النكات السياسية الفلسطينية التي عرفت ذروتها خلال الانتفاضة الاولى، نهاية ثمانينات القرن العشرين، تبدو معطلة راهناً، شأنها في ذلك شأن عملية السلام في الشرق الاوسط. وقد جابت المخرجة الفرنسة فانيسا روسلو طرقات الضفة الغربية في السنوات الاربع الاخيرة لاعداد وثائقي تلفزيوني غير مسبوق بحثا عن هذه "النكتة الضائعة". وجال الوثائقي وهو بعنوان "لنضع المزاح جانباً"، Blagues a part، في الاراضي الفلسطينية ملتقياً اشخاصاً يؤلفون النكات من وحي يومياتهم. وتقول المخرجة:"كنت اتوقع حساً فكاهياً اسود جدا (ساخر هازئ)، لكن من الصعب متابعة حركة الذهاب والاياب المتواصلة بين الضحكة والدمعة". فعلى سبيل المثال عندما سألت عبر الهاتف سكاناً في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة "حماس" والخاضع لحصار اسرائيلي، عن اخر نكتة، كان الرد: "كيف يجري طبيب اسنان عملية لمريضه؟ بفتح ثغرة في عنقه، لانه لا يحق لنا ان نفتح افواهنا". هذا النوع من الدعابات الذي ينم عن يأس فعلي, يكسر محرمات المجتمع الفلطسيني لكنه يشكل، بالنسبة إلى الفلسطينيين بخاصة، طريقة للتفسّح وتمضية الوقت، كما تعتبر فانيسا روسلو. والاماكن، حيث يبدو الوقت طويلاً جداً وصعباً، هي المعابر والحواجز الاسرائيلية التي يبلغ عددها حوالى ال600 في الضفة الغربية. وفي طوابير الانتظار الطويلة جدا احيانا, يتبادل الناس النكات. ويقول فلسطيني في الوثائقي "سأروي لكم نكتة حول شخص يريد عبور معبر". ويمضي قائلاً: "يقول الجندي الاسرائيلي "اذا اردت المرور عليك ان تنزع حذاءك وان تجلب لي الشاي". فينفذ الفلطسيني الامر ويخلع حذاءه ويذهب ليجلب الشاي. في هذه الاثناء يتبول الجندي في حذاء الفلسطيني. ويعود الفلسطيني ويعطيه كوب الشاي، ويضع حذاءه مجددا ويسمح له الجندي بالمرور. فيلتفت اليه الفلسطيني قائلاً: "ايها الجندي طالما انك تتبول في حذائي وانا اتبول في كوبك، لن تسوّى الامور بيننا قريباً"". لكن المخرجة التي امضت اشهر في بيت لحم (الضفة الغربية)، لمتابعة دروس بالعربية والعبرية تقول إن النكات "نضبت الان"، وتوضح بأن النكات "تُطلق عندما يكون هناك امل او مراهنة على المستقبل. اما اليوم فلم يعودوا يرون النور في نهاية النفق على ما يبدو". ويشاطرها الرأي شريف كناعنة استاذ الانتروبولوجيا والتراث في جامعة بيرزيت. وقد بدأ هذا المؤرخ بجمع النكات السياسية بعد اندلاع الانتفاضة الاولى في 1987، ووصل عددها الى نحو الالفين. ويقول كناعنة: "اصبح الأمر بالنسبة لي طريقة لمراقبة وضع الفلسطينيين النفسي وخصوصا معنوياتهم". وهو يتلقى اتصالات منتظمة من طلابه واصدقائه لاطلاعه "على اخر النكات". الا ان هاتف عالم الانتروبولوجيا لم يعد يرن كثيراً منذ الحرب الاخيرة في غزة نهاية 2008، التي ادت الى توقف مفاوضات السلام بين الفلطسينيين والاسرائيليين. ويوضح كناعنة "بعض الفترات لا تكون مناسبة لانتاج النكات. وهذه هي الحال راهنا". والوثائقي وهو في طور المونتاج حاليا اطلق بفضل محطة "بلانيت" التلفزيونية عبر الكابل، التي ستبثه في فرنسا نهاية 2010. ويموَّل الفيلم جزئيا عبر رواد انترنت من خلال موقع الكتروني مكرّس لهذه الغاية. ويقول منتجاه فيرجيني مونييه وادوار غبينز انها طريقة لجعل محتوى الافلام الوثائقية المتلفزة في "متناول الجميع". وشدد المنتجان على ان هذا الوثائقي "ليس مشروعاً مرتباً معَدّاً ليدرج في خانة محددة من برامج المحطة، ولكنه رغم ذلك وجد جمهورا خاصاً به، منذ الان". ___________ * دافنيه روسو