"لم يعد الحال كما كان"، كلمات بسيطة يرددها صاحب المحل المجاور ل "نادي طهاة مصر" الحاج حسني مصطفى وتختزل واقع المقهى الذي كان في الماضي بمثابة رابطة للطهاة يتجمعون فيه بعد انتهاء عملهم في قصور أحد الباشوات أو بيوت "الهوانم" الفخمة. المكان شاهد على ثرثراتهم بعد يوم طويل متعب، يشتكون من سوء وضعهم الاقتصادي، وهم يدخنون"الشيشة"المصرية، علّ دخانها يُخرج من قلوبهم هموم الحياة. لم تنسَ جدران النادي بعد ضحكاتهم التي كانت تزّين شارع المنصور قرب سوق باب اللوق، وتضفي عليه شيئاً من الحيوية. مقهى الطباخين أو"نادي طهاة مصر"كما يطلقون عليه، القريب من قصر عابدين، حيث قصر الملك، لا يوجد له رابط بمدلول الاسم سوى ماض جميل. يروي مصطفى ميزات المكان."فعندما أنشأه الطاهي إبراهيم التونسي قبيل الثورة بقليل في العام 1952 كان لا يجلس فيه سوى طهاة "الأكابر" وعلية القوم. ويكاد ينقسم المقهى إلى ثلاثة أقسام الأول للأسطى أو الشيف حالياً وبالقرب منه"السكندو"الذي يقف قرب النار وعدد قليل ممن يعرفون باسم"المرمطون"أي المتخصصين بمساعدة الأسطى في مهمته". يحكي مصطفى الذي يمتلك محلاً للحلاقة قرب النادي، كيف كان منذ صغره يشاهد كبار الطهاة وكان يطلق عليهم في الماضي"عشي باشا"، فكان يجلس هناك ويشير إلى مكان تجمعهم وينتظر"المرمطون"حتى يأتي له باحتياجات المطبخ من سوق باب اللوق القريب من المقهى. الآن اختلف الوضع، فمنذ وفاة التونسي الذي أنشأ المقهى لجمع أبناء المهنة لم يعد أحد يهتم بالمقهى. سميرة زوجة التونسي حاولت أن تُبقي للنادي مكانته إكراماً لذكرى زوجها، فأدارت المقهى لكنها تقدمت في السن ولم تعد تستطيع النزول إليه فقامت بتأجيره. وعلى رغم كبر سن الحاج مصطفى فهو لا يزال يتذكر أسماء أشهر الطهاة، وحتى أماكن جلوسهم، فيشير إلى مكان جلوس إبراهيم خليل الكبير طباخ الملك وإسماعيل قمصان حلواني الملك، وحسين مبروك طباخ الملك حسين ملك الأردن، متذكراً عدداً من هؤلاء الطباخين الذين غادروا مصر إلى الخليج بحثاً عن الرزق، موضحاً أن"غالبيتهم عملوا لدى الأمراء حتى انهم حاولوا تكوين الرابطة نفسها هناك، وكانوا يجتمعون في مقهى البغدادية في جدة". الطباخون الذين أسّسوا هذا النادي رحل معظمهم، آخر من تبقى منهم الأسطى محمد المدني الذي يأتي بصورة متقطعة إلى النادي الذي أصبح بمثابة مكان أثري بالنسبة الى جيل الشباب من المصريين والسياح الأجانب. لكن أكثر ما يُحزن مصطفى الذي ترعرع قرب النادي سوء الوضع الاقتصادي للطباخين،"لذلك لا يأتون إلى النادي فوقتهم ليس ملكهم وأحوالهم المادية لا تسمح لهم باضاعته"!