خيَّم التشاؤم على اجتماعات طاولة مستديرة نظمتها منظمتا العمل الدولية والعربية في بيروت في نهاية العام الماضي وذلك بعد استعراض حقائق الوضع الاقتصادي العربي المتدهور جداً، علماً ان المسؤولين حجبوا عن الاجتماعات دراسات وابحاثاً اكثر تشاؤماً لإدراكهم ان التي طُرحت على الطاولة كانت كافية لدق جرس آنذار عاجل لحض الحكومات العربية على التحرك لتحسين الاوضاع الراهنة. وكانت التقارير والدراسات التي تناولتها الطاولة، وفي مقدمها تقارير مدير منظمة العمل العربية ابراهيم قويدر والمدير الاقليمي لمنظمة العمل الدولية طالب الرفاعي ومنسق برامج عمل الاطفال في المكتب الاقليمي لمنظمة العمل الدولية خولة مطر ومدير ادارة التنمية في المنظمة العربية امين فارس وخبراء آخرين، كافيةً لإلقاء الضوء على الوضع العربي والدولي في مجالات البطالة وعمل الاطفال ووضع المرأة العاملة وبرامج التشغيل في الدول العربية. بحثت اجتماعات الطاولة المستديرة التي استمرت اربعة ايام في قضايا عدة وركزت على رصد الواقع بالارقام بالاعتماد على التقارير الآنفة الذكر والتي رصدت الواقع الاقتصادي في الشرق الاوسط وشمال افريقيا حتى نهاية سنة 2002. وكان من ابرز ما ذكر في الاجتماعات أن دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا سجلت أعلى معدلات بطالة خلال العام المذكور، اذ بلغت 18 في المئة، وتلتها افريقيا جنوب الصحراء بنسبة 4،14 في المئة ودول شرق أوروبا اقتصادات التحول 5،13 في المئة واميركا اللاتينية وحوض الكاريبي 9،9 في المئة. وقدّر معدل البطالة ب9،6 في المئة في الدول الصناعية و5،6 في المئة في جنوب شرقي آسيا وراوح بين 4،3 - 2،4 في المئة في باقي مناطق آسيا. وكانت المرأة أكثر تأثراً بتزايد معدلات البطالة، خصوصاً أن النساء الفقيرات يعملن في القطاعات شديدة التأثر بالتقلبات الاقتصادية. وأشارت تقارير منظمة العمل الدولية الى تزايد معدلات البطالة بين الشباب الذين يدخلون سوق العمل للمرة الاولى، بعد انخفاضها في أواخر التسعينات. وتأثرت خدمات السياحة والسفر بشكل بالغ عقب أحداث 11 ايلول سبتمبر عام 2001 وفقدت حوالى 5،10 مليون وظيفة في القطاعات المرتبطة بصناعة السياحة. وقدرت التقارير عدد العمال الفقراء الذين يعيشون بدولار أو أقل يومياً في انحاء العالم كافة بحوالى 550 مليون عامل في نهاية عام 2002، في حين قدرت أعداد العمالة الماهرة الوافدة من الدول النامية الى الدول المرتفعة الدخل بحوالى 5،1 مليون عامل سنوياً، ونسبة المهاجرين بطرق مشروعة وغير مشروعة بنحو 15 في المئة من سكان العالم في أكثر من 50 دولة. وفي ما يتعلق بالواقع الحالي للعمالة والبطالة في الوطن العربي، اشارت التقارير إلى أن عدد السكان في العالم العربي يبلغ الآن حوالى 290 مليوناً وعدد السكان في سن العمل 15-59 حوالى 159 مليوناً. وأشارت الطاولة إلى أن القوى العاملة العربية تبلغ 104 ملايين عامل وتشكل النساء 25 في المئة من القوى العاملة، وهي أدنى نسبة عالمياً حسب الاحصاءات العالمية، مع الاخذ في الاعتبار ان ذلك ناتج عن عدم احتساب نسبة مشاركة المرأة في عملية الانتاج في القطاع غير المنظم مثل الزراعة وغيرها من الصناعات الخفيفة والتقليدية والمنزلية لعدم توافر احصاءات دقيقة في هذا الشأن. ويراوح معدل البطالة في الخليج العربي بين ستة و5،17 في المئة، ويصل عربياً الى 25 في المئة، فيما تتجاوز البطالة في الاراضي الفلسطينية والعراق المحتل 70 في المئة. وتبلغ الاضافة السنوية لسوق العمل العربية حالياً 5،2 مليون عامل ومن المنتظر أن تصل الى ثلاثة ملايين سنوياً خلال السنوات القليلة المقبلة، ما يتطلب توفير من 5،2 الى ثلاثة ملايين فرصة عمل سنوياً لاستيعاب الاعداد الجديدة، والمحافظة على المعدلات الحالية للبطالة. وقفزت البطالة بين حملة الشهادات التعليمية الجامعية والمتوسطة خلال العقد الماضي الى ثلاثة أضعاف في الجزائر وخمسة أضعاف في المغرب وضعفين في مصر والأردن. وبلغت نسبة البطالة بين الشباب 4،78 في المئة في مصر و68 في المئة في سورية و58 في المئة في الأردن و45 في المئة في تونس. ونسبة 53 في المئة من طالبي العمل في معظم أقطار الوطن العربي شباب تراوح اعمارهم بين 15 و25 سنة. وتبلغ الخسائر السنوية لموازنات الدول العربية من جراء مشكلة البطالة نحو 115 بليون دولار، وهو مبلغ يكفي لتأمين ستة ملايين فرصة عمل، في حين يتطلب الحد من مشكلة البطالة استثمارات سنوية مقدارها 70 بليون دولار. وتتسم العمالة العربية عموماً بانخفاض مستوى المهارة، نتيجة إتسام سياسات التعليم والتدريب في الدول العربية بأنها غير فعالة وغير قادرة على خلق العمالة الماهرة القادرة على التجديد والارتفاع بمستوى الانتاجية والجودة. وتقدر انتاجية العامل العربي في القطاع الصناعي بنحو 800 دولار سنوياً مقارنة ب60 ألف دولار سنوياً في المجتمعات الصناعية الكبرى. أما بالنسبة لمستوى الجودة، فإن الدول العربية لديها فقط 1700 مواصفة مقابل 15 ألف مواصفة قياسية دولية. وهناك 74 مليوناً تحت خط الفقر وتراجع معدل الدخل الفردي السنوي بين عامي 1965 و2000 في دول غنية مثل الجزائر والكويت وليبيا والامارات، وانخفض الدخل الفردي السنوي للمواطن السعودي بنسبة 60 في المئة منذ عام 1980 وتراجع الى المرتبة 65 عالمياً. وتمكنت غالبية الدول العربية من الخروج من تصنيف مستوى الفقر المدقع، إلا أنه لا يزال واحد من بين كل خمسة من العرب يقل دخله عن دولارين في اليوم. وما زال فقر القدرات يمثل المشكلة الأكبر بسبب ارتفاع الأمية وانحسار فرص العمل والتعلم، اذ يقدر ان هناك 70 مليوناً لا يقرؤون ولا يكتبون النساء 50 في المئة والرجال 30 في المئة. مستوى التعليم في الفترة من عام 1960 الى 1990 ارتفع مستوى التعليم في الدول العربية بنسبة 140 في المئة، وهو معدل زيادة لم تشهده اي منطقة اخرى في العالم. إلا أن التردي المستمر في نوعية التعليم منذ ذلك الحين أدى الى تدني التحصيل المعرفي وضعف القدرة على الابتكار والإبداع والتجديد، في وقت تتزايد فيه اهمية توافر هذه القدرات، اضافة الى عدم قدرة الحكومات على تغطية مصاريف العملية التعليمية وتخصيص التعليم، مع عدم قدرة الأسر على توفير مصاريف التعليم لابنائها مع زيادة اعداد السكان. وفي الوقت نفسه تناقص تمويل التعليم تدرجاً منذ عام 1995، إذ انخفض الانفاق على التعليم للفرد في الدول العربية، نسبة الى الدول الصناعية، من 20 في المئة عام 1980 الى 10 في المئة في منتصف التسعينات. وفي ما يتعلق بثورة العلم والتكنولوجيا ومستقبل اسواق العمل في العالم، اشارت الطاولة إلى أن المعرفة تتضاعف الآن كل ثماني سنوات، وفي سنة 2025 سيكون التضاعف كل 76 يوماً فقط. وكان عدد المقالات العلمية المنشورة في عام 1900 تسعة آلاف مقال، وفي عام 1950 تزايد عدد المقالات المنشورة الى 90 الف مقال، وفي عام 2000 اصبحت 900 الف مقال، ولو ظل نمو النشر العلمي بهذا المعدل فربما تكون هناك عشرة اوراق بحث علمي في كل ثانية في كل مجال من مجالات العلوم. ويبلغ عدد اجهزة الكومبيوتر الشخصي المستخدمة في العالم حالياً نحو 495 مليون جهاز، 88 في المئة منها في الولاياتالمتحدة واوروبا وآسيا. وبلغ عدد مستخدمي الانترنت في العالم في نهاية عام 2002 حوالى 500 مليون فرد، ويتوقع ان يتضاعف العدد الى بليون فرد في سنة 2005، نسبة 65 في المئة منهم اميركيون واوروبيون. ويحوز 34 في المئة من سكان العالم على 81 في المئة من اجمالي الناتج المحلي العالمي ويشكلون 75 في المئة من مستخدمي الانترنت. وبلغت قيمة معاملات التجارة الالكترونية العالمية عام 2001 نحو 1233 بليون دولار، 98 في المئة منها تمت في مناطق اميركا الشمالية وآسيا والمحيط الهادئ وغرب اوروبا. أسواق العمل يتوقع ان يصبح عدد سكان العالم سنة 2015 حوالى 2،7 بليون نسمة، وان يتضاعف سكان العالم خلال الاربعين سنة المقبلة، وان تكون نسبة 95 في المئة من الزيادة في دول العالم النامي افريقيا جنوب الصحراء، مقابل انخفاض نسبة السكان في الدول المتقدمة من 14 في المئة عام 2000 الى 10 في المئة سنة 2050. وأشارت الطاولة الى ان السكان في الدول المتقدمة يعيشون اطول، ويتوقع تزايد كبار السن بنسبة 27 في المئة من السكان في هذه الدول في منتصف القرن. وزادت ان هناك اتجاهين رئيسيين سيميزان حركة السكان خلال السنوات المقبلة وهما الهجرة الى المدن والهجرة عبر الحدود، ولكل منهما فرصه وتحدياته، وفي سنة 2015 سيكون اكثر من نصف سكان العالم يعيشون في الحضر ويتضاعف عدد سكان اكثر المدن ازدحاما وهي المدن التي يعيش في كل منها اكثر من 10 ملايين نسمة الى أكثر من 400 مليون. وستحتاج اليابان واوروبا الى اكثر من 110 ملايين عامل جديد في سنة 2015 كي تستطيعا المحافظة على المعدلات الحالية للإعالة. ويتوقع تزايد دور صغار السن من أجيال الانترنت في النمو الاقتصادي من خلال مشاريعهم الخاصة، اذ سيعطون اهتماماً متزايداً للنجاح الاقتصادي. كما يتوقع، اذا لم يستطع شباب الدول النامية تحقيق دور مماثل كنظرائهم في الدول المتقدمة، اما أن يتجهوا الى الهجرة الى الدول المتقدمة، أو إلى إحداث موجة جديدة من التطرف وعدم الاستقرار. التطور العلمي عربياً وفي ما يتعلق بالتطور العلمي والتكنولوجي عربياً، فعلى رغم ادراك اهمية البحوث والتطور التكنولوجي سيظل التوجه والاستثمار الحكومي العربي اقل بكثير من المطلوب، اذ ينفق اثنان في المئة فقط من اجمالي الناتج المحلي العربي على البحث العلمي وهذا لا يكفي لإحداث نقلة نوعية في المستقبل المنظور. ويقدر ان 51 في المئة من المراهقين من الشباب العرب و54 في المئة من المراهقين الاصغر سناً عبروا عن رغبتهم في الهجرة، ضيقاً من الاوضاع السائدة بالنسبة لفرص التعلم والعمل، وحيث يعانون قلقاً تجاه المستقبل في بلدانهم. ويرى التقرير أن ما ترجمه العرب من العصر العباسي حتى الآن يصل الى 11 الف كتاب وهو مجموع ما تترجمه اسبانيا في سنة واحدة. ويتوقع ان يتضاعف عدد سكان العالم العربي خلال الثلاثين سنة المقبلة تقريباً وسيصبح سنة 2050 حوالى 645 مليوناً، ما يعني أن معدل النمو السكاني في المنطقة العربية سيكون اعلى من معدل النمو الاقتصادي. وكان معدل النمو السكاني في المنطقة في الربع الاخير من القرن الماضي نحو 7،2 في المئة، وهو اعلى من المتوسط العالمي في هذه الفترة أقل من اثنين في المئة. وغالبية السكان من الشباب وصغار السن والسكان في العالم العربي اصغر سناً من سكان العالم بأسره. والسكان في سن العمل 15 - 59 سيصل عددهم سنة 2025 الى حوالى 285 مليوناً، ومن المتوقع أن يصل حجم القوى العاملة العربية الى 125 مليوناً في سنة 2010. وبالنسبة للنمو الاقتصادي، ما زال اجمالي الناتج المحلي لمجمل المنطقة العربية نحو 660 بليون دولار، أي اقل من اجمالي الناتج المحلي لدولة واحدة مثل اسبانيا او ايطاليا. وفي ما يتعلق بمعدلات الاستثمار في الاقطار العربية، فهي اقل منها في دول شرق آسيا. ومع ذلك فإن الاستثمار الخاص في الاقطار العربية يمثل نحو ضعفي الاستثمار العام. وعلى رغم كبر حجم الاستثمار العام، الا ان البنية التحتية في الاقطار العربية ما زالت تتسم بقدر من عدم الكفاءة بصفة عامة. الاستثمارات العربية وقالت الطاولة ان الاستثمارات العربية خارج الوطن العربي تجاوزت عام 2002 حاجز 2،1 تريليون دولار، وتأثرت الدول العربية ذات الصادرات المتنوعة مصر والاردن والمغرب وسورية وتونس بهبوط الاقتصاد العالمي، لا سيما تراجع النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو، وتداعيات احداث 11 ايلول السلبية على القطاعات السياحية والخدمية واسعار التأمين، ما ادى ليس فقط الى مضاعفة عجوزات الحسابات الجارية لهذه الدول لتصل الى بليوني دولار عام 2002 وحسب، بل وقد تؤدي الى تفاقم اوضاع الحسابات الجارية لسنة 2003 ايضاً، خصوصاً بعد حرب العراق. ومعدل نمو الصادرات في الاقطار العربية حسب بيانات عام 2001 سالب يراوح بين -3 في المئة و - 24 في المئة، فيما عدا الاردن ولبنان وتونس. ويمثل النفط الخام والمعادن نحو 82 في المئة من اجمالي الصادرات العربية. ويعتقد بعض الاقتصاديين العرب ان حجم خسائر الاقتصادات العربية بعد ستة شهور من بداية الحرب على العراق راوح بين 60 و80 بليون دولار في اقل تقدير. ومن المتوقع ان تصل كلفة اعادة اعمار العراق الى نحو 120 بليون دولار، كما يتوقع ان يعود العراق تدرجاً الى سوق النفط مع ارتفاع الانتاج. واقترحت الطاولة حلولاً جذرية لمشكلة البطالة، وقالت ان اعادة هيكلة الاقتصاد العربي تتطلب شروطاً عدة اهمها: ضرورة الاهتمام بمشاريع التكنولوجيا، ضرورة ربط فكرة المشاريع الصغيرة بخريطة المنطقة الاقتصادية، أن تكون إعادة الهيكلة قائمة على الامكانات المحتملة للنمو، إحداث ثورة في نظم التعليم والتدريب وترسيخ التعليم والتدريب المتواصل. وقالت انه لا بد من إعادة الهندسة البشرية العربية بشكل يتوافق ومتطلبات العصر، ولإتمام ذلك لا بد من هدم ادوات واساليب التنشئة الاجتماعية المعيقة لحركة النمو وهذه مهمة استراتيجية تتطلب رؤية شمولية واطار تفكير مختلفاً يتعامل مع التعقيد والتشابك وينأى عن الثوابت واليقين، وارادة سياسية صادقة وواضحة وقوية، وإعداد خرائط حاجات تدريبية سنوية بالمؤسسات العربية وخطط تدريب ديناميكية تلبي خاصية تجديد الاحتياج التدريبي، واعطاء مفهوم التدريب المستمر اولوية قصوى وخلق الحوافز لترسيخه وربط نشاط التدريب بالادارة العليا مباشرة، والاهتمام بانشاء حضانات التكنولوجيا وتضييق الهوة ما بين حاجات السوق ومخرجات التعليم وفقاً للتطور العلمي والتكنولوجي، ومحاربة الفساد بكل انواعه وتسخير موارد القطر العربي لتنمية اقتصادية فعالة، وعدم الانسياق غير المدروس نحو تخصيص الحاجات الضرورية للانسان لكي لا يزداد الفقر فقراً. عمل الأطفال وفي ما يتعلق بعمل الأطفال في العالم، أكدت الطاولة أن هناك 120 مليوناً يعملون بدوام كامل و250 مليون طفل يعملون بين 5 - 14 ساعة يومياً، وأكثر من ثلثي الأطفال العاملين في قطاع الزراعة وأن هناك نحو مليوني طفل يعيشون بعيداً عن أسرهم وأوطانهم وهؤلاء هم الذين يتم الاتجار بهم عبر التضليل، أو الاغراء أو المراوغة والخداع، إضافة إلى استخدامهم في العمل الشاق جداً والدعارة.