الصفحات الشعرية اليومية تشكل جانبا مهما من المشهد الثقافي لدى القارئ، فهو يتابع ليصل إلى مايرقى بذائقته القرائية .. في فترة التسعينات الهجرية كان للمشهد الثقافي اعبر الشعر المقروء مكانته الكبيرة بل كان المتلقي يتشوق للإصدار الصحفي فيما يخص الأدب الشعبي وبالذات النصوص الشعرية لمختلف الشعراء آنذاك، غير أنه بعد تلك الفترة ومع التطور التقني في المجال الإعلامي تغير الوضع تماماً، وبالذات فيما يخص القصدية الشعبية التي هي محور الحديث هنا . بظهور القنوات الفضائية المرئية التي تبرز القصيدة الشعبية أصبح هناك نوع ما من هجر الصحافة الشعبية المقروءة، ولإدراكنا بأن للنص المدون علامة بارزة للتلقي خلال جوانب عديدة كمتعة القراءة والتحليق في عالمها ، والغوص في معانيه ومفرداته ، يعطي بلاشك نكهة خاصة في عملية الذائقة القارئية له، وفي تلك الفترة أي قبل ظهور قنوات الشعر الفضائية كان للنص الشعري مذاقه الخاص لدى القارئ من خلال متعة القراءة والتلذذ بها. في خضم تلك القنوات وزحمتها الآن أصبح للنص الشعري المكتوب صحفياً ركود وخمول واضح ولعل السبب في نظري هو انصراف أغلب الشعراء إلى تلك القنوات وتسابقهم عليها، إذا أننا نجدهم في ازدحام هائل على الظهور على شاشاتها وهذا يذكرني في تلك الفتره التي استحوذت فيها الشللية على عملية التحرير والنشر في الصحف والمجلات وما حدث فيها من إشكالية النشر، هاهي الآن تنتقل مع التطور الإعلامي إلى القنوات الفضائية لنشاهدهم يستحوذون من جديد وبشكلٍ آخر على تلك القنوات، فعندما تستعرض تلك القنوات لاتجد سوى نفس الشعراء ونفس المحسوبين ونفس الفئة من الشعراء الذين تأصل فيهم حب الظهور المتكرر. هنا أجد انتقال الشعر من المقروء إلى المرئي وبنفس الطقم الذي كان في السايق يسابق على المقروء، أصبح ظاهرة تطغى على السطح، فعندما نتنقل بين قنوات الشعر الفضائية نجد الكم الهائل من الشعراء وهم يستحوذون على كاميرات تلك القنوات من خلال المحسوبية والمجاملة التي فتكت في عالم المقروء في الماضي. وعندما نلقي نظرة شاملة على عملية الإعداد لبرامج تلك القنوات الشعرية، لوجدنا ذلك التسيد الشللي الهائل، فالشعراء هم أنفسهم الذين يتسيدون تلك العملية فنراهم يلقون قصائدهم ومنهم من يهز يديه وآخر يأخذ(الصياح)عنواناً له في الإلقاء، وثالث يغني وهو يلقي قصيدته، وننتقل لقناة أخرى فنجد طقما آخر بنفس الطريقة وهكذا .. العملية هنا أصبحت انتقالا كليا من عالم الصحافة الشعبية المقروءة إلى عالم الفضاء المقروء، على افتراض أنها عملية حديثة يجب أن يكون فيها الجيد والمبدع والمصداقية التي فقدت في المقروء من الإعداد . يبقى الدور الكبير على عملية الإعداد التي من المفترض أن توكل لمن هم أكثر معرفة وخبرة في الأدب الشعبي بشكلٍ عام والقصيدة المبدعة بشكلٍ خاص حتى ترقى عملية الإعلام المرئي الحديث من خلال تلك القنوات الشعرية الفضائية. أخيراً : فلق سيف الهوى وجه المعرفة // والزمان شحيح وهمٍ طاح في ليلٍ .. قتل لونه وديباجه كتبتك .. والورق ينزف // وحرفي هزة التجريح حدود السالفة تبكي // وليلك .. يطفي سراجه