اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" التصويت الرمزي في مجلس النواب الأميركي مساء الجمعة لمعارضة زيادة عديد القوات الأميركية في العراق، عملاً معارضاً للكونغرس يُمهد الطريق لصدام أكثر مرارة في شأن كيف سيعرقل الكونغرس قدرة الرئيس الأميركي جورج بوش على مواصلة الحرب. وحتى قبل التصويت على قرار يرفض زيادة القوات، شرع البيت الأبيض والديموقراطيون الذين يسيطرون على الكونغرس، بالتحضير للمعركة المقبلة في شأن طلب الرئيس الأميركي 99.6 بليون دولار لانفاقها على العمليات العسكرية في أفغانستانوالعراق. وكان الديموقراطيون بدأوا فعلاً التفكير في خطوات يمكنها الحد من قدرة وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون على إعادة الجنود إلى العراق بعد أدائهم فترة من الخدمة هناك. وكان التصويت على القرار ب246 صوتاً في مقابل 182 معارضاً، وانتقال 17 جمهورياً الى صفوف الديموقراطيين، تذكيراً قوياً بمدى عزلة الرئيس بوش فيما يمضي باستراتيجيته التي تفتقر إلى الشعبية. وفي هذه اللحظة، من غير الواضح ما إذا سيترجم هذا التحرك الى لجم الرئيس بوش في ما يتعلق باستراتيجيته الأخيرة. فقد جعل التصويت على القرار الأخير للكونغرس، عبر تعزيز موقع معارضي الحرب، الجدل حول تمويلها أمراً مؤكداً، بعدما كان من المستحيل حتى التفكير به قبل ستة شهور. وقال الزعيم السابق للديموقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور توم داشل إن"ما حصل عليه الرئيس مؤشر حقيقي الى أن الطقس سيسوء. سيكون بوش وسط عاصفة ضخمة". إلا أن الرئيس الأميركي بدا وكأنه يستبق مواجهة مع الديموقراطيين خلال مؤتمر صحافي عقده الأربعاء الماضي، عندما قال"سأوضح لأعضاء الكونغرس من الآن أنهم يحتاجون الى تمويل جنودنا، وعليهم أن يتأكدوا من أن تكون لدينا التسهيلات الضرورية لأداء وظيفتنا". ومعلوم أن التاريخ الأميركي مليء بالأمثلة على الصدامات بين الكونغرس والبيت الأبيض في خصوص سلطة الحرب. وكان الكونغرس مثلاً استخدم سلطاته المالية لوقف المساعدات العسكرية السرية لعصابات الكونترا في نيكاراغوا، ما أدى أيضاً الى اندلاع فضيحة ايران كونترا في ظل عهد الرئيس رونالد ريغان، ولتحديد عدد الجنود الأميركيين في فيتنام. وعندما يتعلق الأمر بالحرب على العراق، يراهن الرئيس بوش على عدم استعداد الكونغرس للخوض في لعبة دستورية قاسية، بحسب الخبير في سلطات الحرب الرئاسية في جامعة جورجتاون الأميركية مارتن ليديرمان. وسيكون أمام الرئيس بوش خياران صعبان في حال قرر الكونغرس تقليص تمويل الحرب على العراق، وهما إما الالتزام بقرار لا يتفق معه، أو تأكيد سلطته الدستورية لرد هذا القرار. وإذا قرر أعضاء الكونغرس فرض قيود على الانفاق العسكري، سيجد بوش نفسه في موقع غير مريح، يكون ملزماً فيه باستخدام الفيتو ضد قانون يمول الجنود الأميركيين. وكان حلفاء الرئيس الأميركي أكدوا في وضوح أنه لن يقبل بقيود مالية من دون معركة. وبالنسبة الى الديموقراطيين، لا يخلو هذا الجدل من مخاطر سياسية، فهم لا يريدون أن يظهروا في صورة سياسيين غير وطنيين عبر تأييد سحب الدعم المالي للجنود في ساحة القتال. إلا أنهم في الوقت ذاته، يتعرضون الى ضغط كبير من الجناح المعارض للحرب في الحزب الديموقراطي، آخذين في الاعتبار انتصارهم في الانتخابات التشريعية الماضية في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، والذي فُسر على أنه مطالبة باعادة الجنود الأميركيين الى بلدهم. وحاولت زعيمة الغالبية الديموقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي اضفاء قدر من التوازن على تحرك الديموقراطيين، قائلة في سياق تفسيرها القرار الأخير لمجلس النواب الأميركي، إنه"يبعث رسالة قوية الى الرئيس: نحن ملتزمون دعم الجنود إلا أننا لا نوافق على هذا التصعيد". لكن المعارضة الرمزية لقرار بوش ارسال 20 ألف جندي اضافي الى العراق، ليست كافية لمعارضي الحرب الذين يجمعون صفوفهم في مجالس الولايات لاصدار قراراتهم الرمزية ويضغطون على الكونغرس لفعل المزيد. وقالت العضو في مجلس شيوخ ولاية واشنطن جان كول ويليس:"نريد أن تنتهي الحرب... لا نريد أي تصعيد... أرغب في أن أرى الكونغرس يتخذ قرارات ملزمة". لكن ما زالت الطريقة التي سيتقدم بها الديموقراطيون غير واضحة. فالسيناتور جوزف بيدن الذي رشح نفسه للرئاسة، يطالب برد قرار عام 2002 الذي يسمح بالحرب على العراق. ويضع النائب جون مورثا مسودة خاصة به لقانون الرئيس الأميركي، بغية فرض قيود على نشر الجنود في العراق. إلا أن قانون مورثا فجّر مجموعة من الانتقادات في أوساط الجمهوريين، إذ اعتبر رئيس تحرير مجلة"ذي ويكلي ستاندارد"وليام كريستول أن"الحزب الديموقراطي الوطني أصبح دمية للمجموعات المناهضة للحرب". أما الرئيس الأميركي، فيتبع استراتيجية فرق تسد، عبر تأليب مجلس الشيوخ على النواب. ويقول مشرعون جمهوريون وديموقراطيون على حد سواء إن من الصعب على مجلس الشيوخ أن يجمع الأصوات اللازمة لتمرير قرار مجلس النواب، فضلاً عن وضعه قيود على الانفاق.