الإبادة والإفقار بحق الشعب الكردي من بوطان إلى ديرسم، إلى مهاباد، إلى تشتيت كرد الاتحاد السوفياتي السابق، إلى راوندوز وبارزان، إلى الإحصاء والحزام والتعريب. إلا أن الدور الأميركي المناهض للأكراد تجلى على يد مهندس سياستها الخارجية في سبعينات القرن الماضي هنري كيسنجر عرَاب اتفاق الجزائر عام 1975، الذي فتح الباب على مصراعيه لديكتاتور العصر بالتنكيل بالشعب الكردي في جنوب كردستان وبعد ذلك في الأنفال وحلبجة، ولم يكن سراً تلقي ديكتاتور العراق الدعم الأميركي المباشر أو غير المباشر في حربه العبثية مع إيران للحؤول دون تصدير المد الإيراني في ثمانينات القرن الفائت. أما في تركيا"شرطي الناتو الطفيلي"فقد رعت أميركا انقلاب العسكر عام 1980 وما انبثق عنه من حكومات موغلةٍ في عنصرية تعاطيها مع المسألة الكردية، وتوّجت أميركا دورها غير الأخلاقي في نهاية القرن العشرين تجاه الأكراد في تسليم زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان لتركيا عبر مؤامرة دولية قذرة جرحت مشاعر الأكراد حول العالم. إن تقاطع المصالح بين التحالف الذي قادته أميركا لإسقاط ديكتاتورية العراق مع تطلعات الأكراد نحو الحرية والديموقراطية وقيام فيديرالية كردستان لاحقاً أسدل ستاراً شفافاً من"التغاضي الحذر"عن أخطاء سياسات أميركا التاريخية بحق الأكراد لا حباً ولا عشقاً كما يحلو للبعض الشوفيني اتهام الأكراد به ولكن مقارنة بعمر الإنكار والنكران والمجازر والويلات والاضطهاد التي لقيها الأكراد من شركاء الوطن، من جهة ولمماشاة موضة العصر في استرضاء أميركا وهرولة دول الجوار للتمسح بها وبخاصة إثر ضربات 11 أيلول سبتمبر 2001 الإرهابية. إلاًّ أنّ"ستار التغاضي الحذر"بدأ بتلقي الخروقات الأميركية له منذ الأيام الأولى عندما قصفت الطائرات الأميركية موكب القائد العسكري وجيه بارزاني وصولاً إلى الضغوطات الكبيرة على الزعامات الكردية أيام بول بريمر لتقليص الامتيازات الكردية من الدستور الموقت، إلى تقرير بيكر - هاملتون، إلى الإلحاح لإشراك البيشمركة في صراعات بغداد الطائفية انتهاء بقصف حاجز للبيشمركة قرب الموصل وبالعراقيل أمام تطبيق المادة 140 في كركوك. وعلى المحور الآخر إيفاد الجنرال المتقاعد جوزيف أرلستون لتقديم المساعدة لتركيا في شؤون حزب العمال الكردستاني وصولاً إلى تمرير الضوء الأخضر لفرنسا المعارضة الأولى لدخول تركيا لأوروبا في اعتقالها بعضاً من الكادر السياسي واللوجستي لحزب العمال الكردستاني بذريعة الإرهاب، إلى الإيعاز للمحكمة الأوروبية برفض طلب إعادة محاكمة عبدالله أوجلان، إلى مباركة الهجمات الأحادية والثنائية المنسقة بين الجيشين التركي والإيراني في الهجوم على قواعد حزب العمال الكردستاني والمنظمات المنبثقة عنه على خلفية السجال بينهم حول القوة النووية الإيرانية ولعب تركيا على الوتر الإسلامي في البحث عن دور لها. إن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط المبنية على تنفيذ مصالحها والمرتكزة على سياسة الجزرة والعصا نجحت في حشد الحقد والكراهية ضدها من الشعوب الإسلامية في المنطقة. أما الأكراد الخارجون من حملات الإبادة التي تعرضوا لها فهم أبعد الشعوب عن الإرهاب، خصوصاً بعد تنشقهم بضع نسمات عليلة تحمل عبق الحرية. لذلك من غير الحكمة أن تلعب أميركا بالنار لترضي دول الجوار وتكسب حقد الأكراد المظلومين تاريخياً والذين لا يملكون ما يخسرونه إذا ما ضيقت عليهم فسحة نسمات الحرية بعد عهود الإبادة والظلام. الدكتور صلاح الدين حدو - بريد الكتروني