احتمال ضربة أميركية احترازية على إيران في العام 2008 يبدو أقل مما بدا عليه منذ شهر مضى. مع ذلك لا تبدو واردة فرص توصل واشنطنوطهران إلى ما يسمى"بالصفقة الكبرى". والمتوقع أن يبقى الوضع متوتراً وخطراً مع إرسال كل منهما إشارات متداخلة. الاكتشافات الصادرة عن التقويم الوطني الأخير للاستخبارات الأميركية والمنشور في بداية كانون الأول ديسمبر قضت على الآمال الأميركية بعملية عسكرية كملجأ أخير إذا رفضت إيران وقف ما زعمت إدارة بوش سابقاً أنه برنامج ناشط لتطوير سلاح نووي، فقد خلص تقرير الاستخبارات بحسب رأي مشترك لست عشرة وكالة أمنية واستخباراتية مختلفة في واشنطن"بثقة عالية"الى أن إيران علقت برنامجاً كهذا في العام 2003. من طهران، أشاد الرئيس محمود أحمدي نجاد باكتشافات تقويم الاستخبارات بصفتها تأكيداً على صحة زعم إيران المتكرر بأن سعيها الى حيازة التكنولوجيا النووية لا يشكل أي تهديد. بيد أنه إذا ما صحت مزاعم تقرير الاستخبارات بأن إيران كانت تملك برنامج تسلح قبل العام 2003، فإن النيات الإيرانية ما زالت عرضة للشك. والإسرائيليون يشيرون، شأنهم شأن آخرين، إلى أن برنامجاً معلقاً يمكن استئناف العمل به في أي لحظة. وساهمت تصريحات الرئيس أحمدي نجاد حول إسرائيل والمحرقة اليهودية في إشاعة جو من التوجس في كل من تل أبيب وواشنطن. وحتى في طهران اعتبر الرئيس ساذجاً في ما يتعلق بالعلاقات الدولية، كما نفرت معالجته للشؤون الداخلية، لا سيما في الاقتصاد، عدداً من المتشددين. وستحدد الانتخابات النيابية في العام المقبل مدى ثقل المعارضة في وجه أحمدي نجاد. غير أن شعبيته الدينية ما زالت تلقى الدعم وما انفك القائد الأعلى علي خامنئي يفضله على خصميه الرئيسين السابقين خاتمي ورفسنجاني. وما دام خامنئي موجوداً في السلطة يكاد ينعدم احتمال إجراء إصلاح محلي أو اعتماد سياسة خارجية أكثر مرونة لأن جل اهتمامه ينصب على إبقاء النظام. من جهة أخرى، تحاول شخصيات أوروبية بارزة معرفة سبب سعي إيران المستمر إلى إجراء أبحاث في تقنيات تخصيب اليورانيوم إلى حد يبدو غير مبرر، إذا كانت لا تريد سوى توليد الكهرباء. ووفقاً لإحدى هذه الشخصيات، فإن إيران قد تكون ببساطة علقت العمل على تطوير رؤوس حربية لصواريخها في العام 2003 بانتظار إتقانها عملية التخصيب. ذلك أن إيران تحتاج إلى اليورانيوم الشديد التخصيب وإلى طريقة لتحويل صواريخها إلى أسلحة نووية كي تتمكن من امتلاك القنبلة. ويفيد الرئيس الأميركي بوش أن إيران ما زالت خطرة ونياتها غير واضحة. ونتيجة لذلك يقول بالحفاظ على العقوبات المفروضة على طهران بل زيادتها. ولم يشرح بوش ما إذا كان يرمي إلى تغيير النظام في طهران أو ببساطة إلى تغيير في السلوك لكنه يرفض الكلام مباشرة مع الإيرانيين حول ملفهم النووي إلا إذا علقوا برنامج تخصيب اليورانيوم، وهذا ما يرفضه الإيرانيون على أساس أنه جزء من حقوقهم بموجب معاهدة منع الانتشار. ويعتبر أحمدي نجاد البرنامج النووي الإيراني انجازاً وطنياً ومصدر فخر عظيم. لذا تبدو آفاق قبول واشنطن أو طهران بمطالب بعضهما البعض شبه مقفلة. وحتى الأوروبيين الذين يقترحون تسوية من شأنها تمكين إيران من تطوير طاقة نووية مدنية بمساعدة متعددة الجنسيات، يصرون على تعليق تخصيب اليورانيوم كشرط مسبق لا يمكنهم من دونه إحضار واشنطن إلى طاولة التفاوض. ومع افتراض عدم التعاطي مباشرة مع الملف النووي، هناك احتمال مفاوضات أميركية - إيرانية حول إرساء الاستقرار في العراق. وبالفعل بدأت المحادثات على مستوى السفراء في أيار مايو المنصرم برعاية الحكومة العراقية ومن دون شروط مسبقة. وبحسب التقارير الأميركية شهدت الاعتداءات التي تستهدف القوات الأميركية بمساعدة وتحريض إيرانيين انخفاضاً ملحوظاً. مع ذلك تنسب واشنطن هذا الانخفاض إلى موقفها الصلب وضغطها المتزايد على طهران. ويشير البعض إلى أن الولاياتالمتحدة تدين بانخفاض عدد ضحاياها في العراق مقارنة مع العام المنصرم إلى قرارات اتخذها عراقيون، لا سيما وقف إطلاق النار الذي أعلنه مقتدى الصدر، بقدر ما تدين إلى تغير جوهري في الموقف الإيراني. أما دعم عناصر القبائل السنية غير المتوقع للأميركيين في محافظة الأنبار المناهضة سابقاً للأميركيين فمرده ربما تلاشي انبهارهم بپ"القاعدة"والأهم بغضهم الشديد لإيران. وتعمد واشنطن إلى تسليح قوات عراقية علمانية وسنية فضلاً عن عناصر من الميليشيات المتصلة بالائتلاف العراقي الحاكم. وعندما تنتهي هذه القوات من التعامل مع الخطر الذي تمثله"القاعدة"في العراق، من المرجح أن تنقض على بعضها البعض بدلاً من تحقيق المصالحة. وسيعلق الأميركيون والإيرانيون في الوسط. وما زال ممكناً أن يجمع الدعم الأميركي والإيراني للحكومة العراقية حتى الآن بين الدولتين، لكن من يودون إفشال اتفاق كهذا كثر، خصوصاً أن إيرانوالولاياتالمتحدة في جبهتين متناقضتين في المواجهة الإقليمية الأوسع بين حلفائهما وزبائنهما على الجبهة الإسرائيلية - الفلسطينية وفي لبنان وما بعده. باختصار، حتى لو تراجع احتمال هجوم أميركي مباشر على إيران حول الملف النووي على المدى القصير، فإن الساحة لا تزال مفتوحة لواشنطنوطهران للاستمرار بالمواجهة بالوكالة حارمين بذلك بعضهما البعض من نشوة الانتصار. * مديرة البحوث في المعهد الملكي للشؤون الدولية شاتام هاوس