تفاعلت في اتجاهات عدة تصريحات عمدة مدينة فاس المغربية حميد شباط عن ضلوع المعارض التاريخي المهدي بن بركة في تصفية خصوم سياسيين. وفي وقت طالب مسؤول حكومي السلطات الفرنسية بإماطة اللثام عن ظروف خطف واغتيال بن بركة في باريس، رفع تنظيم الشباب التابع لحزب «الاتحاد الاشتراكي» دعوة قضائية ضد شباط الذي ردّ مناصرون له بتنظيم تظاهرة لتخليد ذكرى مقتل المقاوم عباس المسعدي الذي لا يزال غيابه يثير تساؤلات عن مناطق الظل في الصراعات الحزبية التي دارت في السنوات الأولى لاستقلال البلاد. وطلب وزير الدولة المغربي الزعيم السابق للاتحاد الاشتراكي محمد اليازغي من السلطات الفرنسية كشف وثائق استخباراتية في أرشيفها تتعلق بظروف اغتيال بن بركة بعد خطفه في 29 تشرين الأول (أكتوبر) 1965 في باريس، في إشارة إلى ضلوع وزير الداخلية وقتذاك الجنرال محمد أوفقير في إزاحة المعارض اليساري الأبرز. ونُقل عن اليازغي قوله في اجتماع حكومي رسمي رأسه عباس الفاسي زعيم «الاستقلال» الذي ينتسب إليه شباط: «إذا كان أحد يتحدث اليوم عن بن بركة، فيجب عليه أن يتوجه إلى الحكومة الفرنسية لرفع الحظر عن المعلومات والأسرار المحيطة باغتياله». ودعا «المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان» إلى مواصلة جهوده لكشف الحقيقة، و «التوجه إلى اولئك الذين يعرفون حقائق الملف ولا يزالون على قيد الحياة للإدلاء بإفاداتهم». واكتست مداخلة الوزير التي لم تكن مقررة ضمن جدول أعمال الاجتماع الحكومي، طابعاً رسمياً، أقله أن كلامه قيل في حضور رئيس الوزراء عباس الفاسي. وسبق لليازغي أن تمنى على الإدارات الأميركية المتعاقبة رفع الحظر عن وثائق استخباراتية لها علاقة بالموضوع، لكن تصريحاته الأخيرة جاءت في أعقاب تحريك قاضي التحقيق الفرنسي ملف ملاحقات في قضية الاغتيال يتضمن الاستماع إلى إفادات شخصيات مدنية وعسكرية مغربية متنفذة، قال إن من شأنها أن تساعد القضاء الفرنسي في كشف الحقيقة. ولفتت مصادر إلى أن تحركات القاضي الفرنسي جرت في وقت كان الوزير محمد بوزوربع المنتسب إلى «الاتحاد الاشتراكي» مسؤولاً في وزارة العدل، كما أن الزعيم الحالي للحزب عبدالواحد الراضي يقود الوزارة حالياً. ولا يُعرف إن كان كلام اليازغي موجهاً إلى رفيقه الراضي أم إلى رئيس الوزراء، لكن الثابت أنه جاء على خلفية تصريحات عمدة فاس التي أثارت جدلاً إزاء ضرورة معاودة كتاب التاريخ السياسي للمغرب الذي يكتنفه الغموض وتتلاعب به الميول الحزبية. وأعادت تصريحات شباط ملف الخلافات الحزبية بين «الاستقلال» و «الاتحاد الوطني» الذي تأسس في أعقاب انشقاق نخب يسارية عن الحزب المحافظ في نهاية خمسينات القرن الماضي، إضافة إلى احتدام الصراع آنذاك بين فصائل المقاومة وزعامات سياسية. ولم تفلح جهود «هيئة الانصاف والمصالحة» التي عهد إليها العاهل المغربي الملك محمد السادس طي ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان منذ الاستقلال حتى رحيل الملك الحسن الثاني في صيف العام 1999، في إزالة كل مظاهر اللبس التي سادت فترات الاحتقان السياسي، وإلى تعرض ناشطين ومعتقلين سابقين إلى أنواع من القمع على أيدي أجهزة أمنية. وسبق لرئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أحمد حرزني أن أقر بصعوبة التوصل إلى الحقيقة الكاملة في ملف بن بركة. ويربط مراقبون بين عودة الحساسيات بين «الاستقلال» و «الاتحاد الاشتراكي»، والإعداد لانتخابات البلديات في حزيران (يونيو) المقبل. ورغم الوفاق السياسي بين قيادتي الحزبين المشاركين في الائتلاف الحكومي بزعامة الفاسي، فإن تململاً في القواعد يظهر بأشكال مختلفة. ويُنظر إلى تصريحات عمدة فاس باعتبارها انعكاساً لذلك التململ الذي يطبع صراع النفوذ بين الحزبين على تسيير المدينة ورمزيتها السياسية، خصوصاً أن حجم النفوذ السياسي للأحزاب يقاس عادة بحضورها في المدن والحواضر الكبرى وليس الأرياف. ودعا زعيم «الاستقلال» أحزاب المعارضة والموالاة كافة إلى «التعبئة على كل المستويات لتحقيق نسبة عالية من المشاركة في انتخابات البلديات». ووصف أمام اجتماع حزبي عزوف الشباب عن صناديق الاقتراع بأنه يمثل «خطراً وتحدياً حقيقياً على الديموقراطية المحلية».