خلال وجودي في صالة المغادرين انتظارا لطائرة العودة بعد زيارتي الأخيرة لبيروت، شرعت بالتطلع لشراء هدية لمناسبة عيد الميلاد لأحملها معي إلى بلدي عندما اقترب مني مسؤول أمني من الجيش اللبناني لوداعي، وأضاف بابتسامة:"كل ما نحتاجه في عيد الميلاد هذا هو رئيس - رئيس عيد الميلاد". وبينما يبدو لي ذلك الآن إفراطاً في التفاؤل، فإن هذا الشعور يلخص بشكل موجز طموحات جميع الأطراف الذين أجريت محادثات معهم خلال زيارتي، أو أنه يلخص طموحاتهم المعلنة على أقل تقدير. فجميع من التقيتهم مدركون لمدى أهمية ملء الفراغ السياسي الذي تركته مغادرة الرئيس لحود لمنصبه في 23 نوفمبر تشرين الثاني من دون أن يكون له بديل، وكذلك أهمية تسوية أسوأ أزمة سياسية منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها من 1975- 1990. جميع من التقيتهم أرادوا إيجاد سبيل لحلحلة العملية السياسية والمضي بخطوات تجاه وجود حكومة فاعلة قادرة على معالجة القضايا التي تهم حقا المواطنين اللبنانيين - قضايا كالأمن والاستقرار والاقتصاد. وقد يشترك غالبية من تحدثت إليهم في نظرات مشتركة بشأن المعادلات السياسية التي يمكنها تحريك الأجندة نحو الأمام، لكن كانت تحوم فوقها غيمة من التشاؤم بشأن العراقيل الهائلة جدا التي تقف أمامهم. قبيل وصولي إلى بيروت، قمت بزيارة خاطفة إلى باريس لحضور اجتماع دعا إليه الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون على عجل لمناقشة موضوع لبنان - وهو مؤشر على القلق العميق لدى الدول العربية الأساسية والدول الأوروبية والولايات المتحدة تجاه التطورات هناك. وكان يبدو التخوف جليا على جميع من حضر الاجتماع بسبب عدم إحراز أي تقدم، وطالبوا بإجراء انتخابات رئاسية غير مشروطة ومن دون أي تأخير، وإتاحة المجال امام التئام البرلمان وقيامه بمهماته. كما لقيَت عملية قتل الجنرال فرانسوا الحاج، رئيس العمليات بالجيش، إدانة قوية، وهي الأخيرة ضمن سلسلة طويلة من الاغتيالات السياسية، وكان فيها تذكير عاجل بالحاجة الماسّة لخفض التوترات عبر التوصل لحلول سياسية. كما أنه من الحيوي جدا أن يتبع جيران لبنان في المنطقة نموذج المملكة العربية السعودية ومصر والأردن وجامعة الدول العربية وغيرها من الدول بالمساعدة في كسر الجمود. وقد أوضحتُ بشكل جلي خلال اجتماعاتي الأخيرة مع كبار الشخصيات السورية بأنه يجب ألا يُنظر إلى سورية على أنها تعرقل التوصل إلى حل، ووجوب أن ترسل سورية إشارات لا غموض فيها لمن هم في فلكها السياسي عن مدى الحاجة لوقف عرقلة الوضع والعودة بلبنان بعيدا من حافة الكارثة. إن التدخل من قبل أي طرف خارجي في الشؤون اللبنانية هو تدخل غير مقبول أبدا، وقد أوضحت تماما لجميع الأطراف بأنه بينما بريطانيا ملتزمة تماما ببذل كل ما في وسعها لمساعدتهم في كسر الجمود السياسي، فإننا وغيرنا نعمل بحيادية لمصلحة جميع اللبنانيين. كما ذهبت خلال زيارتي هذه إلى لبنان لمشاهدة الدمار الذي وقع في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين. كانت تلك تجربة كئيبة ومؤثرة، فقد شاهدت الكثير من الفلسطينيين يعانون لإعادة بناء بيوتهم وحياتهم بعد أن ضربها الدمار الذي تسببت به ثلاثة شهور من القتال بين الجيش وميليشيات تابعة لجماعة"فتح الإسلام"المتطرفة. وتساعد وكالات عدة، بما فيها"الأونروا"وجمعية الإغاثة الإسلامية، في إعادة إعمار هذا المخيم لرفع الكارثة الإنسانية الملحة. هذا يُبرز للأضواء أهمية النظر إلى الصورة الأوسع لوضع اللاجئين الفلسطينيين. ورغم أن مخيم نهر البارد يعتبر حالة استثنائية بالنظر لما حل به، فإن الوضع الإنساني فظيع في العديد من المخيمات الأخرى في لبنان التي تشهد ازدحاما سكانيا وظروفا معيشية صعبة. فهناك مشاكل كبيرة تواجه الفلسطينيين في ما يتعلق بالظروف الصحية والحياتية، بما في ذلك الحصول على المواد الغذائية الأساسية والرعاية الصحية والتعليم ومواجهة انتشار البطالة، إلى جانب نمو وجود الجماعات المتطرفة التي انتقلت الى هذه المخيمات لاستغلال المعاناة الكامنة فيها والتحريض على ارتكاب العمليات الإرهابية. أمام المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية بدعم وتمويل أعمال منظمات كالأونروا، وضمان أن تجد الأموال سبيلها إلى الأفراد المقصود مساعدتهم، بدل تمويل أنظمة بيروقراطية غير فعالة. يتعين علينا أن نبذل جهودا مضاعفة للتوصل لحل سياسي لقضية اللاجئين. وقد وعدت المملكة المتحدة بتقديم 100 مليون دولار للأونروا خلال السنوات الخمس القادمة لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين في جميع أرجاء المنطقة. هذه المشكلة هي من أصعب القضايا العالقة في منطقة الشرق الأوسط. والعملية التي بدأت في أنابوليس تحملنا الى الاقتراب قليلا من وضع إطار لتسوية هذه القضية، لكن يلزم كذلك بذل جهود في الدول المضيفة لضمان أن يحصل الفلسطينيون على الأمل والفرص لبناء حياة أفضل لهم ولعائلاتهم. وبالنسبة للبنان، فإن وجود هذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين أدى، في مناسبات عدة، الى تفاقم الضغوط السياسية والاجتماعية. وهذا يزيد من أهمية أن نأخذ هذه القضية على محمل الجد لأقصى حد. لبنان هو بمثابة كنز ثمين لكنه هش، مدفون في قلب الشرق الأوسط. وهو يضم أحد الأنظمة الديموقراطية الأكثر تطورا في المنطقة، وهو مؤلف من مجموعة معقدة من جماعات دينية وعرقية مختلفة تبدي تناغما كبيرا في فن التعايش مع بعضها بعضاً، ولطالما كان مجتمعه المتقدم والمستنير بمثابة منار تستهدي به أجزاء أخرى من المنطقة. لكن وللأسباب نفسها فإن لبنان لديه حساسية عميقة الأثر تجاه الضغوط الإقليمية والدولية. إن أصدقاء لبنان مدركون جدا للتحديات والمخاطر الكامنة أمامهم، ويبذلون كل مساعيهم للعمل مع مختلف الأطراف من أجل التوصل إلى حل. وسواء كان لبنان سيحصل أو لن يحصل على أمنيته بأن يكون لديه رئيس بمناسبة عيد الميلاد، علينا أن نعمل كل ما في وسعنا لضمان أن يكون عام 2008 عاما أفضل للشعب اللبناني. * وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية