شهدت نهاية السنة الماضية انتخابات نيابية في عدد من البلدان العربية، من بينها ثلاثة بلدان خليجية، وتشابهت الحملات الانتخابية من ناحية الشكل والمحتوى، لكن الحملات الانتخابية في الإمارات تميزت بمخاطبة عقل الناخب وخياراته. فهذه الحملات، على رغم أنها الأولى منذ تأسيس الإمارات، تميزت بتنظيم دقيق وبالتركيز على القضايا التي تهم مستقبل الوطن والمواطن، بعيداً من المزايدات والعواطف. وإذا تتبعنا البرامج الانتخابية للمرشحين نجد أنها تميزت بالآتي: أولاً، تركيزها على القضايا الاقتصادية التي تمس مستقبل الأجيال المقبلة وتوفر الحياة الكريمة للمواطنين والمقيمين، على عكس بلدان عربية أخرى حيث تحفل الحملات الانتخابية بالشعارات والمزايدات السياسية. ثانياً، لم تقحم القضايا العامة المتفق عليها بين أفراد المجتمع ضمن الحملات الانتخابية، وهذه ملاحظة هامة، إذ جاء ذلك من خلال نبذ الفرقة والتركيز على ما يؤدي إلى حماية المكتسبات وتطويرها. وفي هذا الصدد يمكن للتجربة الإماراتية ان تفيد المرشحين في الكويت والبحرين حيث استخدمت المنابر العامة بصورة فجة على حساب المصالح المشتركة للمجتمع. ثالثاً، لم يحاول أي مرشح الإساءة إلى أي من المرشحين الآخرين المنافسين له من خلال التطرق إلى قضايا ذاتية، إذ تركزت المنافسة على مناقشة برامج المرشحين، خصوصاً الاقتصادية منها والتي تمس القضايا المعيشية للمواطنين ومستقبل التنمية في الدولة. وهذه ميزة راقية من ميزات المجتمعات المتقدمة، يمكن ان تفيد المرشحين في دول خليجية وعربية أخرى. وعلى رغم أنها الانتخابات الأولى التي تجرى في الإمارات، إلا أنها كانت اكثر نضجاً مما سبقها من تجارب مضى عليها أكثر من 40 سنة في الخليج، ما يقودنا إلى الحديث عن تجربة الإمارات التنموية والتي بدأت بعد غيرها من بلدان المنطقة، إلا أنها حققت إنجازات كبيرة في فترة زمنية قصيرة. وهذا يعني باختصار ان هناك أسلوباً مميزاً في الإمارات في التعامل مع مختلف القضايا التي تهم المجتمع، أسلوب يتميز بالعقلانية والتأني والطموح الذي يأخذ في الاعتبار كل الظروف المحيطة ويحاول تسخيرها لخدمة التنمية والتقدم الاقتصادي. وبانتهاء التجربة الانتخابية الأولى، تكون المدرسة الإماراتية قدمت إضافة هامة للمجتمعات العربية عموماً والخليجية خصوصاً. فالانتخابات ليست بالضرورة معارك شرسة وشعارات جوفاء، بل يمكن ان تكون عامل بناء ومزجاً متكاملاً بين ما هو سياسي واقتصادي يساهم فيه جميع أفراد المجتمع. وباستكمال المرحلة الأولى يكون المجتمع الإماراتي قد وضع أيضاً أساساً متيناً للاستقرار وسن نهجاً حضارياً راقياً للحملات الانتخابية يعتبر الأقرب للحملات المشابهة في البلدان المتقدمة منها للبلدان النامية، كما هو حال الاقتصاد الإماراتي المميز في نوعية الخدمات التي يقدمها على كل المستويات. ومن الأهمية ان يتم المحافظة على هذا النهج في المستقبل عبر وضع تشريعات وأنظمة تبعد المرشحين والناخبين عن المزايدات السياسية والعواطف، بما في ذلك استمرار الأخذ بالنقاط الثلاث التي أشرنا إليها والتي تتيح فرصاً متساوية للمرشحين وتجنبهم الدخول في قضايا جانبية وتؤدي بهم إلى التركيز على القضايا التي تهم أفراد المجتمع وتقدمه الاقتصادي والاجتماعي. ومثلما قدمت الإمارات تجربة اقتصادية ناجحة، يمكنها تقديم تجربة انتخابية مميزة في أسلوبها ومحتوياتها، خصوصاً ان الانسجام الاجتماعي في الدولة يتيح تحقيق مثل هذا النجاح وتقديم نموذج لكل بلدان المنطقة. وإذا تحقق ذلك، فإن التجربة الانتخابية في الدولة ستقدم دعماً قوياً لعملية التنمية الاقتصادية، على عكس تجارب العديد من البلدان العربية عموماً والخليجية خصوصاً، حيث اتخذت المجالس المنتخبة مواقف أعاقت تنفيذ الكثير من المشاريع التنموية المهمة في تلك البلدان.