برنامج واحد بعناوين مختلفة يكاد ان يكون القاسم المشترك بين معظم الفضائيات، الإخبارية منها أو المنوعة. فعلى رغم تباين اسم البرنامج من فضائية إلى أخرى، كأن يكون الاسم، على سبيل المثال،"الطبعة الأخيرة"أو"مانشيت"أو"شاشة الصحافة"أو"أقوال الصحف"أو"السلطة الرابعة"...إلخ، غير أن هذه البرامج تتشابه في كونها تلقي الضوء على ما جاء في الإعلام المقروء من أخبار ومقالات وتحليلات وتحقيقات ومتابعات... وإذا كانت الفضائيات الرسمية تركز غالباً على الصحافة المحلية، وتختار من الصحافة الأخرى ما يلائم مزاج الرقيب"الموشى"بخطوط حمر كثيرة، وبثوابت"وطنية عديدة، وعتيدة"، فإن الفضائيات غير الرسمية تذهب إلى أبعد من ذلك، إذ تختار ما تراه لافتاً، متطرفاً، ساخناً، ومثيراً للانتباه والجدال...تفعل ذلك بهامش أوسع من الليبرالية، من دون أن تمس، بدورها، خطابها السياسي، وتوجهها الخاص، ف"التلفزيون هو أداة للإعلام ذات استقلالية ضعيفة جداً"بتعبير المفكر بيير بورديو. في هذه البرامج تختفي قيمة الصورة، ولا يقلل من صحة هذا الكلام ظهور المذيع أو المذيعة بين الفقرات، وهنا يبرز نوع من التحدي أمام القائمين على الفضائيات يتمثل في كيفية استمالة المشاهد إلى برنامج يعتمد على الكلام لا الصورة بوصفها المفردة الأساسية في برامج التلفزيون. فالصورة في هذه البرامج تختزل إلى الحدود القصوى، ولا يبقى أمام المخرج التلفزيوني سوى اختيار إطار جميل وجذاب للمقالات، واختيار الحروف المناسبة لعرضها... وغيرها من المسائل الثانوية التي لا يمكن أن تجذب المشاهد طالما هو يتابع جهازاً يعتمد على حاسة البصر بالدرجة الأولى. الفضائيات في مثل هذه البرامج، التي تعرض غالباً في الصباح لارتباط هذا التوقيت بالصحافة، تتنازل عن خصوصيتها الرئيسة، لتحتضن السطور والحروف والعناوين والصور الفوتوغرافية في محاولة منها لاطلاع المشاهد على ما جاء في الصحف، كنوع من الوفاء للصحافة المطبوعة التي تعتبر"الوجه النبيل والصارم للصحافة بالمقارنة مع الطابع التبسيطي والانبهاري للتلفزيون"، كما تقول وجهة النظر الفرنسية حول الإعلام. ولئن كانت هذه الرؤية صحيحة، وشائعة حتى وقت قريب، غير أن هذه الرؤية قد انقلبت، فقد قلب نظام البث الفضائي والتطور الهائل لوسائل الاتصال المفاهيم والآراء التقليدية التي كانت سائدة، فلا جدال في القول بأن التلفزيون يحتل، الآن، المرتبة الأولى في نسب التلقي، قياساً إلى الفنون ووسائل الاتصال الأخرى، ومع ذلك لم يتخل التلفزيون عن شقيقته"الصحافة المكتوبة". وما يؤخذ على هذه البرامج هو أنها تخضع، في اختياراتها، لتوجهات هذه الفضائية أو تلك، وأنها تركز على الصفحات السياسية، في المطبوعة نفسها، وتهمل الصفحات الأخرى، مثلما تركز على المطبوعات السياسية وتهمل ما عداها من صحف ومجلات متخصصة في الثقافة، والفنون، والقضايا الفكرية والفلسفية والاجتماعية. في المقابل لم تشأ الصحافة أن يمر كل هذا السيل الفضائي المصور من دون مواكبة نقدية، فلجأ معظم الصحف إلى تخصيص صفحات للحديث عن الفضائيات وبرامجها ونجومها، عن عثراتها ونجاحها، وعلى رغم أن معايير نقدية واضحة لم تتكرس بعد عبر هذه المتابعات النقدية، ولم تفرز بعد مقاييس نقدية محددة يمكن الاستناد إليها في معالجة هذه المادة الفضائية أو تلك، ذلك أن البث الفضائي ما زال فتياً، ويحتاج إلى فترات أطول حتى يتمكن الناقد التلفزيوني من الاستناد إلى تقاليد وتجارب، وإجراء المقارنات في سبيل إنتاج مادة تلفزيونية نقدية علمية، ومنهجية، لكن تبقى هذه المحاولات شكلاً من أشكال وفاء الصحافة المكتوبة لدورها وشعارها الذي يقول"الآن، هنا". والتحدي هنا يتمثل في كيفية سرد الصورة، بكل حيويتها وألوانها وحرارتها ودهشتها، إلى كلام منثور، وهو ما يدفع الناقد التلفزيوني إلى الإغراق غالباً في الحديث عن مضامين المادة التلفزيونية، والاكتفاء بملامسة الصورة والشكل البصري على نحو سريع وعابر. كثيراً ما نسمع من النقاد أن كل وسيلة إعلامية تنفي سابقتها، وتؤثر فيها بشكل سلبي بحيث تفقدها دورها ومكانتها، وإذا كان هذا الكلام ينطوي على جزء من الحقيقة، فإن الحقيقة الأخرى تقول بان كل وسيلة إعلامية، على رغم خصوصيتها المختلفة، قد تحتضن الوسيلة الأخرى، وترتقي بها. ولعل اهتمام التلفزيون بما يسطر في الصحافة، وحرص الأخيرة على متابعة ما يعرض في التلفزيون يدحض ما يقوله البعض من وجود تنافر بين الوسائل الإعلامية. فالفضائيات والصحف تتحاور بالصورة والكلمة. العدسة تصور ما يكتبه القلم، والقلم يكتب ما تصوره العدسة، وإذا كانت الفضائيات أكثر سطوة وإغراء، فإن الصحف أكثر رصانة وعمقاً.