"لم نعرف ماذا رأينا، فنحن شاهدنا كل شيء، ولكننا لم ندرك معناه". هذه الجملة هي في مثابة خلاصة أفلام صدرت في الولاياتالمتحدة تتناول حوادث 11 أيلول سبتمبر 2001. وبعد نيف وخمس سنوات على 11 أيلول، تقوم الأفلام: "الرحلة 93" لبول غرينغراس، و"مركز التجارة العالمي" لأوليفر ستون، و"بضعة أيام من أيلول"، و"حكايات أرض الجنوب" و"تحت الأرض - الصفر"، مقام وثائق تؤيد فهمنا "مثالات الصور" التي بعثها 11 أيلول. وبين الأفلام القصيرة الثمانية المجموعة في قرص مدمج واحد موسوم ب"تحت الارض- الصفر"، ثمة عمل لافت للسينمائي التجريبي الليتواني الأصل، جوناس ميكاس، عنوانه"مسيرة إلى Alten Zeiten". ويعود ميكاس بالزمن الى الوراء، ويصور اصطدام الطائرة بالبرج الأول مباشرة من الشرفة التي يصور منها المصوّر، ويسجّل الأصوات المسموعة في الشارع، صوت أبواق سيارات الإسعاف والإطفاء، ويحاول التعليق على ما يجري. ولكنه يعجز عن فهم ما تراه عيناه. فكأن ما يراه يعصى الفهم ولا يدرك. ويفاقم انهيار البرج الثاني حيرته وعجزه عن استيعاب ما تلتقطه عدسة آل التصوير. وابتدأ ميكاس فيلمه بتصوير وجهه، ثم انتقل الى تصوير سحب الدخان. ولم يتبقّ للسينمائي المستلب سوى صور طارئة وعصية على الاستيعاب، وهي سلسلة صور متعاقبة تلتقط ما ليس حادثة بعد. ولا تشبه صور ميكاس صور نشرات الاخبار وبثها الحي، بل صور شخص مشدوه يشاهد ما يحصل. إنه الرعب عينه. وتماسك الصور المتداعية في الفيلم الثاني، "كما في السينما" للنمساوي ميكال كوسالوفسكي، 2006، مدته 21 دقيقة، مبهر. فهو يعرض لقطات من أفلام هوليوودية منها"يوم الاستقلال"و"غودزيلا"و "زلزال"، ويروي، تالياً، قصة 11 أيلول من طريق لقطات أعمال سينمائية صدرت قبل هذا التاريخ. وتقابل هذه اللقطات صور طائرة تنعطف... وتستمر القصة. وفي النهاية، تحصل الحادثة على مثال نعرفه. ونشاهد سيناريوهات الأفلام التي اقتبست اللقطات منها. وندرك أنها سيناريو حادثة واقعية وقعت بعدما قدم السينمائيون نتفاً منها على الشاشة. وأعاد كوسالوفسكي نسج الحقيقة، وجمع مشاهد من أفلام مختلفة، وولفها على نحو يظهر استباقها الواقع وحوادثه. فهوليوود صاغت أجزاء صغيرة من"سيناريو"11 أيلول الواقعي. والولاياتالمتحدة تكتب سيناريوها الخاص لأنها"تُخيِّل"الواقع أو تستبطنه في الخيال وتجعله جزءاً من اللاواقع. ولكن ما سبق لنا أن شاهدناه لم يكن بعد واقعاً. فنحن رأينا نتفاً من الحادثة، ولم نر الحادثة كلها في الأفلام السابقة. وتطابق أجزاء الأفلام أجزاء الواقع. فالكارثة خلفت أجزاء مبتورة أشلاء الجثث وردم الأبنية المتداعية.... ولا يسعنا التحرر من اثر صدمة 11 أيلول. فنحن أسرى عنف نعرف أنه ممكن وغير مستحيل. وفي الفيلم الثالث، ضمن ال"دي في دي"،"باخرة شحن"للهولندي جروين كوويمانس، 2005، مدته دقيقة و20 ثانية، عمل توليفي مبتكر. فيعرض كوويمانس صور باخرة شحن تتصدرها مدخنة كبيرة. وتمرّ الباخرة أمام البرجين، وتحجب صور الحادثة، فيختفي البرجان قبل انهيارهما وفي أثنائه وبعده. وبعد عبور الباخرة، ينجز البرجان اختفاءهما حقيقة من دون أن يتسنى للمشاهِد الوقت الضروري لإدراك ذلك. والحق أن الأفلام الثلاثة تقدم ثلاثة أمثلة من مثالات ادراكنا 11 أيلول. شيء ما حصل، ولكننا لا نعرف ما هو: كما في فيلم ميكاس"بث مباشر". وشيء ما حصل وحاكى وقائع افلام هوليودية. وشيء ما حصل، ولكننا لم نره حين عبرت الباخرة أمام البرجين، وحين أصبح العالم مائياً، مثل المحيط والبرجين والأدخنة و"الحياة السائلة"، على حد قول زيغمونت بومان، والمنسابة. فصور الكوارث سائلة، كل شيء يسيل... عن أوليفييه مونجان،"إسبري"الفرنسية ، 2 / 2007