"تقدم وتحديات"، تقرير صدر أخيراً عن الأممالمتحدة، للعام 2007، حول شباب العالم. وينطلق التقرير من فكرة محورية تستند إلى"جدلية"العلاقة بين التعليم والشباب. في إشارة إلى أنها علاقة"تقدمية"بمعنى أن التعليم في خدمة الشباب، وتلبية احتياجاتهم وطموحاتهم حاضراً ومستقبلاً. ينوّه التقرير، لأول مرة، بما حققه شباب العالم من أرقام قياسية عالمية في مستوياتهم التعليمية. ومن ناحية أخرى يحض الدول المعنية بشؤونهم على استثمار هذه الرصيد التاريخي بما يخدم مشروعات النهوض والتنمية والتقدم، مشيراً إلى أن هذه الطموحات ما زالت تواجه بتحديات ومعوقات كبيرة تأمل الأممالمتحدة بتذليل القسم الأكبر منها بحلول العام 2020. ويشير التقرير إلى أن الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و24 سنة يشكلون أكثر من 18 في المئة من مجموع سكان العالم، ومن بينهم أكثر من بليون شاب يعيشون في البلدان النامية. وإذا لم يتم التعاطي مع قضاياهم بجدية، فإن المعادلة قد تنقلب، من إطارها التفاؤلي إلى مسار مأسوي، فيستحيل التعليم عليهم وتتكسر أحلامهم، وتذوي جذوة الامل في نفوسهم، وتنتابهم هواجس القلق والضياع والتهميش فضلاً عما يرافقها من بؤس وشقاء وحاجة وفقر وبطالة. من هذا المنطلق، يرى التقرير ان"شباب العام 2007 وشاباته، أكثر الأجيال تعلّماً في تاريخ البشرية". ويستند التقرير إلى أن شباب البلدان النامية وصلوا إلى مراحل متقدمة من التعليم الجامعي، ومبدأ التعليم للجميع في بلادهم قفز إلى معدلات تتراوح بين 70 و80 في المئة، وتكاد تلامس أهداف الألفية الثالثة في استراتيجية الأممالمتحدة. ويؤكد ان النظام التعليمي العام سجل تقدماً واعداً، وحقق نجاحات يعتد بها في صفوف الجنسين على رغم بقائه على مسافة بعيدة من التعليم الخاص الذي يواصل ارتقاءه في مختلف المراحل الدراسية. "انجازات" غير مكتملة! إلاّ أن التقرير لا يلبث أن ينتقد"الإنجازات"التي تناولها، من خلال عدم توافقها مع ميادين العمل والإنتاج. فيعكس جانباً من هذه الحقيقة، من خلال الاشارة إلى أن"التعليم الرسمي الذي يتلقاه الشباب عامة لا يؤهلهم لاحتياجات سوق العمل الدولي. والأمر نفسه بالنسبة للفتيات اللواتي لا تتكافأ زيادة أعدادهن ومستوياتهن التعليمية مع فرص العمل المتاحة لهن". هذه الإشارة، تدل على أن قطاع العمل ما زال مغلقاً أمام شريحة كبيرة من هؤلاء الشباب، الذين يشكلون حوالي 25 في المئة من نظام العمالة العالمي، إضافة إلى نصف عدد العاطلين عن العمل على مستوى العالم ايضاً. وينبّه التقرير إلى أن نسبة البطالة هي الاكثر ارتفاعاً في صفوفهم وانها"معضلة محبطة لآمالهم واستقرارهم". وبحسب"تقدم وتحديات"، فإن العالم العربي هو المنطقة الوحيدة التي تشهد أعلى معدلات البطالة، إذ لا تتعدى نسبة العمالة في أوساط الشباب العرب ال29.7 في المئة، أي بمعدل عامل واحد مقابل ثلاثة بلا عمل. ويوضح التقرير أن"ثلث اليد العاملة العربية الشابة، هي الأقل كفاءة في المقياس العالمي بما فيها اليد العاملة النسائية التي تشكل 25.1 في المئة من حجم العمالة العربية". ويطرح التقرير تساؤلاً عمّا ستؤول إليه هذه الشريحة من الشباب حين تبلغ أواسط العمر؟، مطالباً حكومات الدول العربية بتهيئة حوالي 100 مليون فرصة عمل بحلول العام 2020. ويخلص التقرير إلى أن الهجرة، قد تكون الخيار الوحيد، تفادياً للبطالة والفقر بخاصة في البلدان النامية، علماً ان الشباب الأكثر كفاءة علمياً ومهنياً، يشكلون غالبية المهاجرين ويعملون في ظروف صعبة وفي مهن وضيعة ويتلقون اجوراً متدنية ويستسلمون إلى كونهم"في اسفل درجات سلم العمالة". ويقارن التقرير بين شباب البلدان المتخلفة والمتقدمة، مشيراً الى ان هذه الأخيرة تتيح لشبابها فرص الوصول الى مراكز العمل في القطاعين العام والخاص وعلى قدم المساواة بين الجنسين. وتستند إلى ما يتمتعون به من مؤهلات علمية ومهنية تحظى بمعايير دولية في الأسواق الوطنية والعالمية وان معدل البطالة في صفوفهم الى تضاؤل مستمر، ويتراوح بين 6 و9 في المئة على ابعد تقدير. تحديات لمواجهة الواقع ويسلط التقرير الضوء على الكثير من التحديات. ويقترح على المسؤولين في الدول النامية إعلان ما يشبه"حالة طوارئ"تضع في سلم أولوياتها اخطر القضايا التي تواجه الشباب، وفي طليعتها: تعديل المناهج التعليمية بما يخدم العلم والعمل لا سيما التأهيل المهني الذي يغطي نحو ثلاثة أرباع قطاعات الإنتاج في العالم المتقدم، ايلاء التربية الجنسية عناية قصوى تجنباً لتفشي الأمراض الخطيرة كالإيدز الذي يحصد ملايين الشباب كل عام ويشكل عائقاً كبيراً أمام عمليات التنمية والنهوض الاقتصادي، تعميم برامج محو الأمية التي يعاني منها حوالي 130 مليون شاب، تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، حوالي 60 مليوناً منهم في العالم العربي، وصوغ استراتيجيات وطنية تكفل استيعاب الطاقات الشبابية، الحد من هجرة العقول التي تشكل حوالي 9.5 من مجمل السكان في الدول المتقدمة الأمر الذي يخفف من حدة ثالوث"البطالة والفقر والهجرة"، الجاثم على صدور الشباب ويحول دون انزلاقهم إلى متاهات اليأس والإحباط والتطرف.