حين أصدر "أمير الجهاديين" سيد إمام الشريف الدكتور فضل بياناً في شهر نيسان أبريل الماضي أعلن فيه شروعه في كتابة وثيقة"ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم"لما لاحظه من ظهور صور مستحدثة للقتل باسم الإسلام، اتجهت الأنظار سريعاً إلى تنظيم"القاعدة"، ورأى مراقبون أن مراجعات الشريف ستؤثر حتماً على التنظيم. وبعد أن أفرج الشريف عن مراجعاته طرح التساؤل بقوة، كيف ستؤثر وثيقة الشريف على"القاعدة"عملياً، وليس نظرياً؟ بداية يجب الإطلالة سريعاً على علاقة سيد إمام بالقاعدة حتى يمكننا معرفة الكيفية التي ستؤثر بها مراجعاته على التنظيم، وفي هذا ربما تكون شهادات عناصر"القاعدة"أكثر دلالة. يقول محمد الحكايمة، الذي قدمه الرجل الثاني في"القاعدة"أيمن الظواهري باعتباره مسؤول التنظيم في مصر، في بيان تناول موقف القاعدة من وثيقة ترشيد العمل الجهادي إن"الكل يعلم أن الدكتور سيد إمام لم ينضم في يوم من الأيام إلى تنظيم القاعدة وأول من انضم إلى القاعدة من جماعة الجهاد هو الدكتور أيمن الظواهري وكان ذلك بعد استقالة الشيخ سيد إمام من قيادة جماعة الجهاد، وعلى رغم أن تنظيم القاعدة كان ولا يزال يكن كل حب وتقدير لكل علماء الحركة الإسلامية عامة وللدكتور سيد إمام خصوصاً، وعلى رغم تدريس كتاب"العمدة في إعداد العدة"، في معسكرات القاعدة فإن هذا ليس دليلاً على انضمام الدكتور سيد إلى التنظيم أو انه كان أحد مفكريه". عنون الشريف وثيقته بپ"ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم"، ولذلك مغزاه، فإذا نظرنا إلى واقع الحال في مصر نجد أن"عمليات العنف"توقفت تقريباً منذ سنوات، خصوصاً عمليات تنظيم"الجهاد"المصري، وللعلم فإن تجربة مراجعات الجماعة الإسلامية في مصر جاءت في ذروة عملياتها ضد النظام المصري فكان من السهل تحديد من تستهدف، فإذا كانت العمليات توقفت في مصر فمن يستهدف سيد إمام بمراجعاته؟ الأقرب إلى الظن أنه يستهدف الحركات الجهادية العالمية، فعمليات العنف التي يرى أصحابها أنها"جهاد"يتركز معظمها الآن في تلك التي تُقدِم عناصر تنظيم"القاعدة"على ارتكابها، وهنا تجوز الإطلالة سريعاً على تركيبة تنظيم"القاعدة"، فمنذ الإعلان عن تأسيس التنظيم حتى يومنا هذا يمكننا تقسيمه إلى ثلاثة مستويات، أولها التنظيم الأصلي الذي أسسه أسامة بن لادن وضم الظواهري والمجموعات"الجهادية"في باكستان وأفغانستان ويشكل أعضاء تنظيم"الجهاد"المصري جانباً كبيراً منه، والمستوى الثاني تمثله جماعات"جهادية"محلية انضمت طوعاً للقاعدة خصوصاً في العراق تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين والجزائر القاعدة في بلاد المغرب، أما المستوى الثالث وهو الأقل تأثيراً يتشكل من مجموعة الشباب التي تميل للقاعدة فكرياً وتنتهج أسلوبه من دون أن تكون هناك روابط تنظيمية معه، وهى الظاهرة التي يطلق عليها"التجنيد الذاتي"، وبرز هذا النوع كثيراً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر، إذ أصبحت"القاعدة"تعتمد كثيراً على ذلك النوع من التجنيد عبر البيانات والأشرطة المسجلة التي تتداول على مواقع الانترنت. ويبدو أن إمام التفت إلى هذه الفئة، إذ ذكر كثيراً في وثيقته بمفتيي الإنترنت، فيقول في وثيقته"مثل كتب العلم ما ينشر في شبكة المعلومات الدولية الإنترنت لا يجوز قبول كل ما ينشر فيها من دون تدبر ومن دون دراية بالأهلية الشرعية للناشر فيها وبعد الله، خصوصاً ما ينشر فيها من تحريض للمسلمين على الصدام مع غيرهم"..."رأيت بعض من لا يحسن الإجابة عن سؤال في فقه الصلاة أو الطهارة، في حين أنه يفتي ويأمر بإهدار الدماء والأموال بالجملة"..."لا تلغ عقلك ولا تتبع أبطال الإنترنت الذين يطيرون البيانات المحرضة للشباب". وفي فقرة مهمة تدحض الأساس الفكري لپ"الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين"القاعدة يقول سيد إمام"لجأت بعض الجماعات الإسلامية الى الصدام مع السلطات الحاكمة في بلادها أو مع الدول العظمى ورعاياها باسم الجهاد في سبيل الله تعالى من أجل رفعة شأن الإسلام، وانتشرت الصدامات في مختلف البلدان من أقصى الشرق الى أقصى الغرب، وخالط هذه الصدامات كثير من المخالفات الشرعية، مثل القتل على الجنسية، والقتل بسبب لون البشرة، أو الشعر، والقتل على المذهب، وقتل من لا يجوز قتله من المسلمين وغير المسلمين، والإسراف في الاحتجاج بمسألة التترس لتوسيع دائرة القتال ... ومن هنا لزم ترشيد فهم فريضة الجهاد". إذن مُنظِّر القاعدة"يحظر قتل الصليبيين واليهود وكذلك الشيعة والمدنيين"، والأمثلة التي ساقها سيد إمام تنطبق على ما يجري في العراق على أيدي"القاعدة"وغيرها من التنظيمات. ولكن هل يمكن أن تؤثر وثيقة الشريف في عناصر"القاعدة"في اتجاه مراجعة أفكارهم وتخليهم عن العنف. يقول محامي الإسلاميين في مصر منتصر الزيات الذي يتولى الترويج لوثيقة الدكتور فضل"أتصور أن الوثيقة ستنتج أثراً لا محالة شاء من شاء وأبى من أبى على عموم الحركات الجهادية، على الأقل في علاقاتها مع الداخل الدول العربية، فعلاقاتها مع حكوماتها ستتأثر بشكل كبير"، ويضيف"أتصور أو أكاد أجزم أن هذه الوثيقة ستنتج أثراً في الإحاطة بالعمليات العشوائية التي يقوم بها بعض الشباب الذين يعتنقون أفكاراً جهادية داخل البلاد العربية والإسلامية لأن منظومة أو تركيبة البنية الفكرية لهؤلاء تكمن في الانترنت من كتب سيد إمام العمدة وپالجامع فعندما يقرأون الآن مراجعاته التي يحظر فيها الخروج على السلطان بحجة تطبيق الشريعة وهو رجل علم وكان أميراً لتنظيم الجهاد بين عامي 89 و93 سيتأثرون حتما"، ويشير الزيات إلى أن"عمليات القاعدة التي كانت تحدث منذ سقوط كابول وحركة طالبان وانفراط عقد القاعدة هي امتداد إقليمي للتنظيم تأثرت بعواطف جياشة اثارتها سياسات أميركا في العراق وفلسطين وأفغانستان، ولذا أقول إن القاعدة نجحت في إدارة الأزمة اعلامياً وتفوقت على إدارة بوش مستغلة اخطاءها في المنطقة وسياستها المنحازة". ويتفق الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية الدكتور ضياء رشوان مع الزيات في هذا الأمر، ويرى أن"المستويين الثاني والثالث من تنظيم القاعدة سيتأثران كثيراً بمراجعات الدكتور فضل في اتجاه إعادة النظر في قناعاتهم التي شكلت كتبه جزءاً كبيراً منها، أما قيادات المستوى الأول التي عاشت وتفاعلت مع سيد إمام فستقرأ وتفكر أيضا في مراجعاته ولكن لا يمكن التكهن في رد فعلها". وإن كان الرجل الثاني في الجماعة الإسلامية ومنظرها ناجح إبراهيم يعتقد أن"قيادات الصف الأول في القاعدة يمكن أن تفكر وتتغير لأنها تعرف سيد إمام عن قرب، فأسامة بن لادن رجل يفكر ويقبل المشورة، أما من هم دونه فلا أرى فيهم ذلك"، إلا أنه يقول"أزمة بن لادن أن مشكلته مع الولاياتالمتحدة ومهما أيد من مراجعات يعلم أنها لن تتركه، ومن ثم هو لن يتراجع عن حربه ضدها ولكن ستؤثر وثيقة الشريف في طبيعة عمليات القاعدة"، ويضيف"سنحكم على الأثر بعد حين". وإذا كان إمام رجلاً على هذا القدر بين الأوساط"الجهادية"، فهل استرعت مراجعاته انتباه قيادات"القاعدة"؟ يمكننا هنا أن نلمس رداً مبدئياً من هذه الأوساط على إعلان الشريف، فأيمن الظواهري الرجل الثاني في القاعدة انتقد فعلاً سيد إمام ومراجعاته من دون أن يسميه، وبعدما أصدر الدكتور فضل بياناً أعلن فيه اعتزامه إطلاق المراجعات أصدر الظواهري تسجيلاً مصوراً تطرق فيه إلى أمور عدة تتعلق بالعراق وفلسطين وانتقد فيه المراجعات ضمناً حين قال"قد تساق بعض الشبهات على ألسنة المتراجعين فيقولون إن كثيراً من الأئمة كابن تيمية والسرخسي ألفوا في السجن ونبي الله يوسف عليه السلام دعا إلى التوحيد في السجن، نعم صحيح، ولكن لم ينقلبوا إلى الضد في السجن"، والأسماء التي ذكرها الظواهري ابن تيمية والسرخسي ونبي الله يوسف هي نفسها التي استشهد بها الشريف في بيانه لقطع الطريق على من يدفعون بقاعدة لا ولاية لأسير. واللافت أيضاً أن أسامة بن لادن أقر في تسجيل صوتي في شهر تشرين الأول أكتوبر الماضي بأن"المجاهدين في العراق ارتكبوا أخطاء في بعض الأحيان"، مطالباً إياهم بالاعتراف بالأخطاء التي ارتكبوها، وكأن بن لادن أراد أن يستبق بذلك التسجيل، وثيقة سيد إمام باعترافه بأن هناك أخطاء تحدث في العراق. وهنا نلحظ جلياً اختلافاً بين زعيم"القاعدة"وذراعه الأيمن حول تقييمهما لمراجعات الشريف، ويعزو الزيات ذلك الاختلاف إلى"المأزومية التي فرضتها ظروف الواقع الأمني الذي لا يسمح بتواصل كاف بين القياديين الأساسيين في القاعدة، فلا فرصة للنقاش للخروج بموقف موحد، إذ أن الظروف الأمنية لبن لادن معقدة أكثر من الظواهري الذي يمتلك حرية نسبية للتواصل مع الرأي العام عبر أشرطة وبيانات"، ويشير إلى أن بن لادن"ربما أراد ألا يزيد من شقة الخلاف بين القاعدة ومفتيها غير الرسمي".