الديبلوماسية لم تنزع فتيل أزمة. ولم توقف يوماً حرباً مقررة، ولا صراعات حتمية تجتمع فيها عناصر التفجير. ولم تحل مشاكل عالقة منذ زمن، الا ما كان قد حل تاريخياً، ولم يبق الا الشكليات لتثبيت وضعه. والديبلوماسية تتدخل عندما يطرأ حادث يعكر صفو العلاقات بين الدول، أو غير مقدر له الحدوث، أو يأتي بسبب خطأ فردي أو سوء تفاهم، مثل واقعة فردية معينة أو زلة لسان لمسؤول سياسي. وهي تتدخل على مستوى أممي أوسع عندما ينشأ خلاف بين الدول على حدود أو خرائط غير موثقة. ولم تتمكن ديبلوماسية المفاوضات، ولا ديبلوماسية المناسبات من حل المشاكل العميقة بين الدول. وعلى العكس، فقد تأتي الديبلوماسية لتسريع تنفيذ المخططات السياسية للحرب، وليس لتجنبها. وأول وسيلة ديبلوماسية"بدائية"لترسيخ السلام بين الدول كانت في العهود والحروب الملكية، وكانت تتم من طريق المصاهرة. لكن هذه الطريقة لم تكن حلاً مبتكراً لإيجاد المخارج من الحروب. فالديبلوماسية على هذه الشاكلة لا تحل بحد ذاتها وفي لحظتها المشاكل، وإنما تأتي تتويجاً لحل الخلافات على الصعيد السياسي. حالياً، تكثر المبادرات ولا تنفع في إصلاح ذات البين في أزمات عدة مثل تلك الناشئة في الوضع اللبناني. فالمبادرات السلمية الأخيرة رفضتها الأطراف الداخلية المتخاصمة تباعاً، في المرحلة الأولى بسبب مخاوف فريق معين من أن يأتي الحل كتسوية بين القوى الإقليمية المتنافسة، على حساب التطلعات اللبنانية. وفي المرحلة الثانية، لأنها بالنسبة الى الفريق الآخر، تشكل حلاً أخيراً يمنع القوى الإقليمية المتقدمة من إكمال تدخلاتها وفرض قراراتها على الوضع الداخلي. وفي مراحل أخرى من التاريخ اللبناني، لم تستطع المحاولات السياسية المحلية تجنب وقوع الحرب الأهلية. وفي الثمانينات أيضاً لم يستطع المبعوثون الأميركيون الى المنطقة، وبعضهم من أصل لبناني، أن يأتوا بأكثر من سعيهم الى تنظيم خروج الفلسطينيين من لبنان تحت وطأة الاجتياح الاسرائيلي والمجازر. وعلى العكس، فالجولات السياسية المكوكية التي قادها هنري كيسنجر في بدايات الحرب، كانت تعمل على تأليب اللبنانيين على الفلسطينيين وتفجير الوضع لفرض حل أميركي للقضية الفلسطينية، لم ير النور حتى الآن! وما زاد في الأمر تعقيداً أن اتفاقيات كامب ديفيد الأولى جعلت الأميركيين والاسرائيليين يستفردون بالدول العربية في حلولهم ويجعلون لكل مسار سلمي ورقته الخاصة. وفي حرب الخليج الأولى لم تتمكن الديبلوماسية عبر مفاوضات الساعات الأخيرة على مستوى وزراء الخارجية بين أميركا والعراق من تجنب الحرب. وكيف تنجح وهي لم تستطع حل القضايا التاريخية العالقة، مثل المسألة الباكستانية - الهندية والقضية الفلسطينية ومسار السلام الاسرائيلي - السوري. ولا يزال يقال ان المشكلة مسألة شجاعة وإقدام. حتى أنه يقال ان أميركا تعرقل أي تقارب بين بعض الأطراف في هذا المجال. وقد رأينا قبل ذلك كيف أن الديبلوماسية في مؤتمر جنيف في عهد بيل كلينتون لم تحل عقدة الانسحاب من الأمتار الأخيرة. ان الديبلوماسية على أبعد تقدير لا تكون الا تكريساً لواقع راهن statu quo، ولا تدور المفاوضات والخلافات عندها بين الأطراف الا حول القسمة او الغنيمة أو من يكسب أكثر، مثلما كان الوضع في مؤتمر يالطا في أعقاب الحرب العالمية الثانية حيث لعبت شخصية ستالين في المفاوضات دوراً لكسب مساحات واسعة كان قد سيطر عليها عسكرياً، ورسخ انتزاعها من الاستعمار البريطاني الذي خرج خاسراً في حينه تاركاً الساحة السياسية العالمية للصراع السوفياتي - الأميركي ضمن ما عرف بالحرب الباردة. بيتر قشوع - لبنان - بريد الكتروني