تفاقمت المخاوف اللبنانية من احتمال أن يؤدي تأجيل انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية الى ما بعد الأعياد، الى نشوء حالة استحالة لملء الفراغ الرئاسي قبل آذار مارس المقبل، خصوصاً اذا كان الخيار سيبقى قائماً على تولي قائد الجيش العماد ميشال سليمان هذا المنصب الذي يحتاج الى تعديل الدستور، في وقت تنتهي الدورة العادية الحالية للبرلمان، المنوط به وبالحكومة تعديل الدستور، آخر الشهر الجاري على أن تبدأ الدورة العادية المقبلة للسلطة الاشتراعية في أول ثلثاء بعد 15 آذار المقبل، وفق المادة 32 من الدستور. وفي وقت أعرب زعيم"التيار الوطني الحر"العماد ميشال عون عن اعتقاده بأن الانتخاب الرئاسي لن يحصل قبل الأعياد، بالقول:"لا أرى تباشير لذلك"، قال مصدر نيابي من الأكثرية ل"الحياة"ان هناك"على الأرجح مماطلة في تعديل الدستور حتى انتهاء الدورة العادية للبرلمان بحيث يتم تمديد فترة الفراغ الرئاسي". وقال المصدر:"إذا استمر قادة المعارضة تحديداً رئيس المجلس النيابي نبيه بري في رفض تمرير التعديل الدستوري عبر حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، فإن انتهاء الدورة العادية للبرلمان يعني أنه سيرفض الدعوة الى دورة استثنائية للبرلمان مطلع السنة الجديدة، لأن هذه الدعوة يجب ان تتم بمرسوم يصدر عن الحكومة باعتبارها تسلّمت مهمات وصلاحيات الرئاسة منذ 23 تشرين الثاني نوفمبر الماضي، وعن رئيس الحكومة، في وقت تصر المعارضة على اعتبار الحكومة غير شرعية، ما يحول دون فتح الدورة الاستثنائية. وتقول مصادر نيابية ل"الحياة"ان تأجيل انتخاب سليمان الى السنة المقبلة سيعني أيضاً وضع عوائق قانونية أمام تعديل الدستور من أجل انتخابه، لأن المادة 77 من الدستور تنص على أن الاقتراح النيابي بتعديله يتم خلال دورة عادية وليس دورة استثنائية، فيما المادة 76 من الدستور لا تشترط أن تكون الدورة عادية إذا جاء اقتراح اعادة النظر في الدستور من رئيس الجمهورية الحكومة في الحال الراهنة عبر مشروع قانون يقدمه مجلس الوزراء الى مجلس النواب، وهذا دونه عدم اعتراف المعارضة بالحكومة. راجع ص 6 و7 وقالت مصادر الأكثرية ل"الحياة"ان الرئيس بري عدّل موقفه عما اتفق عليه مع زعيم تيار"المستقبل"النائب سعد الحريري الجمعة الماضي بضرورة مرور التعديل الدستوري عبر الحكومة في شكل إجباري، وعاد عن قرار حضور وزرائه المستقيلين جلسة الحكومة التي ستقر مشروع قانون التعديل مساء الجمعة، بناء لموقف طارئ من دمشق وطهران بتأخير التسوية حول انتخاب سليمان وعدم استعجال ملء الفراغ الرئاسي، لأسباب تتعلق بالوضع الإقليمي. وأوضحت المصادر ان بري كان اتفق مع الحريري على صيغة اقترحها هو لنشر قانون تعديل الدستور لانتخاب سليمان من قبل الحكومة بعد إقرار مشروع القانون الذي كان يفترض أن ترسله الى البرلمان، وهي أن يتم النشر عبر التبليغ"لصقاً"، بدل انتظار نشر المشروع في الجريدة الرسمية لينتخب البرلمان سليمان على أساسه، لأن النشر"لصقاً"على مدخل السرايا الحكومية أو البرلمان يختصر الوقت... لكن بري عدّل موقفه فجأة واقترح تعليق الفقرة الثالثة من المادة 49 من الدستور، مستنداً الى تصريح لسلفه النائب حسين الحسيني أدلى به السبت الماضي، وهي تحول دون انتخاب موظفي الفئة الأولى للرئاسة اذا لم يستقيلوا من مناصبهم قبل سنتين من الانتخاب. وقالت مصادر بري أمس رداً على رفض المعارضة الاكتفاء بتعليق الفقرة المذكورة من المادة 49، من البرلمان دون العودة الى الحكومة، ان"كل الدساتير تسمح بالاستثناء". واتهمت مصادر بري الأكثرية بالسعي الى السيطرة على البرلمان. وقال قانونيون اطلعوا على تصريح الرئيس الحسيني ان اقتراحه تعليق الفقرة الثالثة من المادة 49، لا يتضمن أي إيحاء بإمكان تجنب المادتين 76 و77 من الدستور اللتين تجعلان الحكومة ممراً إجبارياً لتعديل الدستور وأن اتصالات تمت معه لاستيضاحه، فقال ان اقتراحه التعليق لم يشمل تجاوز هاتين المادتين. وذكر هؤلاء ان الرئيس الحسيني يعتبر أن اقتراحه تعليق الفقرة الثالثة هو اقتراح لتعديل الدستور وليس لتعليقه، بمشاركة المؤسسات الثلاث المعنية بالتعديل أي رئاسة الجمهورية والبرلمان والحكومة، التي تتولى الآن مجتمعة صلاحيات الرئاسة. وأمس تشاور الحريري العائد فجراً من المملكة العربية السعودية مع بري ورئيس كتلة"الوفاء للمقاومة"محمد رعد في ما آلت اليه المواقف من تعديل الدستور لانتخاب سليمان رئيساً للجمهورية. وعلمت"الحياة"ان بري أكد تمسكه باقتراح تعليق الفقرة الثالثة من المادة 49 من دون العودة الى مجلس الوزراء. ونقلت مصادر مطلعة عن بري قوله انه يرفض عودة الوزراء الشيعة المستقيلين المنتمين الى حركة"أمل"الى الحكومة، ولو وافق حليفة"حزب الله"على هذه العودة. كما نقلت المصادر ذاتها عن رعد قوله ان"حزب الله"لا يستطيع"ان يحمل عودة وزرائه الى الحكومة"، مشيرة الى ان بري أبلغ الموقف ذاته الى السفير باران. وفيما علم أن اتصال الحريري ببري لم يتناول تأجيل الجلسة البرلمانية، صرح الحريري مساء أمس الى قناة"أخبار المستقبل"بأن قوى 14 آذار لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء عدم انتخاب رئيس للجمهورية. وزاد:"نحن في 14 آذار قمنا بمبادرة تقضي بتعديل الدستور وترشيح العماد سليمان للرئاسة واليوم الاقتراحات التي توضع أمامنا وامام مجلس النواب هي اقتراحات لتعليق الدستور. نحن نريد تعديل الدستور لننتخب رئيساً، ولا نريد خرق الدستور لتعديله ومن ثم ننتخب رئيساً... ولا أظن ان العماد سليمان قد يوافق على خرق الدستور". واعتبر الحريري ان"التوافق بحاجة الى ثلاث دقائق ليحصل، والطرق التي يمكن من خلالها تعديل الدستور معروفة، لكن الطروحات التي يتم التداول بها اليوم هي لتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، وليس للانتخاب". واتهم المعارضة بأنها"تحاول ان تكرس الفراغ في رئاسة الجمهورية، وهذا خطأ يجب الا يحدث. نحن نريد انتخاب رئيس للجمهورية يكون لجميع اللبنانيين، وجميع اللبنانيين لديهم ثقة بالعماد سليمان الذي قام بخطوات جريئة في البلد... وحتى اليوم لم أستطع أن أفهم سبب التعطيل الذي يحصل وإذا كان هناك بعض المعارضة لا يرغب في انتخاب العماد سليمان رئيساً فعليهم ألا يضعوا اقتراحات دستورية غير مقبولة، بل عليهم أن يقولوا أنهم غير موافقين على انتخاب العماد سليمان رئيساً". وعن جلسة اليوم قال الحريري:"بالنسبة إلي وحتى الساعة، هناك جلسة ونحن ذاهبون اليها وبصدد التحضير لعريضة، وسنوقعها وسائرون قدماً في انتخاب رئيس. أما إذا أرادت المعارضة الوقوف في وجه الشعب اللبناني في انتخاب رئيس للجمهورية، فلتتحمل مسؤولياتها". واعتبر انه"سيكون هناك رئيس للجمهورية وسننتخب رئيساً، ومن يحاول أن يعطل الانتخابات عليه أن يتحمل مسؤولية التعطيل. نحن كقوى 14 آذار لن نقف مكتوفي الأيدي إزاء عدم انتخاب رئيس للجمهورية، ونعرف ما يجب أن نقوم به لإجراء الانتخابات الرئاسية، ونتمنى ألا يدفعوننا باتجاه اتخاذ خطوات غير ذلك". وأجرى الحريري مساء أمس اتصالين بكل من الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وعرض معهما تطورات الأوضاع في لبنان والمنطقة. واستقبل السفير الأميركي في لبنان جيفري فيلتمان في حضور النائب السابق غطاس خوري وبحث معه التطورات. تظاهرات من جهة أخرى، شهد بعض مناطق الضاحية الجنوبية لبيروت حيث السيطرة ل"حزب الله"، تظاهرات عصر أمس، تخللها قطع طرق بإطارات مطاط مشتعلة احتجاجاً على التقنين في الكهرباء. وشمل التحرك مفترقات طرق المشرفية، مار مخايل والكفاءات، وتدخل الجيش اللبناني وطلب من المتظاهرين الذين كانوا بالمئات الانصراف.