عندما قيل إن «الصحافة هي السلطة الرابعة»، لم يكن الإعلام المرئي قد ظهر بعد. ويبدو أن تلك الصفات التي نُحتت قبل ظهور هذا النوع الإعلامي الأخير، ظلت مقتصرة على الإعلام المكتوب الذي بقي محافظاً على رصانته وجديته على رغم التحديات الكبيرة التي يواجهها في ظل شيوع ما بات يعرف ب «ثقافة الصورة». في أحداث ومناسبات معينة يثبت الإعلام المكتوب جدارته وتفوقه على التلفزيون، ولعل خبر رحيل المفكر المغربي محمد عابد الجابري، كمثال قريب من بين أمثلة لا تحصى، أثبت مقدار التفاوت بين المرئي الذي يلهث وراء الحدث بإيقاعه اليومي المتسارع، وبين المكتوب الذي يتأنى، ويدرس الحدث من مختلف جوانبه ويغنيه تحليلاً وعمقاً. ثمة استثناءات، بالطبع، تخرق هذه القاعدة، فلا يمكن أن تكون الصحافة الصفراء «صاحبة الجلالة»، مثلما لا يمكن أن نقلل من شأن قنوات فضائية «جليلة» لدى مقارنتها ببعض «المقروء» الرديء. الإعلام المرئي، ولدى التعاطي مع رحيل صاحب «نقد العقل العربي»، اكتفي ببث الخبر مع نبذة عن حياة الراحل، وتعداد أبرز مؤلفاته، وبدت مضامين المادة الإعلامية، وإنْ اختلفت الصورة قليلاً، متقاربة على مختلف الشاشات. في حين ذهب المقروء إلى أبعد من ذلك، فعلاوة على نشر المحطات الرئيسة في حياة الجابري، فإنه جمع شهادات، ونشر مقالات تعرّف القارئ بفكر الجابري، وبمكانته ضمن المشهد الثقافي العربي، وتأثيره في تشكيل الوعي وأسلوب التفكر. لكن التلفزيون لا يحظى بهذا الامتياز، فهو يحقق عنصر «الآنية»، على نحو لافت، وينقل الخبر بعد لحظات من وقوعه، لكنه لا يأبه كثيراً بخلفيات وأبعاد الخبر، فالأحداث المتلاحقة لا تترك مجالاً لمثل هذا الترف، والإسهاب. ولأن المقروء، بدوره، يتعذر عليه لأسباب معروفة، مجاراة الأحداث على نحو ما يفعله التلفزيون، فإنه يبحث عن الجاذبية والاستقطاب عبر النبش، بتأنٍ وهدوء، في الزوايا الخفية للخبر، وقراءة ما خلف السطور باعتبار أن ثمة متسعاً من الوقت لمثل هذا البحث. كل ذلك لا يقلل من قيمة «المرئي»، ولا يجعل من «المقروء» منبراً نخبوياً فريداً. الاثنان، أي «المرئي والمقروء»، يكمل بعضهما بعضاً ويحققان مقداراً من التوازن وسط هذه الفوضى الإعلامية. فالتلفزة تجند جيشاً من المراسلين لمواكبة الأحداث هنا وهناك، أما الصحيفة، فتستعين بأقلام توضح ملابسات الحدث ولو بعد حين، وإذا كانت الصحيفة هي «صاحبة الجلالة»، فالشاشة هي، بدورها، ضيف دائم، ومرحب به في كل بيت، يصعب تجاهل مفاجآته الطارئة.