يحاول خمسة فنانين عراقيين العودة الى "ذاكرة الزمن الغابر" عبر معرض بعنوان "تضاريس الذاكرة" افتتح في بغداد ويضم اعمالاً فنية تنوعت بين اللوحات والنحت والسيراميك. ويستمر عرض هذه الاعمال، التي تعود الى تجارب مختلفة ولأكثر من جيل، في قاعة"حوار"وسط العاصمة على مقربة من اكاديمية الفنون الجميلة حتى العاشر من شباط فبراير الجاري. ويحاول الفنانون اكرم ناجي وقاسم السبتي وكريم سيفو وحيدر علي وشداد عبدالقهار تحفيز الذاكرة بهدف الاستمتاع بمخيلة الزمن الماضي والتخلص من الاوقات الصعبة التي يمر بها العراقيون وازالة غبار التفجيرات التي حولت شوارع بغداد الى اماكن للموت. ويقول الفنان قاسم السبتي لوكالة"فرانس برس"ان"اقامة المعرض محاولة للتخلص من اثار الزمن العصيب في هذه المرحلة ... كما انه يشكل فرصة امام المهتمين في الشأنين الثقافي والفني للغوص في اعماق هذه الاعمال". ويضيف السبتي، الذي يدير قاعة حوار"ان"الاعمال المعروضة تعود الى تجارب فنانين ينتمون لأجيال مختلفة تتوزع بين فترتي السبعينات والتسعينات من القرن الماضي". يُشار الى ان قاعة"حوار"تعتبر حالياً مركزاً ثقافياً مصغراً يلتقي فيه مثقفون وادباء وفنانون يجدون في اجوائه فرصة لإطلاق ابداعاتهم بعدما حاصرت الاوضاع الراهنة كل المنتديات الفنية والثقافية. وانطلقت قاعة"حوار"العام 1992"لتكون حلم كل العائدين من الحروب سواء كانوا من الفنانين والادباء والشعراء او كل المثقفين بعدما خاضوا حربين اعتبارا من 1980 و1991"، وفقاً للسبتي. واستضافت القاعة عدداً كبيراً من الانشطة الفنية المتنوعة وتحولت الى ملتقى لأمسيات ادبية وفنية وبدأت استضافة المعارض العام 1994 بحيث بلغ عدد ما احتضنته"حوار"ما لا يقل عن 123 معرضاً. يُشار الى ان قاعات عدة كانت تستضيف المعارض والانشطة الفنية اغلقت ابوابها الاعوام الماضية نتيجة الاوضاع الامنية ولم تعد هناك اي قاعة للمعارض التشكيلية سوى تلك العائدة لدائرة الفنون التشكيلية التابعة لوزارة الثقافة. واستضافت قاعة دائرة الفنون التشكيلية العام الماضي معرضاً لاعمال تعود لفنانين عراقيين مرموقين استعيدت بعد نهبها من المركز الفني العراقي خلال الاجتياح الاميركي لبغداد في نيسان ابريل 2003. وتعود تلك اللوحات للفنانين فائق حسن وحافظ الدروبي واعمال النحت للفنان اسماعيل فتاح الترك وغيره. ويبرز السبتي في لوحاته، وعددها 14، عملية نهب وحرق الكتب العائدة الى اكاديمية الفنون الجميلة عندما قامت جماعة بإحراقها بعد التاسع من نيسان ابريل 2003. ويقول السبتي 53 عاما، خريج اكاديمية الفنون الجميلة عام 1980،"احاول من خلال هذه الاعمال اعادة الحياة الى تلك الكتب النوعية عبر تحويل اغلفتها التي سلمت من هشيم النار الى كائن حي ينطق بجريمة قتل الفن". ويطلق السبتي على اعماله، التي طافت عدداً من معارض نيويورك وطوكيو وباريس،"اقنعة النص"، ففي نهاية العام 2003"استضاف معرض"غاليري ام"في باريس هذه الاعمال قبل ان تنتقل الى نيويورك وطوكيو 2006". يُشار الى ان خمسة آلاف كتاب في مختلف انواع الفنون احرقت في مكتبة اكاديمية الفنون الجميلة. ويقول الفنان:"عدد الاعمال التي انجزتها عبر الاستعانة بأغلفة الكتب المحروقة بلغ نحو 400 لوحة وسأستمر حتى يصل عددها الى الف لوحة ولوحة تيمناً بألف ليلة وليلة". واضاف السبتي على لوحاته المنطلقة من تجربة فنية عراقية معاصرة قطعاً من القماش منحت الاعمال طاقة تعبيرية بصرية مبهرة تترك للمتلقي حرية التفسير والتعبير ضمن دائرة تعكس مدى الدمار الذي اصاب الثقافة والفنون. وتنوعت اعمال معرض"تضاريس الذاكرة"بين اعمال في الخزف للفنان العراقي اكرم ناجي 62 عاما ضمت 30 قطعة تعبيرية متنوعة ولوحات للفنانين شداد عبدالقهار 46 عاما وكريم سيفو 54 عاما وحيدر علي 41 عاما. واستعان علي بلوحاته الخمس المشاركة في المعرض بعيدان القصب التي غزت احدى لوحاته في اشارة الى كثرة فوهات البنادق الموجهة الى العراقيين. ويعتبر فنانون ومثقفون وطلاب معاهد واكاديمية الفنون الجميلة ان"تضاريس الذاكرة"محاولة لإعادة ضخ الحياة في الفنون لأن عملية الذهاب الى قاعات العرض اصبحت مجازفة لا يجرؤ عليها سوى قلة من المهتمين.