السيد رئيس الوزراء توني بلير المحترم رداً على مقالكم المهم الذي نشرته جريدة "الحياة" في 11/10/2001 بعنوان "خلافنا ليس مع الإسلام، بل مع الإرهاب"، أود القول بأن المحنة التي بدأت في 11/9/ بعمل ارهابي ضد الولاياتالمتحدة، وادانها واستهجنها العالم أجمع وتبرأ منها العرب والمسلمون، بالإضافة إلى ادانتها، وضعتكم في صدارة العمل السياسي والعسكري للقضاء على الإرهاب، وكما قلتم في خطابكم في مؤتمر حزب العمال السنوي في 2/10/2001، فإن شيئاً ايجابياً دائماً سيظهر من بين أنقاض الشر. ومنذ هذا الحادث الإجرامي فتح العالم بأسره عيونه على حقيقة أسباب ما حدث، ووجد أن منها التعثر المتعمد في حل القضية الفلسطينية واستمرار احتلال إسرائيل لأراض فلسطينية وسورية ولبنانية. وكعرب كنا ولا نزال نتمنى أن يصار إلى النظر إلى جذور الإرهاب وأسبابه وليس عباءته الدينية وحدها. لأن العرب لم يقولوا يوماً إن صراعهم مع إسرائيل صراع ديني، لأن وجودهم الطويل المتواصل في أراضيهم يغنيهم عن اللجوء إلى استخدام الدين في تأكيد حق الشعب الفلسطيني في وطنه، أو ما تبقى بالأصح من وطنه الأم. وكنا ولا نزال نطمع في أن بريطانيا، التي وضعت حجر الأساس ثم البنية الضرورية لانشاء دولة للمهاجرين اليهود في فلسطين، ستكون أول العاملين لتصحيح الظلم التاريخي الذي لحق بالفلسطينيين نتيجة لسياستها منذ وعد بلفور عام 1917 وعدم اهتمامها بتطبيق قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية وعبرية، لأن ما حدث عام 1948 هو تطبيق لهذا القرار من جانب واحد، يشبه إعلان استقلال روديسيا من جانب واحد عام 5619 الذي لم تعترف به المجموعة الدولية، ولكن لأن لإسرائيل الكلمة العليا في أكثر من عاصمة غربية، فإن قرارات الأممالمتحدة وما ينطبق على غيرها لا يجوز أن يمسها حتى عندما تحتل أراضي الغير بالقوة والعدوان، كما حدث عام 1976. السيد رئيس الوزراء منذ 11/9/ بدرت منكم اشارات ايجابية نحو القضية الفلسطينية وبذلك أكدتم وجود رابطة قوية بين ما يعانيه الغرب من إرهاب والثمن الباهظ الذي يدفعه نتيجة تأييده الأعمى لإسرائيل منذ نشأتها وحتى احتلالها الثاني عام 1967 وامتلاكها لأحدث أسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية. لقد تحدثتم في مؤتمر حزب العمال عن أهمية نفخ نفس جديد في عملية السلام، وعن تحرير إسرائيل من الرعب ووجوب الاعتراف العربي بها وقبولها كجزء من الشرق الأوسط ومستقبله، وتحدثتم بايجابية عن وجود تحقيق العدل للفلسطينيين وحقهم في وطنهم كشركاء متساوين مع إسرائيل، كما تحدثتم عن احياء غزة الفقيرة. وفي هذا الخطاب كان العرب يتطلعون إلى أن تستخدموا عبارات مثل، على إسرائيل أن تنسحب من كل الأراضي العربية المحتلة، وأن تقبل بدون تأخير قيام دولة فلسطينية، لأن ذلك هو الذي يوفر السلام في المنطقة وبسحب الأرضية من المتاجرين بالدين ومرتكبي الأعمال الإرهابية، وكنا نتمنى أن تسموا الأشياء باسمائها وأن تقولوا إن احياء غزة الفقيرة هي مخيمات للاجئين الفلسطينيين المحرومين من حق العودة إلى وطنهم الذين يعيشون أوضاع البؤس منذ 53 عاماً. لقد أشرتم في هذا الخطاب إلى عودة لاجئي البوسنة إلى وطنهم، ونتمنى أن ينطبق هذا الحق على اللاجئين الفلسطينيين، وهنا فقط لن تكون لدينا أي حجة في اتهام الغرب بأنه يكيل بمكيالين، وبأن إسرائيل بسبب دعمه المطلق لها تحتقر الشرعية الدولية وترفض حتى الآن تطبيق أكثر من 100 قرار من قرارات الأممالمتحدة صدرت على مدى 53 عاماً. إن أحداث 11/9 حفزت الغرب على البحث عن القواسم المشتركة مع العرب ومع الإسلام، وكان لتأييد الدول العربية والإسلامية للعزم الغربي على مكافحة الإرهاب واستنكارها للأعمال الإرهابية البشعة التي طالت مدنيين أبرياء من 78 جنسية ينتمون لكل الأديان والأعراق دور في تعميق الاحساس الإنساني بأننا ضحايا عناصر منحرفة ضالة تسيئ توظيف الدين كما أساء اليهود استخدام دينهم في تشريد وقتل الفلسطينيين وتبرير احتلال أراضيهم وفتح باب الهجرة ليس فقط الى إسرائيل، ولكن إلى الأراضي الفلسطينيةالمحتلة والجولان السوري المحتل، في مخالفة واضحة لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي تمنع بوضوح مادتها السابعة والأربعون ضم الأراضي المحتلة، وأنتم على علم واف بأن القدس العربية والجولان ضما إلى إسرائيل، وان إسرائيل تصر أن يخضع انسحابها منهما لاستفتاء، وهو أمر غريب لا سابقة له في تاريخ الاحتلال، وإسرائيل لا تفعل ذلك إلا لأن أي عاصمة غربية لم تقل لها انسحبي، كفى قمعاً للفلسطينيين، كفى معاملة فلسطينيي عام 1948 كمواطنين من الدرجة الثانية، وكفى ادعاءً بأنك الدولة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، لأن الديموقراطية كقيمة وكممارسة لا تبرر الاحتلال والتمييز والاغتيال والتجويع، وإلا عدنا إلى السيرة الاستعمارية القديمة التي كانت فيها شعوب آسيا وافريقيا تستعمر وتنهب مواردها ويتاجر برجالها كعبيد باسم الحضارة والتمدين. إننا نلمس أن هناك تطوراً ايجابياً في الموقف البريطاني من قضية الصراع العربي - الإسرائيلي بشكل عام، على رغم أننا لم نسمع شيئاً عن ضرورة انسحاب إسرائيل من الجولان السوري المحتل ومن مزارع شبعا اللبنانية مع أن الاحتلال والمحتل واحد، وان السلام لا يتجزأ. ومع هذا فإن لنا ملاحظات قوية على بعض العبارات التي لا تزال تمالئ إسرائيل وتحابيها، مثل: 1- تأييد دولة فلسطينية قابلة للحياة. إن قابلية هذه الدولة للحياة يعني توفر الحدود الشكلية والدنيا فقط لمقومات هذه الدولة، وان إسرائيل تشترك في صنع ولادة هذه الدولة ثم رعايتها، وأن أمرها ليس متروكاً للإرادة الحرة الفلسطينية شأنها شأن أي أرض استعمرت أو احتلت على مدى التاريخ. 2- تأييد إقامة دولة فلسطينية بالتفاوض مع إسرائيل. وهذه المسألة أكثر خطورة، لأن إسرائيل وقفت وأعاقت ذلك طوال عشر سنوات من التفاوض، لأن لا مصلحة لها في إقامة دولة فلسطينية طالما أن مصالحها مع الدول الغربية تنمو ولا تمس في ظل أي ظرف من الظروف، وليس من المبالغة القول بأن العرب في مجملهم يؤمنون بأن الغرب يساند احتلال إسرائيل سواء بسماحه بهجرة مواطنيه إلى الأراضي العربية المحتلةالقدس، الضفة، غزة، الجولان أو شرائه لمنتجات المستوطنات، أو لبيعه أسلحة تقتل المقاومة الوطنية الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي. إننا واثقون في اعتقادنا بأن الولاياتالمتحدة، على وجه الخصوص، دولة محتلة لأراضينا عن بعد لأنها بالإضافة إلى ما سبق تستخدم حق الفيتو ضد أي قرار يناصر حق الفلسطينيين وأمنهم وحريتهم. وآخر مظاهر انحيازها الصارخ لإسرائيل حيلولتها دون صدور قرار من مجلس الأمن لارسال قوة حماية تحول دون مزيد من المذابح ضد الفلسطينيين، وموقفها في مؤتمر ديربان لمناهضة العنصرية في أيلول الماضي. 3- تأييد اقامة دولة فلسطينية مع الحفاظ على أمن إسرائيل. وهنا يبرز سؤال مَن قال من الفلسطينيين أو العرب إن الدولة الفلسطينية ستهدد أمن إسرائيل. والسؤال الأهم مَن يهدد من؟ هل الدولة الفلسطينية المتوقعة التي دمر ارييل شارون كل بنيتها التحتية وخنقها اقتصادياً هي التي ستهدد الدولة النووية الوحيدة في المنطقة التي تتفوق على جيرانها نوعياً في امتلاك أحدث أنواع أسلحة الدمار الشامل. إن إسرائيل دولة تصدر السلاح المتطور حتى للولايات المتحدة، بينما سيظل الفلسطينيون لعشرات السنين مهتمين ببناء اقتصادهم المدني وتعويض عقود الظلم التي لحقت بهم جراء السياسة الإسرائيلية الغربية المشتركة في انكار حقوقهم وعدم الاهتمام بانسانيتهم وحقهم في تقرير المصير والتحرر من الاحتلال. إن أمن إسرائيل، وتأييد هذا المطلب هو الذي يفتح أبواب الشر وعدم الاستقرار في المستقبل، لأن القبول به على علاته يعني بصريح العبارة تأييد حق إسرائيل في ضم أراض فلسطينية وسورية احتلت عام 1967 بحجة النظرية الأمنية الإسرائيلية التي تم ابطال صحتها في حرب تشرين الأول اكتوبر 1973 وبالمقاومة اللبنانية وبأحداث 11 أيلول سبتمبر الماضي أيضاً. إن الأمن الإسرائيلي هذا يعني استمرار احتلال أجزاء من الأراضي العربية، ويعني سلاماً يقوم على القوة الإسرائيلية، مما ينذر بتفجر صراع حتمي جديد. لقد قبل العرب حق إسرائيل في الوجود على أساس وحيد هو انسحابها إلى حدود عام 1967 وانشاء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس - جوهر مبدأ الأرض مقابل السلام - ولكن إسرائيل تريد الأرض وتريد السلام معاً، وهذا مستحيل القبول به عربياً. إن هناك أمراً آخر لا بد من الاهتمام به، وهو انكم إذا اردتم حقاً السلام والاستقرار في المنطقة، فإن الشجاعة والمصالح أيضاً تقتضي عدم تدليل إسرائيل، لأن التدليل يفسدها حقاً ويزيد من عنادها ورفضها للسلام. لقد آلمنا كثيراً ما قلتموه في 1/5/1998 بأن تأسيس إسرائيل يعتبر حدث العصر ومعجزته، لأن هذا الحدث المعجزة دفع ثمنه عام 1948 سبعمئة وخمسون ألف لاجئ فلسطيني لم يسقط عليهم أحد من السماء الطعام، ومات المئات منهم في الطريق جوعاً، تركوا وطنهم تحت ارهاب السلاح، ويدفع ثمنه الآن 3469109 لاجئ فلسطينيين، طبقاً لاحصائية منظمة الانروا لعام 1998، من هؤلاء 1308438 لاجئاً في غزة والضفة المحتلتين يتعرضون لقتل وحصار وارهاب يومي من قبل إسرائيل التي تحتل أراضيهم، ويومها قلتم أيضاً انكم بعد أن وضعتم اكليلاً على قبر رئيس الوزراء الراحل اسحق رابين، شاهدتم قبور عدد من الجنود الشباب، خصوصاً الذين قتلوا في "حرب الاستقلال" كنتم آنذاك تحتلون فلسطين وليس إسرائيل، وكان مشهداً جعلكم تشعرون في آن بالتواضع وبأن تفهموا دولة إسرائيل وتفهموا التوق العميق للشعب الإسرائيلي إلى سلام مقرون بالأمن، وأضفتم أيضاً وفق منطق إسرائيلي خدع الكثيرين بأنه على رغم المشاكل التي واجهتها الدولة اليهودية، فإنها تمسكت بالديموقراطية وحولت المستنقعات بساتين وبنت اقتصاداً قادراً على المنافسة الدولية "الحياة" 2/5/1998، وبهدف المقارنة والتذكير فقط، نسأل هل سمعتم بقرية دير ياسين المواجهة لنصب ياد فاشيم التي دمرتها إسرائيل في 9/4/1948 على رؤوس ساكنيها من دون تمييز، هل كانت تلك هي أخلاق الشباب الذين اعجبتم بهم "الذين وصلوا مباشرة من معسكرات هتلر" "الحياة" 2/5/1998 ليقتلوا الفلسطينيين من دون ذنب ارتكبوه ضدهم. إن الحقيقة هي أن فلسطين كانت وطناً مزدهراً ولم تكن فيه أية مستنقعات، وقد قال عنها مبعوث هرتزل إنها عروسة جميلة على ذمة رجل وليست بحاجة إلى زوج آخر. السيد رئيس الوزراء نود أن تفهمونا وأن تتفهموا أيضاً أن حاجتنا للأمن أكثر من حاجة إسرائيل له، واننا بحاجة شديدة للاستقرار والتنمية والتحديث بكل أشكاله التي أضاع فرصها استمرار الصراع العربي - الإسرائيلي. إن ذلك يشكل ضمانة لأمن الجميع ولمصالحكم في المنطقة، ونتمنى أن لا تصدقوا منطق إسرائيل التعسفي عن الأمن، لأنه منطق توسعي لا يخدم حتى أمن إسرائيل على المدى البعيد. إن ما قلتموه في جريدة "ايفنينغ ستاندر" في 11/9/2001 بأن حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي هو مفتاح انهاء الصراع مع الإرهاب، أمر مشجع للغاية، ولكنه بحاجة إلى جهدكم المخلص لكي يتحول إلى واقع يمشي على الأرض نلمس نتائجه ولا تتلاعب إسرائيل بأسسه ومقوماته المبنية على الشرعية الدولية. وختاماً نتمنى أن تتجسد هذه التصريحات الايجابية الصادرة عنكم وعن الرئيس الأميركي جورج بوش عن الدولة الفلسطينية في عمل مباشر الآن، لا ينتظر انتهاء حربكم ضد الإرهاب لأننا تعودنا على سماع وعود والتعلق بآمال منذ أن اشتركنا معكم في الحرب العالمية الأولى لإنهاء الخلافة العثمانية ومروراً بالحرب العالمية الثانية وحرب الخليج الثانية. والنقطة الأخيرة التي أعبر فيها عن مشاعر العرب جميعاً هي أننا نخشى أن تنسونا بالكامل عندما تحين الانتخابات الأميركية والبريطانية، لأننا حينها نتذكر كعادتنا منذ عام 1948 ما قاله الرئيس ترومان كم يملك العرب من أصوات حتى لا اؤيد اليهود؟ إن استئصال الإرهاب بما فيه ارهاب الدولة الإسرائيلية مصلحة مشتركة للبشرية كلها، وكذلك تحقيق السلام وانسحاب إسرائيل وانهاء آخر وأطول احتلال في تاريخ البشرية. * رئيس بعثة جامعة الدول العربية في لندن، والمقال يعبر عن وجهة نظر شخصية.