لم يكن متوقعاً لدى الكثيرين ممن شاركوا في المسيرة الرافضة لقرار وزارة التربية والتعليم الفلسطينية مصادرة كتاب "قول يا طير" الذي يتضمن حكايات شعبية فلسطينية، ومنعه من التداول في المدارس الحكومية، أن يشارك في الاحتجاج، شبان وفتيات في العقد الثاني من العمر، ممن اعتبروا القرار تطاولاًَ على جداتهم، اللواتي طالما رددن حكايات"الشاطر حسن"، و"جبينة"، و"نص نصيص"، على أسماعهم، وهم صغار. وعلى رغم عدول الوزارة عن القرار، واعتراف الوزير ناصر الدين الشاعر، بعدم قانونية إتلاف الكتاب الذي أعده د. شريف كناعنة، ود. إبراهيم مهوي، لا تزال أجواء"قول يا طير"تسيطر على أحاديث العديد من الشباب، بخاصة طلاب الجامعات منهم. ويعبر عمار بلبيسي، طالب اللغة العربية، عن خشيته من تحول قرار المصادرة إلى نهج متواصل، ويقول:"ما زلت أذكر مقولة الشاعر الكبير محمود درويش، حين وصف قرار مجلس بلدية قلقيلية منع حفل فني لفرقة دبكة للبراعم، بحجة الاختلاط، بالبوادر الطالبانية. أخشى أن درويش تنبأ بالمستقبل، ففي غزة هناك من يستهدف مقاهي الإنترنت، باعتبارها بؤر فساد، والآن يستهدفون حكايات الجدة، و"الله أعلم شو اللي جاي". ويتابع بلبيسي:"ما زلت أتذكر بطولات الشاطر حسن. كانت جدتي تقص حكاياته علينا، وكنا لا ننام قبل معرفة مصيره، وما إذا كان سيخرج من المطبات التي كانت تصادفه. أستغرب وصف جداتنا بذوات اللسان البذيء، وقليلات الحياء، لمجرد اشتمال حكاياتهن على ألفاظ نتحدث بها جميعاً. ما استفزني حقاً أن القائمة التي وزعتها الوزارة وتشتمل على ما سمته"عبارات تخدش الحياء"، تتضمن ما لا يمكن بأي شكل من الأشكال ضمه لقائمة الكلام المؤذي، من بينها"يلعن أبوك على أبو اللي ناسبك وأعطاك بنته". والأدهى إخراج الكثير من هذه العبارات من سياقها العام. ويضيف بلبيسي:"كنا قبل سنوات نعاني من أعداء الفرح، أولئك الذين يهاجمون المقاهي، والمطاعم، والحفلات الغنائية التي كانت تقام في المدن الفلسطينية في الضفة وغزة، وكان آخرها إطلاق قذائف صاروخية على حفل نجم الغناء الفلسطيني، عمار حسن، في جامعة النجاح في نابلس، الصيف قبل الماضي، والآن بتنا نعاني من أعداء الثقافة، وحتى الشعبية منها". وتؤكد منتهى سلامة التي تعمل في مؤسسة خاصة، أن محاربة كتاب يشتمل على حكايات شعبية، قد تفضي إلى التحكم بلباس الفتيات، وربما الشبان، وبطريقة تصرفاتهم، وتقول:"أسمع أنهم في بعض أحياء مدينة غزة يفرضون ارتداء الحجاب على الفتيات، وقصت لي صديقتي حكاية قريبها الذي أطلق عليه مسلح النار، في منطقة رفيديا في مدينة نابلس قبل أيام، بحجة أنه يسير برفقة خطيبته بمفردهما!". وتضيف سلامة:"المشكلة هي في أن هذه التصرفات تعبر عن ثقافة تلغي من يخالفها الرأي، والكارثة أن هذه الثقافة لا تقتصر على تيار سياسي بعينه، وبالتالي لا يمكن أن نقول إن الخطر في حركة حماس مثلاً، بل إن الأمر ينطبق على تصرفات بعض مسلحي وأفراد حركة فتح، والحركات المسلحة الأخرى". وترصد سلامة، وهي لا تزال في منتصف العشرينات من عمرها، تراجع حجم الحريات في الشارع الفلسطيني، من عقد إلى آخر، وانكفاء الكثير من الشباب على أنفسهم، وفق أيديولوجيات أو أفكار أكثر تطرفاً. وتقول:"في ستينات القرن الماضي، كانت والدتي ورفيقاتها، يذهبن بحرية إلى السينما، أو إلى رحلة، أو حفل موسيقي، وهذا ما عاد متوفراً اليوم. ثقافة الانفتاح تتراجع بشكل كبير في فلسطين". ولم تتردد الطالبة منى غزال، برفقة صديقاتها في نشرها كتاب"قول يا طير"، على مواقع عدة على شبكة الإنترنت، في حين تم تصويره أيضاً، وتوزيعه على الراغبين في قراءته من طلاب الجامعات، والمرحلة الثانوية. وتقول:"نحن ضد إعدام أي كتاب، أو مصادرة فكر وحرية القارئ، والحكم بدلاً عنه على الأمور، وكأنه غير قادر على التفكير. قد يتضمن الكتاب بعض الألفاظ التي قد لا تصلح للأطفال، لكنها جزء من ثقافتنا. والدكتور كناعنة نفسه أكد أن الكتاب ليس للأطفال، لكن لا أعتقد أن طالباً في المرحلة الثانوية غير قادر على التمييز". وتضيف:"إنهم بذلك يستخفون بعقولنا، وإذا لم نقاوم محاولاتهم لتنصيب أنفسهم أوصياء على عقولنا هذه المرة، فإنهم سيتمادون في المرات المقبلة". وتفكر غزال، أن تنشئ مع عدد من زملائها في جامعات فلسطينية عدة، تجمعاً ضد"مجازر الرأي، وإعدام الحريات"، على حد تعبيرها، بحيث يكون خط الدفاع الشبابي الأول عن الحريات، ومن المقرر أن يحمل اسم"مسموح"، كلمة الضد ل"ممنوع".