تركت انتخابات المجلس الوطني (البرلمان) في دولة الإمارات بعد انتهائها مساء 24 الجاري والنتائج التي أسفرت عنها تساؤلات في المجتمع الإماراتي تتصل بتركيبة هذا المجتمع والحياة السياسية والاجتماعية فيه والآفاق المستقبلية لحراكه السياسي. ونجمت التساؤلات بشكل أساسي عن قلة عدد المشاركين في التصويت وتركز الفائزين في قبائل بعينها، خصوصاً في إمارة أبو ظبي، وعدم فوز سوى امرأة واحدة في الانتخابات ومن إمارة صغيرة جداً لم تعرف بالانفتاح الذي تعيشه إمارات أخرى، ودور الإعلام في الانتخابات والحالة السياسية العامة في الامارات. جاءت النتائج الرسمية على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية وزير الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي الدكتور أنور محمد قرقاش معلنة فوز 19 مواطناً ومواطنة واحدة على مستوى الإمارات ليشكل المجموع 20 عضوا يشكلون نصف أعضاء المجلس الذين يتم اختيارهم بالانتخاب، فيما سيعين 20 عضوا ليتكمل عدد أعضاء المجلس الأربعين. وقال قرقاش ان عدد الناخبين بلغ 36 ألفاً و277 مواطناً ومواطنة من أصل العدد الاجمالي للهيئات الانتخابية البالغ 130 الف ناخب وناخبة. وتمثل هذه الاصوات حوالى 28 في المئة من العدد الكلي للناخبين. وأضاف أن الحكومة كانت تأمل في أن يكون الإقبال أكبر من ذلك مطالباً بضرورة أخذ الوقت اللازم لدراسة الأسباب التي قد يكون من بينها الأمور التنظيمية أو كثرة عدد الهيئات الانتخابية أو عدم وجود سجل انتخابي تراكمي. ولاحظ أن هناك تشتيتاً كبيراً في الاصوات الموزعة على المرشحين الذين كان عددهم كبيراً جداً والذين خاضوا مع الناخبين تجربة جديدة. ويرى مراقبون أن قلة الإقبال سببها حداثة التجربة الانتخابية في الامارات والتي بدأت لأول مرة في دورة عام 2006، وبالتالي عدم انتشار ثقافة الانتخابات والدور الذي يتحمله الناخب في نجاح هذه التجربة أو فشلها. فيما يعتقد آخرون أن ندرة توجه الناخبين الى صناديق الاقتراع تعود بدرجة كبيرة الى «عدم وجود قناعة كافية بالدور المنوط بالمجلس الوطني الاتحادي في الحياة السياسية العامة في الامارات. حيث يقتصر على الدور الرقابي لأداء الحكومة من دون أن تكون لديه صلاحيات تشريعية أو محاسبة للحكومة. وأبرزت نتائج الانتخابات في هذه الدورة نجاح امرأة واحدة الأمر الذي يكرس نتائج انتخابات عام 2006 عندما نجحت امرأة واحدة من أمارة أبو ظبي، وذلك خلاف رغبة الحكومة والتي عبّر عنها وزير الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي بقوله «كان بودنا ان تفوز النساء اللاتي خضن التجربة بحنكة وخبرة واتزان»، داعياً جميع الذين لم يحالفهم الحظ بالفوز الى دراسة الأسباب، ومشيراً الى ان نجاح الآخرين ربما يعود الى التواصل التقليدي. ولفت مراقبون الى أن الحكومة ربما تتجاوز هذه المشكلة بتعيين عدد كبير من النساء في المجلس من أصل العشرين عضواً الذين ستختارهم للعضوية على غرار ما فعلت في تجربة عام 2006 عندما عينت ثماني عضوات في المجلس ليصل عددهن الى تسع يشكلن حوالى 22 في المئة من اجمالي أعضاء المجلس. ويفسر الكثيرون عدم نجاح المرأة الاماراتية في الانتخابات رغم ارتفاع عدد المرشحات الى 85 مرشحة ورغم أن المرأة الإماراتية تتمتع بمستوى علمي عال بأنه يعود الى الثقافة المجتمعية التي ما زالت تحد من تحرك المرأة، وتسبب ذلك في الحد من قدرتها على جذب أصوات الناخبين وحتى أصوات النساء. وتبرز نتائج الانتخابات أن العامل القبلي ما يزال يلعب الدور الرئيسي في العملية الانتخابية بعد نجاح ثلاثة مرشحين من قبيلة «العوامر» في إمارة أبو ظبي من أصل أربعة هم مجموع الفائزين عن هذه الإمارة. والفائزون الثلاثة هم من مدينة العين في الإمارة. ولا شك أن هذه القبيلة هي من الأكبر في امارة أبو ظبي والخليج عموماً، ولكن الانفتاح الثقافي والتطور التعليمي وبروز كفاءات كبيرة كان ينبئ بتراجع العامل القبلي لمصلحة فاعليات على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي الأمر الذي يفرز شخصيات كثيرة تنتمي الى قبائل مختلفة. في هذه النقطة بالذات تشير التجارب السابقة الى أن الحكومة ستتعامل مع هذه المسألة عند اختيارها للأعضاء العشرين الذين سيتم تعيينهم لجهة التنوع القبلي والجغرافي وعلى أساس الكفاءات العلمية مع ميل الى أن تكون نسبة المرأة عالية. ويضاف الى هذه الملاحظات العامل المالي الذي كان له حضور بارز حيث تخطى الكثير من المرشحين المبالغ التي حددتها اللجنة العليا للانتخابات للصرف على الحملات. كما ان دور الإعلام كان محدوداً في الوصول الى الشرائح المختلفة من المرشحين ومتابعة أخبار الانتخابات كونها انحصرت في اللجنة العليا. الأمر الذي حدا بوسائل الإعلام الإماراتية الى الشكوى من عدم قدرتها على متابعة الحملات واقتصار دورها على تلقي إعلانات المرشحين وهو ما حقق لها دخلاً مالياً كبيراً، ولكن وضعها على مسافة بعيدة من المجريات الأساسية للعملية الانتخابية. وقد تعطي هذه النتائج مؤشرات على صحة توجه الحكومة الى التدرج في العملية الانتخابية منذ دورة 2006 التي شهدت أول انتخابات «جزئية» لأعضاء المجلس الوطني. وذلك وصولاً الى المشاركة الشعبية الكاملة في دورة 2019. وقال وزبر الدولة لشؤون المجلس الوطني في هذا لصدد: «ارتأت القيادة أن سياسة حرق المراحل لن تؤدي إلى برنامج وطني واضح المعالم يراعي تجربتنا الحضارية المتقدمة، لذا تم البدء ببرنامج متدرج يسير بخطوات ثابتة للوصول إلى ما يلبي طموحات الشعب والقيادة، وهذا ما عبّر عنه رئيس الدولة بالقول: «علينا أن نسير برؤية واضحة تجاه تمكين المجلس الوطني الاتحادي». وجدّد وزير الدولة لشؤون المجلس الوطني التزام الإمارات بالنهج التشاوري الذي اختطته قيادة البلاد.. وقال: «إنه لم يكن يوماً نهجاً طارئاً ولا مرتبطاً بتغيرات إقليمية ودولية بل نهج أصيل في السياسة الإماراتية ومن هنا بداية الخطوات نحو تمكين المجلس الوطني الاتحادي من خلال التدرج في العملية الانتخابية وانفتاح المجلس على القضايا الوطنية من خلال زيادة دوره في الحياة السياسية».