يجادلون الاميركيين في نشر الديموقراطية، ويرفضون تطبيقها على انفسهم، ويتذرعون بأن الديموقراطية لا تنتشر بقوة الدبابات، او بالاحتلال، وبأن الدول العربية غير مستعدة حالياً لأن تتحقق فيها الديموقراطية وهذا ما لا تفهمه اميركا... وهذا ما لا يفهمه ايضاً العقل الذي يقارن الاقوال بالأفعال. فكم مرة تبجحوا بأنهم آباء الديموقراطية، وبأنهم مفطورون عليها، وبأن حكمهم ودولتهم كانا طوال التاريخ مشاركة ومداورة كذلك؟ وحتى انقلاباتهم، وحروبهم السياسية والطائفية، هي من البيئة الديموقراطية، وتواجه الافكار وتفاعلها. وهذا اكبر دليل على وجود الديموقراطية الراسخ. يقولون ان "غزوة نيويورك" كانت لجعل الغربيين يلتفتون الى الحضارة العربية، ويطلعون على منجزاتها. والبرهان انه، بعد هذه الاحداث، زاد عدد الاميركيين المتعلمين للغة العربية. هكذا، فبدل ان نغزو المجتمعات الغربية بالكتب والدراسات والاختراعات، صار من الافضل ان نغزوها بنشر القتل والرعب وغريزة الموت. وكأن الحضارة صارت تنشر بالحقد والقتل والدمار، وليس بالسلام. وكأنهم لا يملكون اساساً غير "حضارة" الرعب والقتل لينشروها. لا يريدون ان يتدخل العالم في امورهم. وهم سعيدون ان يروا تفجيرات مثل التي حصلت في مدريد، قسمت التحالف وجعلت اسبانيا تنكفئ سياسياً وعسكرياً. ثم يعودون ويطالبون بتطبيق القرارات الدولية، ويدافعون عنها اذا اتت لمصلحتهم، لكن احدهم سيبلغهم الرسالة: عندما تتقاتلون يوماً ما، وتقفون امام مشاهد المعارك والدمار، لا تتجرأوا وتسألوا احداً لماذا لا يتدخل العالم ويقف موقف المتفرج، ولماذا صمَّ العالم آذانه، ولماذا هذا الصمت العالمي؟ يقولون انهم في لبنان لأنهم يخافون على خاصرتهم، ولأنهم يخافون ان تنتقل اليهم عدوى الحروب الاهلية. ولكن الملاحظ، تاريخياً، ان الحروب الاهلية في لبنان، والصراعات الطائفية والمذهبية، على احتدامها، لم تؤثر مرة واحدة في الدول المجاورة. ودائماً كان السبب المعلن والرسمي هو ان التدخل كان فقط تلبية لطلب لبناني، وأحياناً مسيحي، ولوقف التقاتل وانهاء الحرب الاهلية. يعارضون انسحاب الجيوش الاجنبية من لبنان، او يتمسكون بضرورة بقائها لحل مشاكل لا تزال عالقة منذ سنين، ولا تزال تهدد الامن والوضع السكاني، مثل عدم حل الميليشيات، وانتشار الاسلحة في المخيمات الفلسطينية. لكن هؤلاء لا ينتبهون الى ان بقاء هذه المشاكل من دون حل، هو سبب اضافي للقول ان وجود هذه الجيوش غير ضروري وغير مفيد. وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فإن الدولة اللبنانية قادرة على معالجة هذا الملف وحدها. لأن الحل مضمونه انساني، وليس مسألة عسكرية. وتحسين الشروط المادية التي يعيش فيها الفلسطينيون، مثل تسوية اوضاعهم السكنية واعطائهم حقوق العمل حتى قبل اعلان دولتهم، أمر مهم ليس لأن ذلك لا يؤثر في التركيبة السكانية اللبنانية، بل لأن ذلك يشكل ضمانة للخائفين خوفاً مهووساً، فلا يفرض المجتمع الدولي شروطاً اضافية وحلاً قد لا يرضاه اللبنانيون عندما يتدخل ليعالج جدياً قضية الفلسطينيين الذين يعيشون خارج الاراضي الفلسطينية. فلا احد يستطيع ان يعتمد على تأجيل هذه القضية، لأنها مهما تأجلت فلا بد من ان يكون لها حل. ثم، من جهة اخرى، السلاح الذي يراد له ان يبقى بأيدي الفلسطينيين ليظل مصلتاً الى الخارج ويلهيهم عن النظر الى اوضاعهم الاجتماعية، ربما يتحول مع الوقت الى الداخل اللبناني اذا حدثت فوضى ما، او عند ادنى فلتان امني، بسبب تنامي مشاعر الحقد والغضب في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها. لبنان - بيتر قشوع [email protected]