بقراره التنحي عن رئاسة "اتحاد الحركات الشعبية" يكون السياسي المغربي البارز المحجوبي أحرضان ثاني زعيم حزبي عصفت به تداعيات تشكيل حكومة رئيس الوزراء عباس الفاسي التي لم تكمل شهرها الثالث. وقالت مصادر حزبية إن المكتب السياسي للحركات ذات التوجه الأمازيغي رأى في تنحي أحرضان"شجاعة سياسية"وأشاد بدوره في تأسيس الحزب وصون مبادئه. وأشارت إلى أنه قد يحتفظ ب"منصب شرفي"في حال تشكيل مجلس رئاسة، لا سيما أنه السياسي المخضرم الذي تجاوز الثمانين عاماً وعرف بقدرته على الصمود في مواجهة الأعاصير السياسية. وجاء قرار أحرضان التنحي طوعاً هذه المرة بعدما فشل في ضمان مشاركة حركته في حكومة الفاسي، ما اعتبره خصومه داخل الحزب نكسة سياسية، خصوصاً أن"الحركة الشعبية"منذ تأسيسها في نهاية خمسينات القرن الماضي لم تكن يوماً في صفوف المعارضة، فهي شكلت منذ إعلانها ذراعاً للنظام في مواجهة حزبي"الاستقلال"و"الاتحاد الوطني للقوات الشعبية". ويذكر راصدو الصراعات الحزبية في المغرب أن أحرضان ورفيقه الدكتور عبدالكريم الخطيب تعرضا للاعتقال والسجن بسبب مواقفهما في مواجهة ما كانا يصفانه آنذاك ب"الاستبداد الحزبي". غير أن الرجلين اللذين انضما معا إلى المقاومة في ريعان الشباب اختلفا عند مفترق الطريق، وفيما حافظ أحرضان على زعامة"الحركة الشعبية"، أسس الخطيب"الحركة الشعبية الدستورية"التي انبثق عنها حزب"العدالة والتنمية"الإسلامي في نهاية القرن الماضي. وكما اختار الخطيب التنحي عن زعامة الحزب الإسلامي قبل بضع سنوات، جاء قرار رفيقه ليعاود بوصلة الطريق إلى استحضار ذكريات الرجلين، فالخطيب استطاع أن يحوّل بيته في الرباط إلى مركز استقطاب زعامات حركات التحرير الأفريقية، وفي مقدمها زعيم جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا الذي يحتفظ بصداقته. وقادته نزعته الإسلامية إلى الانفتاح على رجال الدين الإيرانيين قبل معاودة تطبيع العلاقات بين الرباط وطهران. والحال أن رفيقه أحرضان كان أول وزير دفاع مغربي يقيم علاقات تعاون عسكري بين المغرب والاتحاد السوفياتي سابقاً، غير أن هذا المنصب الحساس أُلغي من خرائط الحكومات المتعاقبة بعدما قاد وزير الدفاع الجنرال محمد أوفقير محاولتين لإطاحة نظام الملك الراحل الحسن الثاني في العامين 1971 و1972. وفي وقت ينشغل الخطيب، وهو طبيب جراح، باستحضار ذكريات المقاومة وصراعات السلطة والنفوذ ويزوره بين الفينة والأخرى القياديون الجدد في"العدالة والتنمية"، ينزوي أحرضان كعادته في اللحظات الصعبة إلى مرسمه في الرباط أو مقر إقامته في قرية والماس يسبر أغوار الريشة والشعر الذي يقرضه بفرنسية راقية. ثمة جيل من الزعامات الحزبية التي عاصرت حكم الحسن الثاني، صراعاً ومصالحة في طريقه إلى الظل، إلا أن هذه الزعامات أثرت كثيراً في العمل الحزبي. ويقول باحث إن الأحزاب المغربية ارتبطت بالزعامات أكثر منها بالبرامج والمواقف، إذ أفلح الدكتور الخطيب في أن يجعل"العدالة والتنمية"مسانداً لحكومة رئيس الوزراء السابق عبدالرحمن اليوسفي، وارتبط اختياره المعارض باعتزال الأخير. كذلك، فإن احرضان يغادر"الحركة الشعبية"وقد اصطفت قسراً في صفوف المعارضة. ومن يدري فقد يدفع تنحي وزير الدولة محمد اليازغي من زعامة"الاتحاد الاشتراكي"إلى عودة الأخير إلى المعارضة. وربما كان خير مثال على هذه التحولات أن زعيم حزب"الاستقلال"السابق محمد بوسته غادر موقع القيادة وحزبه في المعارضة، ما أفسح في المجال أمام خلفه عباس الفاسي ليصبح وزيراً ثم رئيس وزراء.