} تناولت الحلقة الأولى الجذور التاريخية للمسألة الفلسطينية وتهجير الشعب وتشتيته ومخالفة اسرائيل لكل القرارات الدولية المطالبة باعادتهم الى أرضهم. وهنا الحلقة الثانية. ه - حق العودة ومسار التسوية في سياق مسيرة التسوية التي ابتدأت في مؤتمر مدريد، طرحت قضية اللاجئين ضمن أطر متعددة... 1- مجموعة العمل حول اللاجئين RWG وهي واحدة من خمس مجموعات عمل متعددة الأطراف تشكلت إثر مؤتمر مدريد 1991 "للتعامل مع قضايا اقليمية بمشاركة اطراف اقليميين وبدعم من خبرات وموارد دولية". ومثلها مثل بقية مجموعات العمل المتعددة الأطراف عملت مجموعة اللاجئين ضمن مبدأ التوافق وبرئاسة كندا. قاطعت سورية ولبنان هذه المجموعة كما غيرها من النشاطات المتعددة الأطراف، وقاطعت إسرائيل احدى الجلسات الموسعة ايار - مايو 1992 وانسحبت من اجتماع حول جمع الشمل العائلي تشرين الثاني/ نوفمبر 1992. وحصلت خمسة اجتماعات اخرى كان آخرها في كانون الأول ديسمبر 1995 في جنيف. وفي آذار مارس 1997 قررت جامعة الدول العربية وقف المشاركة العربية في مجموعات العمل المتعددة الأطراف بسبب تعاظم النشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة. 2- وفقاً لإعلان المبادئ المعروف بأوسلو 1 ايلول/ سبتمبر 1993 اعتبر موضوع اللاجئين قضية مؤجلة الى مفاوضات الحل النهائي الثنائية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. ومصطلح لاجئين في ذلك الإعلان كان يعني تحديداً اهالي ال48. وفي البند 12 من اتفاق اوسلو يُلحظ تشكيل لجنة دائمة رباعية من مصر وإسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية توكل إليها قضية "الأشخاص المهجّرين" أي لاجئي حرب ال67. إن إعلان أوسلو، ثم اتفاق غزة - أريحا أيار 1994 في القاهرة، ثم الاتفاق الموقت الإسرائيلي الفلسطيني المعروف بأوسلو 2 ايلول/ سبتمبر 1995 قد غيّرت الى حد كبير طريقة النظر الى قضية اللاجئين. ذلك ان إقامة سلطة الحكم الذاتي في غزة وأجزاء من الضفة الغربية كان يعني انه بإمكان السلطة الفلسطينية ولأول مرة إصدار وثائق سفر/ جوازات، للمقيمين في غزة والضفة. وقد أُعطيت لها صلاحيات وسلطات لتسجيل فلسطينيين كانوا غير مسجلين سابقاً كمقيمين في الأراضي المحتلة. وبناء على ذلك عاد حوالى المئة ألف فلسطيني إلى غزة والضفة ما بين عامي 1994 و1997. ومن جهة اخرى، فإن اتفاق اوسلو 2 قد أشار الى حقوق إقامة للعائدين من الخليج اثر حرب عاصفة الصحراء ونتائجها... 3- اما اللجنة الرباعية الدائمة فقد اجتمعت أولاً في عمان آذار/ مارس 1995 ولم تحرز اي تقدم ثم تعطلت بسبب الخلاف حول تحديد من هم المهجّرون إذ أصرّت اسرائيل على اعتبار التعريف شاملاً لحوالى المئتي ألف فلسطيني ممن غادروا الضفة والقطاع خلال حرب 67 في حين اصرت الأطراف العربية على تحديد اشمل يستوعب حوالى المليون ومئة ألف شخص هم اضافة الى الذين شملهم التحديد الإسرائيلي، كل أولئك الذين لم يتمكنوا من العودة الى الضفة والقطاع بعد الحرب وأولئك الذين غادروها بعد الحرب ورفضت إسرائيل السماح لهم بالعودة وأيضاً كل المبعدين والمطرودين... ويشمل التحديد بالطبع ذرية كل هؤلاء. 4- مفاوضات الحل النهائي: افتتحت رسمياً في 6 ايار 1996 غير ان النقاشات الفعلية أُجّلت مراراً وتكراراً الى حين صدور مذكرة واي ريفر. ثم جاءت مذكرة شرم الشيخ 4 ايلول 1999 التي دعت الى جهد حاسم لبلورة اتفاق اطار عمل حول كل القضايا المتعلقة بالوضع النهائي وذلك خلال فترة خمسة اشهر من تاريخ معاودة مفاوضات الحل النهائي، وإلى إنجاز اتفاق مقبول حول كل قضايا الوضع النهائي خلال فترة سنة من تاريخ معاودة المفاوضات التي بدأت في 13 أيلول 1999 وكان متوقعاً توصلها الى حل نهائي في 13 أيلول 2000 اي عشية زيارة شارون للحرم الشريف واندلاع انتفاضة الأقصى وبعد فشل محادثات كامب ديفيد التي وضع فيها الرئيس الأميركي كلينتون كل ثقله وثقل إدارته... 5- المعاهدة الإسرائيلية - الأردنية تشرين الأول/ اكتوبر 1994 وهي أعادت تأكيد إطار عمل مدريدوأوسلو إلا أن البند 8 - ب: 2 VIII.2.ii يترك الباب مفتوحاً أمام احتمال مفاوضات ثنائية أردنية - إسرائيلية حول اللاجئين وهو امر ىرى فيه الفلسطينيون تهديداً لحقهم في تقرير المصير. و - المواقف الإسرائيلية من حق العودة ان أساس الموقف الإسرائيلي يقوم على أن اسرائيل ليست مسؤولة لا شرعياً ولا أخلاقياً عن "هرب" "عرب فلسطين" عام 1948... وحجتهم في ذلك ان "الدول العربية هي التي طلبت من الفلسطينيين مغادرة قراهم وديارهم خلال حرب 47- 48"، كما ان هذه "الدول العربية فشلت لاحقاً في استيعاب اللاجئين وفي حل المشكلة"... والحجة الرسمية الأخرى الأهم والأقوى والتي تشهرها إسرائيل في وجه حق العودة هي القول بحصول "تبادل للسكان" واقعي وعملي حيث ان إسرائيل استوعبت اليهود الذين هربوا من البلاد العربية والبالغ عددهم حوالى الستمئة الف وهو رقم يعادل نسبياً عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين هربوا عام 1948 والمقدّر بحسب الإحصاءات الدولية ب750000، وبحسب الإحصاءات الإسرائيلية ب590000. ومن ناحية اخرى فإن إسرائيل ترفض حتى صيغة عودة أعداد رمزية وذلك لاعتبار التوازن الديموغرافي والأمن الديموغرافي اي ان إسرائيل ينبغي ان تبقى دولة يهودية ذات اكثرية يهودية مطلقة. حتى أن شمعون بيريز وصف المطالبة بحق العودة بأنه "مطلب المتطرف" "وأنه سيؤدي في حال قبوله الى إزالة الطابع القومي لدولة إسرائيل بتحويل الأكثرية اليهودية الى أقلية. ولذلك فإن بيريز يرى بأنه لا يوجد اي امل بقبول هذا المطلب لا اليوم ولا لاحقاً، وهو يرى أنه بإمكان إسرائيل النظر في حالات فردية من جمع الشمل العائلي وذلك كبادرة حسن نية وبعد بلوغ الاتفاق النهائي... اما شلومو غازيت وهو كان المنسق العسكري للضفة والقطاع ومديراً سابقاً للمخابرات العسكرية ثم مستشاراً لحكومة باراك حول موضوع اللاجئين، فهو يقول أن "إسرائيل ترفض شرعية المطلب الفلسطيني. فلو انها اعترفت بحق العودة فإن ذلك سيعني الاعتراف بالمسؤولية، وبالتالي فبالذنب ايضاً، في التسبب بمشكلة اللاجئين. ولكن اسرائيل ترفض بشدة وحزم اية مسؤولية عن حرب 48 وهي ترفض أيضاً حق العودة لأسباب مادية اذ انه من المستحيل السماح للاجئين بالعودة الى منازلهم وأراضيهم الأصلية من دون ان يؤدي ذلك الى نسف المجتمع الإسرائيلي" شلومو غازيت في ورقته حول "مشكلة اللاجئين" - الدراسة رقم 2 عن مفاوضات الحل النهائي الصادرة عن مركز يافي - تل ابيب 1995- ص 7- 8. وهناك بعض الإسرائيليين ممن يوافقون على الاعتراف بمبدأ حق العودة طالما انه لا يفسّر على أنه اعتراف بالمسؤولية الأخلاقية الذنب وخصوصاً في حال دفع غير الإسرائيليين التعويضات وتقرر توطين غالبية اللاجئين في الدولة الفلسطينية أو في دول اخرى. ففي مقال صدر في هاآرتز بعنوان "إسرائيل ستدفع ولكنها تنكر اية مسؤولية حول اللاجئين" 14 تموز/ يوليو 2000 كتب ألوف بون Beun ان باراك يشدد على رفض إسرائيل الاعتراف بحق العودة الفلسطينية وأنها لن تقبل بتحمل اية مسؤولية شرعية أو أخلاقية في التسبب بخلق المشكلة عدا عن التعبير عن الأسف لآلام وعذابات اللاجئين". ومن الطرف الآخر فإن آرييل شارون، ومعه دوري غولد السفير السابق لدى الأممالمتحدة وما يسمى اليمين الصهيوني، والغالبية الكبرى من الرأي العام الإسرائيلي، تعارض حتى فكرة عودة اللاجئين الى الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع ذلك ان عودتهم ستؤدي الى خلق مشكلة ديموغرافية مستقبلية تسبب اللااستقرار في المنطقة كما تؤدي الى الضغط الدولي والإقليمي باتجاه عودة هؤلاء اللاجئين الى بيوتهم وقراهم وهو أمر يهدد امن إسرائيل. ويمكن القول ان الموقف الرسمي الإسرائيلي يقوم على التعامل مع قضية اللاجئين تحت عنوان "تبادل السكان" وبالتالي على ما دعا إليه دون بيرتز من القول بحصول تعادل في مسألة التعويضات منذ عام 1951 مقالته حول مسألة التعويضات في كتاب اللاجئون الفلسطينيون: قضيتهم ومستقبلها - مركز التحليلات السياسية حول فلسطين 1994. وترى اسرائيل انه قد حصل تبادل حقيقي وواقعي للسكان بين عرب 48 الذين هربوا، واليهود العرب الذين هربوا ايضاً بدءاً من عام 1951، خصوصاً أن هؤلاء اليهود قد تركوا هم أيضاً أملاكاً وأرزاقاً في البلاد العربية جرت مصادرتها والاستيلاء عليها. وموضوعة تبادل السكان هذه جرى التركيز عليها كثيراً في السبعينات حين نشطت "المنظمة العالمية لليهود القادمين من البلدان العربية" WOJAC ورئيسها موردخاي بن بورات، وأبرز قادتها الليبي موريس روماني الذين نشر عام 1975 كتاباً حول "اليهود القادمين من الدول العربية" وليس اليهود العرب جاء فيه ان عدد هؤلاء في العالم بلغ مليوني نسمة عام 1975. وقال ان تبادل السكان حصل عام 1948 اذ رحل 600000 لاجئ يهودي من الدول العربية الى إسرائيل في مقابل 590000 عربي "لبوا نداء الحكام العرب وتركوا ارض إسرائيل"، وهم اليوم يعيشون "وسط شعبهم في 20 دولة عربية حيث ان لهم نفس التراث واللغة والثقافة"... وبحسب دراسة اخرى اجراها "معهد دراسة الجماعات الإثنية والدينية" في جامعة بار إيلان الإسرائيلية، فإنه بين عامي 1948 و1976 رحل معظم اليهود العرب وعددهم 856000 ولم يبق منهم سوى حوالى 26 ألف ما لبث ان رحل معظمهم بين عامي 1976 و1990 ولإعطاء فكرة عن تلك الهجرة اليهودية العربية نذكر ان عدد اليهود المغاربة كان حوالى الخمسمئة الف عام 1948 265 ألفاً في المغرب - 140 ألفاً في الجزائر - 105000 في تونس لم يبق منهم عام 1976 سوى سبعة عشر الفاً في المغرب وألفين في تونس و500 في الجزائر، ثم ما لبث يهود الجزائر ان انتهوا وبقي بضع مئات في تونس وبضعة آلاف في المغرب... اما في ليبيا فقد كان عدد اليهود حوالى الأربعين الفاً بقي منهم عام 1976 فقط عشرون فرداً... وفي مصر بقي مئة فقط من اصل 75000، وفي العراق 400 من اصل 135000 وفي سورية 4350 من اصل 30000 هاجر معظمهم بعد عام 1990، وفي لبنان 500 من اصل 5000 هاجر معظمهم بعد عام 1982 وفي اليمن ألف من اصل 65000 هاجر معظمهم بعد عام 1990. ومن المهم هنا الإشارة الى أن الكثيرين هاجروا الى أوروبا وأميركا وليس إلى إسرائيل وخصوصاً يهود لبنان وسورية ومصر، في مقابل هجرة يهود اليمن والعراق وليبيا الى إسرائيل، خصوصاً بين عامي 1948 و1951، واليهود المغاربة بعد عام 1955. وبحسب مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي فإن عدد اليهود الذين جاؤوا من البلاد العربية بين عامي 1948 و1975 بلغ 586268، وأن عدد اليهود العرب الإجمالي في إسرائيل بلغ عام 1975 - 1136436 أي حوالى 41 في المئة من السكان وأن حوالى النصف مليون اقاموا في اميركا وكندا وفرنسا... وبين عام 1881 تاريخ وصول ألفي يهودي يمني الى فلسطين وعام 1948 انشاء دولة إسرائيل بلغ عدد اليهود العرب الذين هاجروا الى فلسطين 45 ألفاً، وعدد اليهود المولودين في فلسطين 253661. وبين عامي 1948 و1951 جاءت الدفعة الكبرى من العراق وليبيا واليمن وبين عامي 1955 و1957 جاءت الدفعة الأكبر من المغرب العربي حيث انهم شكلوا 69 في المئة من نسبة المهاجرين الى إسرائيل، و92 في المئة للعام 1955 تحديداً. أما على صعيد ما يسمى بمعسكر السلام في اسرائىل فإن ابرز مواقفه تتمثل في ما عرف باسم "خطة بيلين - ابو مازن" وهي وثيقة لم تنشر رسمياً وانما تناقلتها بعض الصحف الفلسطينية والاسرائىلية. والخطة المزعومة هي عبارة عن معلومات غير رسمية مبنية على نقاشات جرت عام 1996 بين وزير العدل في حكومة باراك الاخيرة يوسي بيلين وبين محمود عباس ابو مازن وهي تتضمن التصريح الآتي حول عودة اللاجئين: "تم الاتفاق على ان الدولة الفلسطينية لن تقصّر في استيعاب اللاجئين ضمن حدودها. وفي المقابل فإن الفلسطينيين يلتزمون عن حق العودة للاجئين الى الاراضي الواقعة ضمن الخط الاخضر". أما من جهة "حركة السلام الآن" فإن موسيه راز الأمين العام للحركة، وإثر تصريح الرئىس كلينتون بأنه ينبغي ان يكون في امكان الفلسطينيين العيش حيث يريدون، اوضح موقف حركته كالتالي: "ان حق العودة موجود. نعم ان لدى الفلسطيني الحق في العودة ولكن ليس من حقه تطبيق ذلك الحق. في الاساس ان الذين يريدون العودة الى يافا هم مثل اولئك اليهود الذين يريدون العودة الى الخليل. الاثنان، اليهودي الذي يريد العودة الى الخليل والفلسطيني الذي يريد العودة الى يافا، هم من المتطرفين وعليهم ان ينسوا رغباتهم". اما غوش شالوم كتلة السلام وهي الجهة الاكثر راديكالية بين مجموعات السلام الاسرائىلية عدا اولئك المعادين اصلاً للصهيونية والرافضين لدولة اسرائىل وهي التي دعت الى مقاطعة البضائع القادمة من المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة ودعت الى دعم اقامة دولة فلسطينية مستقلة، فهي اصدرت في 13 آب اغسطس 1999 تصريحاً حول حق العودة جاء فيه: "ان النزاع الاسرائىلي - الفلسطيني المستمر منذ مئة عام، لن يجد نهاية له دون حل مشكلة اللاجئين. ان اقامة تسوية - حل مع نصف الشعب الفلسطيني دون النصف الآخر لن تجلب سلاماً حقيقياً ودائماً. لن يكون هناك حل من دون حصول موافقة مبدئية من طرف حكومة اسرائىل على حق العودة وهو حق متجذر في الخلقية الانسانية وفي القانون والشرعية الدولية. وبهذا الصدد فإنه ليس هناك من فرق بين لاجئ اقتلع من وطنه بسبب احداث الحرب نفسها وبين لاجئ طردته اليوم القوات الاسرائىلية، او بين لاجئي 1948 ولاجئي 1967، او بين اللاجئين انفسهم وبين ذريتهم المولودة في الشتات. ان كل هؤلاء قد حرموا العودة. ان حق العودة يؤمّن للاجئين الفلسطينيين الاختيار الحر بين العودة الى فلسطين او التعويض". ولكن فلسطين في تصريح غوش شالوم هي "الدولة الفلسطينية التي ستقوم، وحق العودة يرتبط بالدعم الدولي للاجئين من خلال التوطين والاسكان والتعويض". وهي تقول: "انه فقط كعمل رمزي او من اجل لأم الجراح التاريخية بين الشعبين، فإنه بامكان اسرائىل السماح بعودة عدد من اللاجئين الى اراضيها، وهو عدد سيخضع ايضاً للتفاوض، كما ان هؤلاء العائدين ستتم اعادة توطينهم كسكان جدد ولن يسمح لهم بالعودة الى منازلهم وقراهم الاصلية لأنه لا يمكن حل قضية اللاجئين بخلق مشكلة لاجئين جديدة...". وهذه كانت اكبر الاشارات الاسرائىلية وأهمها المتقدمة حول الاستعداد لقبول مبدأ حق العودة! * استاذ في معهد العلوم الاجتماعية، الجامعة اللبنانية.