اختصر "المنتدى الاقتصادي العالمي" في دافوس علاقة الحب والكراهية التي تربط العالم بالولاياتالمتحدة. وقد أظهرت دورته الحالية مشاعر متداخلة مع ميل أكبر إلى الكراهية، على رغم أن بين الحاضرين كثيرين من أصحاب الشركات العالمية. والسبب هو الخلاف على تبرير الحرب على العراق. وجاءت أنباء العزم على زيادة موازنة البنتاغون من 400 بليون دولار إلى 500 بليون دولار، على رغم أنها تفوق حالياً الموازنة الدفاعية لأكبر 15 دولة مجتمعة، فزادت قلق المشاركين، وهم يرون الولاياتالمتحدة تقدم الاعتبارات السياسية على الاعتبارات الاقتصادية السليمة في وقت يتخوف الخبراء الدوليون المشاركون في دافوس من تراجع اقتصادي وركود عالميين. واشتكى ريتشارد هاس، مدير إدارة التخطيط في الخارجية الأميركية، من كثرة الانتقادات التي تعرض لها في ندوة مفتوحة خصصت للبحث في الشأن العراقي، وأظهرت حدة المعارضة التي تلقاها الولاياتالمتحدة من أوساط كانت، حتى عهد قريب، تندرج في إطار أصدقاء واشنطن ومؤيديها، ومنهم محللون كبار يشرفون على مؤسسات ومنظمات أبحاث داخل الولاياتالمتحدة نفسها. ووجد مديرو معظم الندوات أن النقاش ينحرف تلقائياً باتجاه الحديث عن العراق ومضاعفات الحرب المحتملة ضده، بعيداً عن الموضوع الأساسي للندوات، في موقف يعكس طغيان القلق على الحاضرين وشعورهم بأن الأزمة العراقية تصادر قدرتهم على المبادرة أو حتى التخطيط. ودعا رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد للتوصل إلى تسوية مع العراق خشية أن تؤدي الحرب إلى مزيد من الانتقام ورد الفعل. وجاءت ملاحظات المشاركين في الحوار وكذلك المحاضرين الآخرين لتحذر من تزايد مشاعر العداء للولايات المتحدة حول العالم، وتحض واشنطن على تجنب استخدام القوة ضد العراق أو الحرص على استخدامها في إطار الشرعية الدولية. وحظي كينيث روث، المدير التنفيذي لمؤسسة "هيومن رايتس ووتش" الأميركية بتصفيق الحاضرين حين قال إن الرفض الأميركي للمعايير الدولية الجديدة الخاصة بحقوق الإنسان، بالإضافة إلى معاملتها للمشاركين في النزاع الأفغاني، سيؤدي إلى اضعاف حملتها ضد الإرهاب. وعندما تحدث الأمير تركي الفيصل، رئيس "مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية"، في ندوة خصصت للبحث في أوضاع منطقة الشرق الأوسط، صفق الحضور قرابة دقيقتين لكلامه. وقال الأمير تركي، وهو شخصية سعودية معروفة باعتدالها، إن المسؤولين في الإدارة الأميركية لا يعرفون ولا يحاولون أن يعرفوا لماذا تكره الشعوب العربية السياسات الأميركية. وأضاف في رده على اتهامات السناتور جوزيف بيدن للحكومات العربية بالتقصير في مجال الديموقراطية والانتاج السياسي، إن السر يكمن في الصراع العربي - الإسرائيلي الذي يعني حله انهاء مشاكل كثير من الدول العربية محل الانتقاد. وحاول وزير الخارجية الأميركي كولن باول تهدئة مشاعر المعارضة باشارته أول من أمس إلى أن المواقف الحالية لإدارة بوش لا تنبع من "غطرسة أميركية"، إلا أن حجته لم تقنع المشاركين في المنتدى ممن يمثلون الحكومات والمؤسسات الأوروبية والذين يشعرون في قرارة أنفسهم بالاستياء من الولاياتالمتحدة بسبب موقفها المتفرد والأحادية التي تنتهجها. ويعتبرون أن حرب العراق أتت لتظهر أن أوروبا برمتها باتت تابعة ومهمشة، وأنها في الواقع ليست أكثر من شريك ثانوي يمكن الاستغناء عنه، وهو ما يبدو أن رئيس الوزراء البريطاني توني بلير فهمه. وتتجاوز مشاعر العداء للأميركيين عداء المؤسسات إلى الأفراد. وقال يانيش درنوفسيتش، رئيس سلوفينيا، إن بلاده تأمل بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي في المستقبل القريب وانها ستعد استفتاء لهذا الغرض في آذار مارس المقبل، لكنه حذّر من أن أي هجوم أميركي أحادي الجانب على العراق، من دون موافقة الأممالمتحدة، سيجعل من الصعب عليه أن يربح هذا الاستفتاء. وتبدو علاقة الحب والكراهية ممتزجة بالغيرة عند الأوروبيين، وأشار توم ماكيلوب، رئيس مجموعة "أسترا زنيكا" البريطانية إلى أن الولاياتالمتحدة تنفق 76 بليون دولار على الأبحاث والتطوير كل عام أكثر من أوروبا، وأن 45 من أصل 50 أفضل منطقة مولدة للتكنولوجيا في العالم موجودة في الولاياتالمتحدة. وأشار متحدثون آخرون إلى أن أوروبا تحتاج إلى عشر سنوات للحاق بالولاياتالمتحدة في مجال التكنولوجيا العسكرية، لكن أميركا عاجزة عن أن تكون، مع ذلك، قادرة على التحرك بمفردها. وقال نيك بتلر، نائب رئيس شركة "بي بي" النفطية إن "القيادة السياسية الأميركية لا تحظى عموماً بالاحترام في أوروبا، وكذلك القيادة السياسية الأوروبية لا تحظى بالاحترام في الولاياتالمتحدة". وقالت سيدة أميركية في أحد النقاشات: "لم أجد أحداً في المنتدى يؤيد السياسة الأميركية. إنه حقاً أمر مؤسف". أما المشاركون العرب فكانوا أكثر صمتاً وأقل تعبيراً عن كراهيتهم للسياسة الأميركية. وقدم معظمهم مبررات للعمل الأميركي المقبل ضد العراق. وقال أحد الوزراء العرب المشاركين: "لعل السبب أن الحرب ستقع في منطقتهم، وهم لا قدرة لهم على دفعها. ولهذا فهم لا يريدون قول ما يعرفون انهم سيعجزون عن تكراره غداً".