اختُتم اللقاء التقليدي في دافوس مع توقع الوصول إلى معادلة جديدة للسلطة العالمية. وربما تكون الولاياتالمتحدة هي التي ستتعرض لانعكاسات موقف دولي يبخل عليها بالنجاحات. ولكن من المتوقع أن تكسب من ذلك، من حيث النفوذ المتزايد في إدارة العولمة، الدول الناهضة، الصين والبرازيل والهند بصفة خاصة، التي تعتبر الآن قريبة من اكتساب دور بارز في السوق العالمي ومكانة القوة الكبرى. وكما هو معروف، في المدينة السويسرية الشهيرة بالتزحلق على الجليد، يلتقي رؤساء الدول والحكومات والوزراء وكبار رجال الأعمال والمحللون والمستشارون وكذلك رجال الفكر والصحافيون للنقاش بصورة غير رسمية حول حالة العالم وتمييز الخطوط الرئيسية للاتجاه. وفي هذا العام عقدت لقاءات الجليد في الأيام بين 24 و28 كانون الثاني يناير مع وجود مكثف غير معتاد من الزعماء الأوروبيين والآسيويين الذين يبدو مع ذلك أنهم فضلوا التقاط صورة للمشهد الدولي بدلا من رسم خريطة معقولة للسلطة في المستقبل القريب. ان تشبيه التمرد والصراع العرقي في العراق بأعراض فيتنام مضلل قطعا بالنسبة للولايات المتحدة. ولا يوجد الكثير من الأميركيين ممن يشككون بالفعل في ضرورة القضاء على الإرهاب الدولي. وحقيقي أن هناك تزايداً للمنتقدين لإدارة واشنطن في مرحلة ما بعد الحرب و ال"Exit strategy"استراتيجية الخروج. ولكن الحقيقة أيضا هي أنه لا توجد في الولاياتالمتحدة أي أزمة قومية في الضمير أو القيم التي تشكل الدعائم التي تقوم عليها الديموقراطية الأميركية. ولم يشكك تقرير مجموعة الدراسة حول العراق، الذي وقَع عليه ديموقراطيون وجمهوريون، في ضرورة اجتثاث بؤر العنف التي يتصورها الأميركيون أرضا خصبة لنمو الفوضى العالمية. وقد أوصى التقرير الرئيس بوش بتنويع الدعم العسكري، الذي سيتعين عليه بالتدريج القيام بدور أقل في دعم القوات النظامية العراقية، مع مناورة سياسية - ديبلوماسية من خلال فتح حوار مع إيران وسورية. ومن المستبعد من ناحية أخرى أن يتولى الكونغرس ذو الأغلبية الديموقراطية المسؤولية عن قلب نظام الأولويات في أجندة الولاياتالمتحدة، خصوصاً في ظل هاجس 11 سبتمبر. ولا يتوقع لأخلاقيات جديدة، تقوم عليها السياسة الخارجية المقبلة لإدارة ديموقراطية محتملة، أن تصل إلى نزع الشرعية عن المكافحة الشاملة للإرهاب. ويمكن لهذه الأخلاقيات بالطبع، كما حث على ذلك تقرير بيكر - هاملتون، أن تعيد التوازن الى البيت الأبيض بشأن استراتيجية"الاحتواء"ويأمل الكثيرون أن تضع في الدرج من جديد استراتيجية الحرب الوقائية والديموقراطية الشاملة التي ظهرت غير مناسبة على الأرض في إدارة الوضع غير المستقر في الشرق الأوسط. ولكن هناك ما يدعو للأمل على الساحة الدولية في هبوط درجة الحرارة التي نجمت عن التوترات الدولية والعقائدية. وانفجار العنف عند مفترق الطرق الحساس يشير إلى أن التهديد واستخدام القوة ليسا بديلا جادا لاستراتيجية تقوم على الحوار واحترام المصالح المشتركة والأمن. وإذا لم تكن هناك المقدمات لتوقع نظام عالمي بعد الولاياتالمتحدة، وهو افتراض قد يؤدي اليوم إلى الفوضى، فإن هناك مع ذلك إشارات تشير إلى أن نزعة عدوانية دولية شرسة من جانب الولاياتالمتحدة يمكن أن تكون بنفس خطورة العزلة الأميركية التي أعقبت الهزيمة في فيتنام. واليوم جاءت لحظة سماع صوت العالم العربي بإشراكه في عمل ديبلوماسي قوي في المنطقة. وكذلك فإن العرض الأخير المقدم من سورية للولايات المتحدة بفتح طاولة مناقشة وحوار حول العراق يجب أن يؤخذ مأخذ الجد في حين أن المبادرة السعودية لاستضافة حوار بين الفصيلين الفلسطينيين الكبيرين في مكة تستحق منا تقديرا كبيرا. وهذه إشارات لا تزال ضعيفة ولكننا يجب أن نساندها ونقويها مع افتتاح سلسلة من المناقشات مع إيران بمجرد أن تتخذ حكومة طهران موقفا أكثر مسؤولية وأقل استفزازا. وفي ضوء رسالة دافوس، يحق لنا أن نؤكد أنه حتى إذا أردنا الإشارة فقط إلى الجانب الاقتصادي فإن لا يبدو أن هناك أساسا قويا لتقدير ال"shifting power equation"معادلة تغيير القوة من قبل الولاياتالمتحدة تجاه مراكز الجذب الجديدة، القادرة على التأثير باستمرار على قيادة العولمة التي لا تزال بقوة حتى اليوم في أيدي الولاياتالمتحدة. ومن المحتمل أن تكون هناك علاوة على القاطرة الأميركية قاطرات أخرى للتطور العالمي من بينها القاطرة الآسيوية التي"تكتسب قيمة"كل عام. ولكن الحقائق المتعلقة بالتقدم العلمي والتكنولوجي يبدو أنها تغذي المحرك الأميركي أكثر من التأثيرات المحتملة التي يمكن أن تكون للقيود على الإقراض من قِبَل البنك المركزي على المدى القصير على نمو إجمالي الناتج القومي. وتظل ثقة المستثمر الأجنبي في السوق الأميركية عالية جدا وكافية على أي حال لاجتذاب التدفقات المالية الضرورية لتغطية العجز المتزايد في موازنة الولاياتالمتحدة. ولكن الحوار السياسي هو الذي ستقاس به قدرة الولاياتالمتحدة على إثبات جودة زعامتها. * سفير ايطاليا في مصر