تعد العاصمة العراقية بغداد مركزاً يستقطب أغلب فناني البلاد لما لها من دور في نشر الفن بكل اتجاهاته واشكاله سواء عن طريق قاعات العرض المنتشرة، أو التقاليد التي أرستها “الجماعات الفنية” لهذه المدينة التاريخية، الا ان ما يلاحظ منذ فترة ليست بالقصيرة هو ندرة المعارض و إغلاق ابواب معظم هذه النوافذ الفنية التي لم يتبق منها سوى النذر اليسير فاتحا ابوابه امام الفنان والجمهور الذي أخذ ينحسر هو الاخر يوماً بعد يوم بسبب الأوضاع غير المساعدة على الحركة الفنية. أما من جانب الفنانين فإن الغالبية المهمة منهم قد غادرت العراق هرباً من دوامة العنف والموت المستمر، على الرغم من التحسن الامني النسبي المتحقق في البلاد منذ فترة، وقد زاد الصورة قتامة باغلاق اغلب شوارع بغداد الشهيرة والتي كانت مقراً لهذه الاماكن الاثيرة. دخلت ”المدينة” طريق الالوان من خلال قاعة (حوار) الكائنة في منطقة الوزيرية، بالقرب من اكاديمية الفنون الجميلة، واستفسرنا عما اذا كان هناك معرض مقام في هذه القاعة، ليأتي صوت من كان جالساً قرب الباب قائلا: “القاعة تقيم بين آن وآخر معرضا لهذا الفنان أو ذاك، في محاولة لان تديم الحراك الفني، ولو بأدنى الحدود، آخذة بمبدأ الحركة، مهما كانت بسيطة، خير من السكون، وإن كان هذا ليس طموحنا». اما في «قاعة اثر» القريبة منها في المنطقة ذاتها، فقد بدت الاتربة تغطي واجهتها، ما يدلل على انها اغلقت ابوابها منذ زمن ليس بالقصير، وهي التي كانت تحفل بالمعارض ذات التوجه الفني الواضح، سواء الشخصية منها او الجماعية.. لنعلم من احد الفنانين الذين مر مصادفة من هناك ان «القاعة مغلقة منذ اكثر من ثلاثة أعوام، وان مديرها الفنان محمد زناد يقيم خارج العراق بعد ان وجد حياته، كناشط في مجال الحركة الفنية، معرضة للخطر». قاعات أخرى في الحي ذاته “الوزيرية” أغلقت أو ألغيت.. باستثناء «قاعة مدارات» المتفرعة من»كافتريا»يلتقي فيها بعض الفنانين من اساتذة اكاديمية الفنون، وطلبتها، وهي الأخرى تحاول تنشيط الواقع الفني، ولكن في حدود الممكن والمتاح، وقد أقامت عددا من المعارض معظمها لشباب لم تأخذ أسماؤهم حضورها بعد على الساحة الفنية. غياب المؤسسة الحكومية المعنية بمجال الثقافة والفنون إلى حد كبير، وانحسار الدعم الحكومي للمشروعات الفنية الأهلية، ألحق اضرارا يوصفها قاسم سبتي مالك معرض “حوار” والذي يشغل منصب نائب رئيس جمعية الفنانين التشكيليين، ب “القاسية”على الفن التشكيلي. أسعد الصغير، فنان تشكيلي، ومدرس في اكاديمية الفنون الجميلة، يروي ل “المدينة” رحلته الاخيرة الى مناطق شمال بغداد، ظناً منه بأنه سيستطيع ان يرسم الطبيعة كما كان يفعل في السابق حين يذهب بمعية اصدقائه من الرسامين، ويقول:كنا نشد الرحال خلال شهري “مارس” و“ابريل” الى اشهر المناطق الزراعية والجميلة من البلاد، والبقاء بين احضانها لفترة قد تتجاوز الاسبوعين نكون خلالها قد انهينا اكثر من لوحة لنشارك بها ضمن معرض الربيع الذي اعتدنا المشاركة فيه كل عام قبل احتلال البلاد، ما دفعني واصدقائي في محاولة لاعادة الروح لما كنا اعتدنا القيام به». ويمضي قائلا: “ما أن بلغنا أطراف بغداد حتى بدأت المعاناة الحقيقية لهذه -الرحلة المغامرة-، سيما وان اكثر من نقطة تفتيش أجبرتنا على فتح معدات الرسم وتفتيشنا بصورة دقيقة، مع توقف دام زهاء الساعتين في انتظار مرور “رتل أمريكي” ومع بلوغنا المكان المنشود جوبهنا بمعارضة اصحاب المزرعة التي اعتدنا الذهاب اليها، بسبب تردي الاوضاع الامنية، ما حملنا على العودة على نفس الطريق وتكبد الصعوبات ذاتها مرة اخرى، متوجهين بسيارتنا الى (الاستديو الخاص بنا) ليكون ملاذنا لرسم ما طبعتها ذاكرتنا لطبيعة البلاد الغائبة”.