في الذكرى الخمسين لولادة مجلة "شعر"، أهم ما استذكره، ذلك الشغف القديم بالشعر، اقصد شغف الشعراء والناس، والهامشيين والحالمين، كفعل وجود، وفعل تغيير، وفعل حياة. ومجلة "شعر" صُنعت من هذا الشغف، لا سيما شغف مؤسسها يوسف الخال، الأجمل والأنبل والأوفى والأكرم... والأكثر شغفاً. وبهذا الشغف الحي، المجاني، انتقلت من كشكول يجمع ما كان سائداً أو سابقاً وبلا نظرية مسبقة. لا سيما في أعدادها الأولى، من شعر تفعيلة وعمودي، الى موقع آخر. بدأت بنصوص عمومية لأحداث كبيرة وغير كبيرة: من جورج غانم، الى بدوي الجبل، الى جورج صيدح وخليل حاوي، وفؤاد رفقة، وأدونيس، وفدوى طوقان وبدر شاكر السياب... وكلهم ينتمي إما الى تجربة الشعر الحر أو العمودي سعيد عقل لم ينشر فيها أو الى التفعيلة... من دون أي قصيدة نثر واحدة في اعدادها الأُوَل. أو أي نظرية"مغايرة"او أي دعوة الى"التمرد"وپ"الفوضى"وكسر السائد... الى آخر هذه المقولات التي سادت أوروبا وأميركا منذ نهايات القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين. بيروت في نهاية الخمسينات كانت سبقت الجميع الى احتضان الرهانات الجديدة، والثورية، كان المجتمع كله في لبنان في طور الخروج من التاريخي والتقليدي والمحافظ والجامد الى ما هو جديد، ومتغير، ومتحرك... ومجهول. وكلنا يذكر ذلك الغليان الثقافي والفكري والسياسي والنقابي والطالبي في تلك المرحلة المؤسسة لثقافة جديدة متعددة في ظل ديموقراطية ناشئة وإن نسبية. وكان على مجلة"شعر"ان تلتحق بهذا الغليان الذي يحيط بها، ليكون لها الحيز الذي يليق بها، ويليق ببيروت، وكان عليها ان تتدارك كونها مجرد مرآة للثقافة الى ان تكون نافذة بل ونوافذ وآفاقاً. وكان على بعض الأصوات الهامشية ان تنبثق لتحاول إعطاء الوجه البيروتي - التجاوزي للمجلة كمحمد الماغوط، وأنسي الحاج، وأدونيس، وشوقي ابي شقرا، وبشر فارس، وفؤاد رفقة... وعصام محفوظ. وكان على المجلة، ان تكون بذلك ابنة المكان الذي شحنها بطاقاته المدينية معظم شعرائها من الأرياف، أي ابنة التحولات التي كانت تتمخض بها بيروت، إزاء التحولات التي كانت تجسدها مجلات كپ"الآداب"ابنة الفكرة العربية المتفتحة، من قومية عربية وعروبة والتزام. إذاً، بيروت الشغوفة اصابت بعدواها والشغف عدوى كل شيء. بل كأن كل شيء كان شغوفاً كبيروت، وشعراء مجلة"شعر"لم ينجوا من هذه العدوى. كانوا شغوفي الحلم، والاختلاف، والجديد، والتمرد، والحرية. هكذا كانت بيروت، وهكذا كان الشعراء من"شعر"وسواها. ولكن اين هم اليوم، شغوفو الأمس؟ اتراهم شفوا من العدوى، لتصيبهم اخرى، وتنقلهم الى المقالب الأخرى من عبادة الذات، والسعي الى التكريس، وفقدان الهامش والانضمام الى... سلامة الهامش. شاعر لبناني