"المكتوب والمرئي وجهاً لوجه" عنوان ندوة أقيمت على هامش "مهرجان القاهرة للإعلام العربي"، وهو يطرح كثيراً من التساؤلات عن طبيعة العلاقة بين الإعلام المقروء والإعلام المرئي. فمنهم من يرى ان العلاقة تكاملية، ويضرب على ذلك مثال التعاون بين"إل بي سي"وصحيفة"الحياة"، وآخرون يرون ان العلاقة هي علاقة تضاد، فالمرئي يكاد يلغي المقروء، ويدعمون رأيهم بهبوط نسب مبيعات الصحف والمجلات في مقابل صعود نجم التلفزيون. بينما يرى طرف ثالث ان لكل نوع إعلامي خصوصيته الكفيلة ببقائه حاضراً. والواقع أن الرأي الأخير هو الأقرب إلى الواقع، ذلك أن كل وسيلة إعلامية تمتلك أساليب معينة للجذب تخول لها البقاء والاستمرارية. فالصحافة المقروءة تتيح للمتلقي، مثلاً، حرية الاختيار في قراءة الخبر أو التعليق أو المقال، وإهمال الصفحات التي لا تتوافق مع ميوله. وتتيح كذلك إعادة قراءة المقال أكثر من مرة، والعودة إليه في وقت لاحق. ويمكن للمتلقي قراءة الصحيفة في مقهى أو حافلة عامة أو في حديقة، هذا إذا ما تجاوزنا"الجانب الوجداني"المتعلق بأن هذه الصحيفة هي ملك يديه، وبأنه الوحيد الذي يتابع ما هو مدون في صفحاتها، في حين أن الإعلام المرئي، وعلى رغم حضوره الطاغي، يكون الاختيار فيه متعذراً. فالمتلقي مغلوب على أمره وهو يستقبل هذا السيل الطاغي من الصور، ثم أن متابعة التلفزيون لا تكون متاحة في أمكنة احتلتها، تقليديا، الصحافة المكتوبة، كالمقهى مثلاً. فضلا عما سبق، يكمن الفرق الأساس في كون الصحيفة تتسم بپ"الجدية والرصانة"، فهي موجهة أساساً إلى النخبة، فالأمي، مثلاً، لا يمكن أن يقرأ صحيفة، في حين يمكنه متابعة التلفزيون، ومثال هذا الفرق أكسب كل نوع مزايا محددة. ففي مقدور رئيس تحرير صحيفة ما أن ينشر مادة ثقافية معمّقة وطويلة، حافلة بالمصطلحات النقدية والتواريخ والمعلومات"ذات العيار الثقيل"على اعتبار أن القارئ يمكنه أن يتأنى في قراءة المادة بحسب ما يشاء، بينما التلفزيون لا يناسبه مثال هذه المادة فهو يقدم المادة الخفيفة المسلية، ويعتمد على الصور والألوان المبهرة كونه موجهاً إلى شرائح المجتمع من دون استثناء. ويجب ألا يفهم من هذا الكلام ان العلاقة متنافرة بين المرئي والمقروء، بل يسعى الطرفان إلى نوع من التكامل، ولعل اهتمام التلفزيون بما يسطر في الصحافة، وحرص الأخيرة على متابعة ما يعرض في التلفزيون يدحض ما يقوله بعضهم من وجود تنافر بين الوسائل الإعلامية، فالفضائيات والصحف تتحاور بالصورة والكلمة، ويؤثر بعضها في بعض. العدسة تصور ما يكتبه القلم، والقلم يكتب ما تصوره العدسة، وإذا كانت الفضائيات أكثر سطوة وإغراء، فإن الصحف أكثر رصانة، وعمقاً. تأسيساً على هذا الكلام، يصعب أن نعثر على فضائية يغيب عن شاشتها برنامج يعرض ما جاء في الإعلام المقروء، وكذلك من الصعب العثور على صحيفة لا تفرد مساحة لما يبث من برامج وحوارات في التلفزة التي لم تتخل عن شقيقتها"الصحافة المكتوبة"، مثلما أن هذه الأخيرة لم تشأ أن يمر كل هذا السيل الفضائي المصور من دون مواكبة نقدية.