في خضّم المحادثات الدائرة بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية حول نقل الهدنة الحالية إلى وضع ثابت لا يسهل اختراقه، غاب عن هذه المحادثات كل اهتمام كاف بقضية ستلقي يوماً ما بظلالها القاتمة على محادثات قضايا المرحلة النهائية: مصير اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في الدول العربية. وحالة اللاجئين في لبنان لها أهمية خاصة بحكم أن قصتهم كانت الأكثر إثارة للحساسيات في العقود الماضية، ووجودهم كان الأكثر إثارة للجدل. ورغم أن الأرقام الرسمية لوكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا تشير إلى وجود 396 ألف لاجىء فلسطيني في لبنان، فإن مصادر داخل الوكالة تعتقد بأن العدد الحقيقي كان أقرب الى 180 الفاً في منتصف تسعينات القرن الماضي. فقد ترك العديد من الفلسطينيين لبنان دون عودة. أما من بقي فعرضة لقيود مشددة خاصة في ما يتعلق بالعمل. وهم بالتالي يعيشون في ظروف مزرية. وهذه الظروف تجعلهم متشائمين بشكل خاص تجاه أية تسوية إسرائيلية فلسطينية قد تتركهم يواجهون مصيراً مجهولاً. على خلفية هذه الأسباب، تحدى لاجئو لبنان العملية التفاوضية خلال سنوات أوسلو. ولم تتغير المشاعر كثيراً خلال السنوات الماضية. والتحدي الأكبر الذي ستواجهه السلطة الوطنية الفلسطينية في المستقبل هو التحدث بصراحة ووضوح مع هؤلاء اللاجئين بشأن مستقبلهم. فقد قللت القيادة الفلسطينية من جدية الطرح القائل بأنه في أفضل الأحوال فإن نسبة ضئيلة من اللاجئين سوف تستفيد من"حق العودة"إلى بيوتهم داخل الخط الأخضر الذي يفصل إسرائيل عن المناطق الفلسطينية المحتلة. وهذا أمر يمكن تفهمه، لأن عكس ذلك لن يؤدي فقط إلى إثارة غضب اللاجئين وانقسام الفلسطينيين فحسب، وإنما سيضعف من أوراق التفاوض التي تملكها السلطة الوطنية في ما يتعلق بموضوع اللاجئين عندما تبدأ مفاوضات المرحلة النهائية مع إسرائيل. لكن هذا التخوف قد يخلق مأزقاً للقادة الفلسطينيين. فمع تقدم المباحثات مع إسرائيل، هذا إذا حصل أي تقدم في هذا المجال، فقد يظن اللاجئون بأن عودتهم أصبحت قريبة أكثر، وترتفع التوقعات بحيث من المرجح أن يجد المفاوض الفلسطيني نفسه في شرك بين حد أعلى من مطالبات اللاجئين وحد أدنى لما يمكن لإسرائيل أن تقبله. فاضطرار القيادة للتفاوض مع شعبها في نفس الوقت الذي تتفاوض فيه مع خصمها لم يكن أبداً من الأوضاع المريحة أو المستحبة لأية قيادة. ولذا فإن المزيد من الانفتاح في المراحل الأولى وقبل مباشرة العملية التفاوضية يبدو أمراً لا مناص منه. في لبنان، مثلاً، يمكن القيام بالكثير لتحسين وضع اللاجئين. فقد حان الوقت لأن تعيد الحكومتان اللبنانية والفلسطينية تشكيل علاقاتهما. وإذا اكتمل الانسحاب السوري من لبنان خلال الشهرين المقبلين، فقد يفتح ذلك الباب أمام الحدّ من التلاعب السياسي بمخيمات اللاجئين الفلسطينيين. وبشكل موازٍ فإن سيطرة سياسية أكبر على المخيمات من قبل السلطة الفلسطينية، والتي لن تضطر بعد اليوم الخضوع للتأثير السوري، قد تُفشل جهود حزب الله في استخدام المسلحين الفلسطينيين، وخاصة من الفصائل الإسلامية، لتشجيعهم على عسكرة الانتفاضة. تستطيع حكومة مستقلة في لبنان وسلطة وطنية فلسطينية ملتزمة بمفاوضات سلمية مع إسرائيل بحث عدد كبير من القضايا ذات المنفعة المتبادلة. فيتوجب على الحكومة اللبنانية تحديد ملامح الوضع القانوني للاجئين الفلسطينيين، يستوعبهم بشكل أفضل في الحياة اللبنانية، ولكن دون منحهم الجنسية اللبنانية - فمنح الجنسية قد يؤثر على التوازن الطائفي اللبناني ويثير ردة فعل عنيفة من الذين يعارضون التوصل إلى التسوية الدائمة. ومن الاقتراحات الممكنة مثلاً منح اللاجئين وضع العمالة الوافدة، مع اعتبارهم من رعايا الدولة الفلسطينية. وكعمالة وافدة، يتم إعطاؤهم حقوقاً هم محرومون منها اليوم، الأمر الذي يحل مشكلة اجتماعية أخذت تتفاقم في وجه الحكومة اللبنانية. وسيكون لهم كذلك وضع قانوني مؤقت يمكن للسلطات اللبنانية تغييره بحريّة عندما تسمح الظروف بذلك. هذا الإجراء يجب أن يترافق مع نزع سلاح المخيمات الفلسطينية كجزء من عملية لعودة المخيمات إلى سلطة الحكومة اللبنانية. وهذا الأمر يضمن عدم الاستمرار في توظيف الفصائل الفلسطينية كحجارة شطرنج في أيدي العداوات الإقليمية المتناحرة، كما أن إنهاء حالة الجزر الأمنية هذه المعزولة عن العالم، والتي كانت سبباً لبؤس وتخلف اللاجئين، سيؤدي إلى أن يستفيد المدنيون الفلسطينيون من تواصل المخيم مع ما هو خارجه. كذلك ستستفيد السلطة الوطنية الفلسطينية من هذا الأمر. وضع العمالة الوافدة ونزع سلاح المخيمات، والذي يجب بالضرورة الاتفاق عليه بين المسؤولين الفلسطينيين واللبنانيين، سيظهر مزايا التعاون في إطار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية المستمرة. وسيسمح هذا للاجئين بشكل خاص ان يكونوا جزءاً من العملية التي شعروا أنه تم تحييدهم عنها خلال حقبة أوسلو. وسيؤكد لهم كذلك أنه لا توجد أجندة سرية لحل قضية اللاجئين في لبنان. وستكون المخيمات الفلسطينية المنزوعة السلاح مهيأة للنظر بصدر مفتوح إلى القيادة في رام الله لحماية مصالحها، وليس إلى الميليشيات المحليّة. بذلك تصبح القيادة الفلسطينية، مستفيدة من تنامي مصداقيتها بين اللاجئين، قادرة أكثر على شرح الواقع الذي يحيط بقضية عودة اللاجئين واحتمالات عودتهم، أو لنقل غياب احتمال عودة أعداد كبيرة منهم إلى أرض أجدادهم. وهذا الأمر، بدوره، قد يشجع إسرائيل لتوافق من طرفها على مبدأ العودة، كالموافقة مثلاً على لمّ شمل العائلات أو إبداء المزيد من المرونة في ما يتعلق بأعداد الفلسطينيين الذين يسمح لهم بالعودة إلى داخل الخط الأخضر. وقد يكون اللاجئون متقدمين على غيرهم في هذا الأمر. فقد أظهر استطلاع أجراه الباحث الفلسطيني خليل الشقاقي رئيس المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية عام 2003 انه لن يصر سوى 10 في المئة من اللاجئين على العودة إلى إسرائيل ليصبحوا مواطنين هناك بعد التوصل إلى تسوية. ورغم أن الاستطلاع أثار جدلاً حاداً، إلا أنه قد يشير إلى أن الفلسطينيين اللاجئين يتمتعون بحنكة وواقعية عند استقراء مستقبلهم أكثر مما ترغب القيادة الفلسطينية في الاعتراف به. إن التوصل إلى حل بشأن وضع اللاجئين في لبنان إنما هو خطوة في عملية المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية الأوسع. إضافة إلى ذلك فإن قضية اللاجئين بمجملها هي موضوع لمحادثات قضايا الوضع النهائي الذي لم توافق الحكومة الإسرائيلية بعد على الانخراط فيها. إلا أن الاتفاق على تحديد الوضع الجديد للاجئين يمكن أن يبدأ بين الحكومة اللبنانية والسلطة الوطنية الفلسطينية حال تشكيل حكومة لبنانية في بيروت بعد الانتخابات والانسحاب السوري. وذلك سيساهم في بناء الثقة بين الفلسطينيين واللبنانيين، كما سيظهر بأنه يمكن في الفترة الانتقالية التي تسبق التوصل إلى حل نهائي أن تقوم الدول العربية المجاورة، وليس فقط الأطراف المنخرطة مباشرة في المحادثات، بخطوات جيدة ومفيدة لتسهيل وإنجاح هذه المحادثات. - مايكل يونغ محرر صفحة"الرأي"في صحيفة"ديلي ستار"The Daily Star اللبنانية، وهو محرر مشارك في مجلة ريزون Reason التي تصدر في الولاياتالمتحدة. ينشر هذا المقال بالتعاون مع خدمة Common Ground الإخبارية.