سألت مصادر ديبلوماسية عربية ما إذا كان لبنان قادراً على ان يستعيد هدوءه تدريجاً لتشكل القمة العربية التي ستعقد في المملكة العربية السعودية آخر الشهر الجاري محطة حاسمة لبدء مرحلة من الانفراج السياسي عبر تفاهم أطراف النزاع على مخرج لإنهاء التأزم مدعوماً هذه المرة بتأييد عربي تؤسس له المساعي السعودية - الإيرانية المشتركة. وأكدت المصادر نفسها لپ"الحياة"ان الفرصة ما زالت سانحة للبنان للتغلب على أزمته الداخلية شرط ان تبادر القيادة السورية الى إعادة النظر في مواقفها لجهة التسليم بمبادرة الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى التي تدعمها الرياضوطهران. ولفتت المصادر الى ان اتصال الرئيس المصري حسني مبارك بنظيره السوري بشار الأسد في اختتام القمة المصرية - السعودية التي جمعته وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يعكس مدى استعداد الأول للعب دور فاعل، وإنما غير حيادي، لإعادة تطبيع العلاقات السعودية - السورية. وأضافت المصادر الديبلوماسية ان اتصال مبارك بالأسد تناول مجموعة من العناوين انطلاقاً من تبنيه وجهة النظر السعودية من الخلاف القائم بين دمشقوالرياض في مقدمها: - ان لا مشكلة أمام إعادة الروح الى العلاقات السعودية - السورية، لكن على قاعدة مبادرة الرئيس الأسد الى تصحيح الخطأ الذي كان وراء تدهورها وهذا يتطلب معالجته في العلن على ان يترك للأخير الطريقة التي يختارها لتصحيحها. - ليس هناك من يستهدف النظام السوري، لكن عليه ان يبادر الى تغيير جذري في سلوكه حيال الملف اللبناني الذي يشكل المدخل الأساس لدمشق لتصحيح علاقاتها بالمجتمع الدولي ووضع حد لاستمرار تصادمها معه. - لم يعد من مفر من تشكيل المحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، خصوصاً ان معارضتها ستؤدي الى إقرارها في مجلس الأمن تحت الفصل السابع. - ان لبنان يؤيد الجهود الآيلة الى تصحيح العلاقات اللبنانية - السورية انما على خلفية وقف التدخل في شؤونه الداخلية وعدم العودة بالوضع الى الوراء انطلاقاً من تسليم النظام السوري بأن أمام لبنان مرحلة جديدة تفرض عليه التعاطي معها بمرونة وانفتاح بدلاً من تهديد الاستقرار العام فيه. - ان تكرار النظام السوري رفضه الفتنة المذهبية في لبنان لا سيما بين السنّة والشيعة يجب ان يقترن بدعم المساعي السعودية - الإيرانية لقطع الطريق على حصولها خلافاً لما هو قائم الآن إذ تبدي دمشق مقاومة شديدة لهذه المساعي. وفي هذا السياق أوضحت المصادر ان القيادة المصرية لا تتوسط بين الرياضودمشق بمقدار ما أنها تجد نفسها معنية بتأييد الموقف السعودي، إضافة الى أنها تتعامل مع حسم الخلاف حول المحكمة الدولية لمصلحة قيامها كمدخل لإعادة ترتيب الوضع اللبناني باتجاه الوصول الى تسوية متلازمة ومتوازنة. وتابعت ان القاهرة تنتظر جواباً سورياً نهائياً في شأن المحكمة من دون ان تستبعد ان يحمل وزير الخارجية السوري وليد المعلم هذا الجواب الى الرئيس مبارك الذي ينتظر ان يستقبله على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب بعد غد الأحد في القاهرة وبالتزامن مع استقباله وزير الخارجية اللبناني بالوكالة طارق متري الذي سينقل اليه رسالة من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي كان تشاور هاتفياً مع الرئيس المصري في أعقاب انتهاء القمة السعودية - المصرية. وسألت المصادر:"هل سيحمل المعلم الى القاهرة جواباً نهائياً وقاطعاً حول المحكمة وفي الاتجاه الذي يؤدي الى سحب العراقيل التي ما زالت تحول دون انشائها، خصوصاً ان الرئيس الأسد كان ابلغ الرئيس سليم الحص عندما التقاه أخيراً في دمشق انه لا يعترض في المبدأ على المحكمة لكن لديه ملاحظات كما لبعض الأطراف في لبنان ملاحظات عليها وانه في نهاية المطاف يدعم ما يتفق عليه اللبنانيون في هذا المجال؟". وأضافت:"هل سيحمل المعلم الجواب نفسه الذي سمعه الحص من الأسد خصوصاً ان قوى المعارضة في لبنان سارعت الى تبني الموقف السوري من المحكمة وهذا ما أظهرته من خلال البيان الذي وزعته على وسائل الإعلام باسم مصادر قيادية وفيه أنها مع تأجيل إنشاء المحكمة الى حين الانتهاء من التحقيق في جريمة اغتيال الحريري، أم انه سيطور موقفه بما يسمح لدمشق بالمباشرة في تحقيق فك اشتباك مع المجتمعين الدولي والعربي؟". وإذ أكدت هذه المصادر وجود بوادر انفراج في الأزمة اللبنانية مع الإشارة الى أن لا شيء نهائياً ما لم يتبدل الموقف السوري، قالت أوساط مقربة من المعارضة لپ"الحياة"إنها لم تعرف الأسباب التي حالت دون مبادرة النظام السوري الى تصحيح علاقته بالرياض مستفيداً من زيارة وزير الدولة السعودي عبدالله زينل دمشق لدعوة الأسد، باسم خادم الحرمين الشريفين، الى حضور القمة العربية. وأشارت الأوساط نفسها الى أنها كانت في أجواء مبادرة دمشق الى إصدار موقف من شأنه ان يفتح الباب أمام إعادة تطبيع العلاقات السورية - السعودية لكنها لم تعرف الأسباب التي أدت الى صرف النظر عنها، وما إذا كانت تتعلق برغبة الأسد في ان يتناول شخصياً هذا الملف في الخطاب الذي سيلقيه في الثامن من آذار مارس المقبل في ذكرى وصول حزب"البعث"الى السلطة في سورية. بدورها أكدت المصادر الديبلوماسية ان عقد القمة العربية في المملكة العربية السعودية يشكل منعطفاً أساسياً في مصير الوضع في لبنان وان مستقبل العلاقات السعودية - السورية إضافة الى علاقات دمشق بعدد من الدول العربية والمجتمع الدولي تتوقف على مدى الاستعداد السوري للتجاوب مع المساعي السعودية - الإيرانية في ظل القناعة السائدة لدى طهران بأنها تمهد الطريق أمام لبنان ليستعيد استقراره الأمني والسياسي وان كانت لا تريد التفريط بتحالفها مع دمشق، على رغم ما لديها من ملاحظات في شأن سلوكها حيال الملف اللبناني. وفي الختام قالت المصادر ان الكرة الآن في الملعب السوري وان الرئيس مبارك يسعى الى فتح الأبواب أمام دمشق لتعيد العافية الى علاقاتها العربية والدولية لكن على الرئيس الأسد ان يحسم موقفه لا سيما ان الرهان على تمرير الوقت لم يعد في محله، إضافة الى ان من غير الجائز التقليل من أهمية زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للرياض غداً.