منذ انعقاد مؤتمر مدريد في 1991، يعيد الزعماء العرب على مسامعنا قولهم إن السلام مع اسرائيل شرطه انسحابها الى حدود 1967. وفي القمة العربية ببيروت آذار/ مارس 2002، سمعنا كلاماً مثله بعد تبني جامعة الدول العربية المبادرة السعودية. ومفاد هذه المبادرة أن مشكلة العالم العربي مع اسرائيل ناجمة عن"احتلالها"الضفة الغربية والقدس الشرقية. وهذا الزعم بعيد من الصواب. والحق أن مطالبة العرب بعودة اللاجئين الفلسطينيين يبعث جوهر النزاع الفلسطيني- الاسرائيلي. فعودة اللاجئين هي ستار يخفي العرب وراءه عزمهم على القضاء على اسرائيل. ولم تتراجع السلطة الفلسطينية عن تمسكها ب"حق العودة"الى اسرائيل الكبرى في ظل حكم"فتح"، ولا بعد وصول"حماس"الى السلطة. ولا يقطع الشك يقين قبول الفلسطينيين بحصر عودتهم الى الضفة الغربية وقطاع غزة بعد انسحاب اسرائيل الى حدود الخط الأخضر. ومن شأن حق العودة القضاء على الغالبية اليهودية في دولة اسرائيل. فهذا الحق يحمل في طياته نوايا عدائية. وتروج السلطة الفلسطينية، في وسائل الاعلام والمناهج الدراسية لهذا الحق. ويزعم واضعو الخرائط الفلسطينية أن دولة فلسطين تمتد من البحر المتوسط الى نهر الاردن، ولا يقصرون هذه الدولة على غزةوالضفة الغربية. وباستثناء ساري نسيبة، وشعبيته في أوساط الفلسطينيين متدنية، لم يتخل أي زعيم فلسطيني أو سياسي عن حق العودة. وتجنب رئيس السلطة الفلسطينية الراحل، ياسر عرفات، الاشارة الى هذا الحق في مؤتمر كمب دايفيد تموز يوليو 2000. ويعتبر العرب هضبة الجولان ارضاً سورية، ويطالبون بانسحاب اسرائيل منها. وجلّ ما قد تحصل عليه اسرائيل مقابل هذا الانسحاب هو التهدئة في لبنان. وبحسب المواقف الرسمية السورية، يترتب على السلام اعتراف اسرائيل بحق عودة لاجئي 1948 واحفادهم المولودين في سورية، الى اسرائيل. ويبلغ عدد اللاجئين في سورية نحو 350 الف لاجىء متحدرين من فلسطينيي 1948. وعلّق الرئيس السوري الراحل، حافظ الأسد، عمل اللجنة المتعددة الطرف لمعالجة مشكلة اللاجئين عندما أدرك تناقض وجهتي النظر الاسرائيلية والسورية. فاسرائيل حسبت ان دور اللجنة هو التوصل الى حل لمشكلة اللاجئين داخل الدول العربية، في حين طالبت سورية بعودة اللاجئين الى اسرائيل. وشأن والده، تمسك الرئيس السوري بشار الاسد بحق العودة في خطاب ألقاه في آب اغسطس 2006. ويخون النظام السوري من لا يتمسك بهذا الحق من القادة العرب. ومنذ 1948، شددت الحكومات اللبنانية المتعاقبة على عودة اللاجئين المقيمين الى اسرائيل، وحرمتهم من الجنسية اللبنانية. وبحسب احصاءات منظمة الپ"أونروا"، يبلغ عدد هؤلاء 300 ألف لاجىء. ويجمع زعيم"حزب الله"، السيد حسن نصر الله، والزعماء اللبنانيون على ربط السلام مع اسرائيل بعودة لاجئي 1948 وذراريهم. ويمنع القانون اللبنانيالفلسطينيين من العمل في أكثر من 73 مهنة، ويحظر عليهم التملك او ممارسة التجارة. والمسيحيون اللبنانيون من الموارنة، وهم"الحلفاء الطبيعيون"لإسرائيل، أشد معارضي توطين الفلسطينيين مخافة حدوث خلل في الميزان السكاني اللبناني، وغلبة المسلمين العددية. ولا شك في ان النظام اللبناني غير مستقل، وسياسته الخارجية تجاه اسرائيل تحاكي سياسة النظام السوري. ولا ريب في ان جوهر النزاع الاسرائيلي والفلسطيني والعربي هو على"حق العودة"، وليس على الارض. ومعظم هؤلاء اللاجئين لا يتحدرون من أصول فلسطينية. ويسعى المفاوضون الغربيون والإسرائيليون الى حل هذه المشكلة بعيداً من الأضواء. ويعتبر هؤلاء أن اللاجئين لا هوية لهم، ولا ينتسبون الى أرض او مكان. ومن يزعم ان اللاجئين يدركون أنهم لن يعودوا الى اسرائيل، يعجز عن تفسير وجود مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. وعلى دعاة اعادة الاراضي المحتلة في 1967 من الاسرائيليين، والزاعمين بأن الانسحاب الى الخط الاخضر يفضي الى السلام مع العرب، المسارعة الى الاطلاع على ما تبثه وسائل الاعلام. فالتنازل عن حق عودة الفلسطينيين هو خيانة للشعب الفلسطيني والأمة العربية. وإذا انسحبت اسرائيل من الجولان والضفة الغربية والقدس، تفاجأ الاسرائيليون، متأخرين، أن المشكلة الأساس بين اسرائيل وجيرانها لم تحل. وإذا اصرت اسرائيل على المحافظة على الطابع اليهودي لدولتها، أفل السلام وتبدد. عن د. ميخائيل خضر محاضر في الدائرة العربية لجامعة بار ايلان وباحث في مركز بيغن - السادات موقع معهد "بار ايلان" الاسرائيلي، 2 / 2007